الفن يساهم في تحويل «جمعية إلياس خوري» إلى واقع!
الفن يساهم في تحويل «جمعية إلياس خوري» إلى واقع!
منير الحافي
Thursday, 11-Aug-2022 06:30

لم تمر الذكرى الثانية لتفجير مرفأ بيروت من دون أن تعيد للذاكرة مواقف حزينة وعميقة جداً لأهالي الضحايا المئتين وأكثر، وللجرحى والمعوقين بالآلاف من جرّاء هذا الانفجار غير المسبوق في بيروت. بل إنّ لبنان كله تألّم للذكرى.. وتكلّم.. وقد يكون تعلّم!

 

غير أن الخسارات لا تمنع المبادرات والتطلع دائماً نحو الأمام... من دون النسيان. في هذا المجال ظهرت إلى النور مؤخراً «جمعية إلياس خوري»، وهو الشاب اليافع الذي قضى جراء تفجير بيروت. «جمعية إلياس خوري» تأسست بمبادرة من عائلة إلياس التي تضم والدته ووالده وشقيقته إضافة إلى صديق مقرّب جداً للعائلة هو الطبيب طوني كرم. تقول والدة إلياس، ميراي: «إن الفكرة انطلقت بمبادرة من الدكتور طوني كرم وهو زميل لها منذ الطفولة في المدرسة. كان يجمع زملاء وزميلات الطفولة غروب على تطبيق «واتس اب». بعد التفجير والخسارة المؤسفة لإلياس، اقترح الدكتور طوني على كل الزملاء أن تقف المجموعة والعائلة جنباً إلى جنب لمساعدة المتضررين، باسم إلياس. وبالفعل قامت المجموعة بالتبرّع بتقديمات مادية وعينية ليتم تقديمها إلى الناس المحتاجين».

 

من جانبه، يذكر دكتور طوني كرم، وهو طبيب نسائي وعقم وفي الوقت نفسه عازف بيانو محترف منذ طفولته، أن العائلة كانت في ظروف صعبة جداً. ميراي تضررت جراء الانفجار ونقلت إلى المستشفى. «أجريت لها عمليات جراحية عديدة في مستشفى رزق. وابنتها نور كذلك تضررت ونقلت إلى مستشفى سرحال ثم إلى أوتيل ديو التي كان فيها شقيقها إلياس. بقي إلياس في حالة كوما لمدة أسبوعين قبل أن يفارق الحياة». لذلك، فإن أي دعم تقدمه العائلة للمجتمع يكون مصدر سعادة وراحة لها. هكذا فكر طوني والأصدقاء.

 

بعد وفاة إلياس، تم تسليم المساعدات إلى ميراي «باسم إلياس» وقال لها أصدقاؤها: «هذه المساعدات التي كانت مالية وغذائية هي تحت اسم إلياس خوري لينتفع بها اللبنانيون المحتاجون». وبالفعل كانت هذه المساعدة بمثابة «أمل للعائلة عبر مساعدة الآخرين». عندئذ قام والد إلياس، بسّام، بتوضيب مساعدات غذائية ووضعها في صناديق وتسليمها إلى مستحقّيها من الناس في بيروت. هذه الحركة الإنسانية «شغلت العائلة وإن مؤقتاً عن التفكير الدائم بمصابها الأليم عبر مساعدة المحتاجين».

 

حصل هذا إذاً، في الأسابيع الأولى بعد التفجير الرهيب. بعد سنتين من الحادثة، عادت العائلة والدكتور طوني للتفكير بشيء متقدّم في هذا المجال. ولا ننسى أن «إلياس ما زال معنا» في العقل والقلب والذاكرة وفي الإعلام أيضاً. لأنه كلما ذكر تفجير مرفأ بيروت يُذكر ضحاياه ومنهم إلياس. من هنا خرجت فكرة تشكيل جمعية تحمل اسم «إلياس خوري»، تعنى بتعليم الطلاب لأنّ إلياس الذي قضى في سن الـ15 كان ينوي أن يتخرّج من المدرسة ويتعلم الهندسة المعمارية في الجامعة. «لو كان إلياس حياً كان سيدخل الجامعة هذه السنة»، تقول ميراي. عندها فكّرت في ما يمكن أن يفعله لتحقيق طموحه في الجامعة. «حتى وإن لم يتسجل شخصياً في الهندسة بسبب الوفاة، وإنما يجب أن يُسجل اسم إلياس خوري في الجامعة -كلية الهندسة المعمارية كما كان يحلم». عندها، توافقت العائلة وصديقها على قَوننة الجمعية وتسجيلها في المرافق الرسمية. «كان إلياس شخصاً يزرع الأمل والدعم لكل أصدقائه ومن حوله. كان كل شخص ينظر إليه يبتسم لأنه يتلقّى من إلياس ابتسامة ونظرات محبة». لذلك فإن «جمعية إلياس خوري» تريد أن تزرع البسمة على قدر الاستطاعة في نفوس الشبان والشابّات. ووضع القيّمون عليها عدة أهداف قابلة للتحقيق، منها: تعليم شاب أو شابة في مجال الهندسة المعمارية، مساعدة طلاب يدرسون الهندسة على شراء كتب وحاجيات تتعلق باختصاصهم وعلى أجندتهم أفكار كثيرة على أمل التمويل من متبرعين.

 

هذا الأمر يتحقق نتاج تبرّع «أصدقاء إلياس خوري ومحبيه» وكل لبناني يؤمن بقضية التعليم في لبنان. وهؤلاء ليسوا قلائل، فعدد كبير من المهتمين كانوا حاضرين في إطلاق «جمعية إلياس خوري» في مركز «آرت هاوس» في الجميزة - بيروت خلال حفل عشاء أقامته الجمعية مؤخراً. وخلال العشاء رحّبت العائلة بالأصدقاء وعزف طوني كرم معزوفات كلاسيكية تقديساً للحياة والأمل بغد أفضل. «إلياس نفسه كان يحب الموسيقى خصوصاً الراب»، بحسب ميراي. الموسيقى والأصدقاء لم يكونوا وحدهم في «آرت هاوس» بل إن الفن التشكيلي كان مُسانداً لإنشاء الجمعية من خلال معرض للفنان شكرالله فتوح الذي عرض مجموعة لوحات ضمن معرضه: «حكي». وعبر بيع اللوحات ذهبَ جزء من المداخيل إلى «جمعية إلياس خوري». كما شارك كل من الفنانين التشكيليين وسام ملحم وزينة نادر بعملين فنيين ليعود ريعهما إلى «الجمعية» الوليدة.

 

الجمعية اليوم على قيد الحياة.. مثل اسم إلياس خوري. الكلّ ساهم في ذلك: العائلة والأصدقاء والفنانون و»آرت هاوس». هذه الجمعية ستتعاطى مع الطلاب وموضوع التربية في لبنان باحتراف واهتمام لأنها مؤمنة فعلاً بما تقوم به. وهي ستتطوّر وتكبر لأن قضيتها مُحقة ومُنتسبيها صادقون. والفن دائماً سيكون رافداً لهذه الجمعية وغيرها، فلطالما ساهم الفن التشكيلي والثقافة في دعم جمعيات لبنانية إشتغلت في مجال دعم الإنسان والطفل والمرأة ومختلف القضايا الوطنية.

theme::common.loader_icon