هل يريدون معرفة الحقيقة؟
هل يريدون معرفة الحقيقة؟
فادي عبود
Saturday, 13-Aug-2022 07:03

بعد مرور سنتين على بدء التحقيقات في مرفأ بيروت، بات واجباً أن نسأل سؤالاً بديهياً: «هل يريدون معرفة الحقيقة؟».

سنتان من الأخذ والرد، وشَل التحقيقات، ودعاوى بالجملة لكَف يد المحقق العدلي، ومخاصمة القاضي، ودعاوى رد.

 

سنتان كان الهم الاساسي فيهما تقييم القضاة وعملهم والدفاع عن الحصانات المقدسة، ووضع الخطوط الحمر للشخصيات المحسوبة على السلطة، فانحَرف الموضوع مِن استِقتال لمعرفة الحقيقة الى مناكفات في السياسة.

 

واليوم التحقيق معطل، ولا قرار ظنياً يصدره القاضي، ويبقى الموقوفون على ذمة التحقيق رهينة التعطيل، ولا خطوات يتم اتخاذها للمضي قدماً، الى درجة عدم المطالبة باسترداد المواطن البرتغالي خورخي موريرا المطلوب من الانتربول لضلوعه في إدخال شحنة الموت الى بيروت.

 

انّ الفشل الذريع في الوصول الى الحقيقة بعد مرور سنتين، يضعنا امام مراجعة شاملة لنظامنا القضائي ونظامنا الاداري المهترىء، فالنظام نفسه المسؤول عن التفجير يعطّل التحقيق اليوم، نظام لم يطوّر قوانين ويعدّلها للوصول الى الفعالية، مجتمع تحوّل عبداً لقوانين بائدة وإجراءات ادارية موروثة. مجتمع يضع خطوطاً حمراً على كل شيء الا الكرامة والانسانية والانتاجية. فأصبح القانون اهم من الانسان، واصبحت الحصانة النيابية اهم من الحقيقة، واصبحت الاجراءات الادارية أهم من الفعالية.

 

في مراجعة لأولى نتائج التحقيق التي تم تسريبها الى الاعلام، بتنا على اقتناع بأن الفساد انفجر في المرفأ، وان غياب الشفافية هو عامل مدمّر للمجتمع. الخطير انّ الجميع كان يعرف بخطورة الشحنة من اليوم الاول، وشركة «بارود للمحاماة» أرسلت كتاباً في العام 2014 يُنبّه الى خطورة الشحنة مع لائحة بانفحارات الامونيوم حول العالم، وبدأ التخبّط، مراسلات من هنا وهناك كلها لم تُفض الى نتيجة، بيروقراطية ادارية مُرعبة، تضارب وعدم وضوح في الصلاحيات، لجنة مؤقتة لإدارة المرفأ غير قانونية، ولم يتمكن اي طرف من اتخاذ قرار شجاع يحمي الناس، تَقاذف للمسؤوليات، مع عدم إلغاء شبهة الفساد والطمع بتحقيق ارباح من شحنة الموت. يُعيدنا ذلك الى مطالباتنا المستمرة بتغيير الاجراءات الادارية في لبنان والدخول الى عصر جديد من الاجراءات الفعّالة الممكنة مع مراجعة كافة القوانين الحقيرة وتغييرها، لأنّ هذه الاجراءات لم تفجّر المرفأ فحسب بل قتلت وطناً بكامله لمدى سنوات ومنعت عنه الدخول في عصر الفعالية والاقتصاد المنتج والاستفادة من ثرواته.

 

كما نجد أنفسنا امام مراجعة حتمية للنظام القضائي في لبنان، لقد بات لزوم ما لا يلزم، لأنه رهينة لنظام السلطة، يبقى القاضي خائفاً من معاقبته على يد السلطة عبر نقله او منع امتيازاته، ونتيجة لذلك لم نتمكن من الوصول الى العدالة في كثير من القضايا في لبنان، فلماذا الاستمرار بهذه المسرحية؟ لماذا صرف المبالغ والتعيينات والامتيازات طالما العدالة تبقى مفقودة؟ فيما عَجزنا حتى اليوم عن إقرار قانون يكرّس استقلالية القضاء في لبنان.

 

ختاماً، إرحموا الشعب وأقرّوا الشفافية المطلقة في لبنان، ألم نقتنع بعد سنوات من الهدر والفساد وصولاً الى التفجير انّ المواطن اللبناني يجب ان لا يبقى غائباً عن اي قرار تتخذه السلطة، وان الشفافية المطلقة قادرة على الحَد من القرارات الفاسدة والسيئة، فلو توافرت الشفافية لكانت المراسلات التي ذكرناها في قضية المرفأ واضحة للعلن ولكانَ الشعب أدرك خطورة الشحنة التي بقيت 6 سنوات قنبلة موقوتة في المرفأ. إنّ المسؤولين كانوا يدركون خطورة الشحنة ولكن الشعب كان يجهل ذلك. لقد أثبتت هذه المأساة انّ غياب الشفافية يستطيع ان يهدّد الارواح والامن القومي وسلامة الافراد، ويهدّد كل فرد من المجتمع.

theme::common.loader_icon