كتَبْنا... وما كتَبْنا
كتَبْنا... وما كتَبْنا
الوزير السابق جوزف الهاشم
Friday, 12-Aug-2022 06:42

أكثر ما أتلقَّى من تعليقات على ما أكتبُ من مقالات، كان: على مَـنْ تقـرأ مزاميرك يا داود.

 

وفي كلّ مـرة كنتُ أردّ على المتسائلين مستشهداً بقول شيشرون عندما سُئل لماذا تكتب والناس لا يقرأون؟ فيجيب إني أكتب للتاريخ.

 

أوْ كما يقول الشاعر الفرنسي «بـول فاليري»: «أنا أكتب الآن لإنسانٍ يأتي بعدي».

 

وخيـرُ الكلام في هذا المقام ما جاء على لسان الإمام علي بـن أبي طالب:

 

«لا خيـرَ في الصمت عن الحكم».

 

إذا كان السياسي الناجح كما يقولون هو الذي يعرف متى يظهر ومتى يختفـي، ومتى يتكلم ومتى يسكت، ومتى يواجه ومتى يهادن..

 

فإنّ الصحافي الناجح هو الذي يعرف متى لا يختفي، ومتى لا يسكت ومتى لا يهادن.

 

والصحافي الناجح هو الذي يُطالب بالحريّـة للعبيد، وهو الذي يفكر للمجانين، ويعمل من أجل التعساء، بل هو كما يقول «بـوذا» يظلّ حتى آخـر حياته يبحث عن الحـق.

 

المفكر البريطاني الساخر «جورج برناردشو» يصـف الصحافي بتاجر الفضائح، فكم هي الحال عندنا وسوق الفضائح على أشدِّها ازدهاراً ورواجاً: بالفضائح الوطنية والسياسة والرئاسية والحكومية، والفضائح المالية والإقتصادية والقضائية والنفطية، وفـوق كـلِّ قصـرٍ وسرايا ووزارة، يرتفع علـمٌ للفضائح باسم لبنان.

 

يا خسارة ما كتبنا..!

 

ماذا.. هل تريدون أنْ نـرى لبنان يحتضر وشعب لبنان ينتـحر، ونحن ننحـرُ أقلامنا جُبْنـاً أو تكسُّباً أو مراوغةً، فيما أجواق الدفن ترمي التراب على الأكفان..؟

 

وهل تريدون أن نستسلم للدواوين الفاسدة في الدولة، وأن نحترق بنار الجحيم الأسفل، ولا نسأل عن تلك الأفاعي التي أوحت للشاعر الياس أبو شبكة قصائده السبع في ديوان «أفاعي الفردوس»..؟

 

وهل علينا أنّ نُشعلَ النـار في أجسادنا من أجل عبـادة الأصنام التي خلقناها، لنصبح معها وثنيّـين تحت رهبة أنظار الله…؟

 

وهل سنظلّ عبيداً لحكامٍ يستخدمون خزينة الدولة كالثـديِ يسكبُ المال في أفواه أبناء الحرام، وأنْ نقف ساجدين حيالَ المظالم التي يتضاءَلُ أمامها جنون نيرون…؟

 

وهل تريدون، أنْ نمرض بلا شفاء، وأن نموت بلا استشفاء، وأن ننام على سراج اللّيل، وأن نستفيق على عـواء الثعالب..؟

 

وهل نعيش ونحن نلهث وراء ربطـة الخبـز على أرضنا جياعاً، حتى أصبح الرغيف في أيدينا سيفاً قاتلاً كما السيف في يـدِ «حاتم الطائي» يعطي سيفهُ للخصمِ كرَمـاً عند المبارزة ليتعّرض هو للموت.

 

يا خسارة ما كتبنا… لا… الصحافي تاجر الفضائح… نعم…

 

لا بـدّ من أن نفضح الذين عـرَّضوا الوطن للهلاك، والذين تاجروا بالشعب: بحياته ومماته، وعَرضوا كلَّ أعضائهِ البشرية للبيع قبل أن يموت.

 

الصحافي ورجل السياسة الفرنسي «شارل موراس» عندما ساد الفساد في فرنسا وتعرّض الشعب للـذُلّ دعـا في مقال «إلى ذبح رئيس الحكومة الفرنسية «ليـون بلوم» على عتبة البرلمان بسكّين المطبخ».

 

عندما تصبح السلطة الحاكمة لعبة الشيطان فلا بـدّ من شيطان القلم الذي يقول فيه القيصر الروسي «جميلٌ أنت أيها القلم ولكنك أقبح من الشيطان في مملكتي».

 

نعم.. سنستمرّ في محاربة القيصر بواسطة هذا الشيطان الذي في مملكته.

theme::common.loader_icon