لماذا انتظار الاستحقاق الرئاسي؟
لماذا انتظار الاستحقاق الرئاسي؟
راكيل عتيِّق
Thursday, 07-Jul-2022 06:28

دخل البلد مرحلة جمود جديدة في انتظار موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فباتت وتيرة تأليف الحكومة المُرتقبة بطيئة، وانصرفت قوى سياسية عدة إلى التحضير للاستحقاق الرئاسي على مستوى إجرائه وتحالفاته ومرشحيه.

التركيز على الاستحقاق الرئاسي ينطلق من أنّه مفصلي ويرسم المرحلة المقبلة للبلد، فعرقلة حصوله في المهلة الدستورية التي تبدأ بعد نحو شهرين في الأول من أيلول المقبل وتنتهي في31 تشرين الأول 2022 عند انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، تعني أنّ هناك تحضيراً خارجياً - داخلياً لاستحقاقات أكبر، ورسم لمرحلة مفتوحة على كلّ الاحتمالات، تبدأ من الفوضى وقد لا تنتهي بتغيير النظام. أمّا إجراء الانتخابات الرئاسية بلا تأخير فيُترجم الإرادة المعلنة بضبط الوضع في لبنان وعدم أخذه الى الانهيار التام.


كذلك يشير إسم الرئيس العتيد وهويته السياسية إلى معالم المرحلة الآتية. وهذا كلّه مرتبط أيضاً بالأوضاع الإقليمية والدولية في ذلك الوقت، علماً أنّ الانتخابات الرئاسية أساساً، من أكثر الاستحقاقات في لبنان التي تعكس التدخّلات و»الأهواء» الخارجية وتأثيراتها عليه.


كذلك يُعتبر استحقاق الرئاسة مفصلياً، إذ من خلاله يُعاد إنتاج كلّ السلطة التنفيذية، من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة فالحكومة. وعلى رغم تقليص صلاحيات رئاسة الجمهورية في الدستور عام 1990 إثر «اتفاق الطائف»، إلّا أنّ رئيس الجمهورية لا يزال يملك صلاحيات أساسية مؤثرة في طريقة الإدارة والعمل والنهج المُعتمد في الدولة، وأبرزها، أنّ أي حكومة لا تُبصر النور من دون توقيعه، وبالتالي هو قادر على ضبط إيقاع الحكومة من خلال تشكيلتها.


إلى ذلك، تركّز جهات سياسية على الاستحقاق الرئاسي أيضاً، لأنّ رئيس الجمهورية رأس الدولة. وانطلاقاً من هذا الموقع المعنوي الكبير والصلاحيات الموجودة بين يديه، هو قادر على التوجيه وضبط كلّ إيقاع الحياة الوطنية والسياسية، وأن يكون الكلمة الفصل في موضوع القضاء والقوانين والمؤسسات والانضباط والإدارة وطريقة سير الأمور. وبالتالي هو قادر، بحسب هذه الجهات، على إحراج كلّ الكتل والقوى السياسية، انطلاقاً من رسمه الخط العام، فهو رأس البلاد والهرم، والذي يفرض التوجّه العام، وليس المقصود التوجُّه السياسي بل القضائي والقانوني والإداري والمسلكي والمؤسساتي والدستوري والدولي والعربي. كذلك هو قادر على الضغط في اتجاهات واضحة المعالم على كلّ المستويات المطلوبة. لذلك، إنّ دوره أساس ومفصلي وبنيوي.


على صعيد التحضيرات لهذا الاستحقاق، كان سبق لـ»حزب الله» أن دعا قبل الانتخابات النيابية في أيار 2022، إلى «التوافق» على رئاسة الجمهورية، وهذا «التوافق» يعني بحسب جهات سياسية، أنّ «الحزب» أبدى استعداده للتخلّي عن مرشح من 8 آذار، أمّا وقد حصلت الانتخابات وخسر «الحزب» بنتيجتها الأكثرية النيابية، فبات متعذّراً إيصال رئيس من فريق 8 آذار، إلّا إذا حظيت هذه الشخصية بتأييد نواب مستقلّين ومعارضين. وهنا أيضاً يشكّل هذا الاستحقاق تحدّياً للغالبية النيابية المُفترضة، التي لم تتوحّد بعد في أي استحقاق بعد بدء ولاية المجلس النيابي الجديد، فخسرت معارك رئاسة المجلس ونيابتها وهيئة مكتبه واللجان ثمّ رئاسة الحكومة.


وتترقّب القوى السياسية موعد دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، مع الدخول في المهلة الدستورية لإجراء هذا الاستحقاق. وحتى الأول من أيلول المقبل، يجب تحضير الظروف لإنضاج هذا الاستحقاق، بحسب جهات سياسية، تعتبر أنّ بري أعطى إشارة إلى أنّه سيدعو بلا تأخير إلى جلسة انتخاب رئيس.
وبحسب حزب «القوات اللبنانية» الذي يركّز على الاستحقاق الرئاسي، يتوقف خوض هذا الاستحقاق على أمرين أساسيين:


- الأول، أن تتفق كلّ مكونات المعارضة على مقاربة واحدة ورؤية مشتركة لإنقاذ الجمهورية. فرئيس الجمهورية إسم على مُسمّى، هو رئيس الجمهورية اللبنانية. وبالتالي يجب إنقاذ الجمهورية من خلال هذا المدخل المُسمّى رئاسة الجمهورية، وهو القاعدة لإعادة إنتاج السلطة.


- الثاني، العمل على توحيد القراءة السياسية بين مكونات المعارضة، بحيث تتّحد المعارضة وتعترف بأنّها فشلت سابقاً وعليها النجاح مستقبلاً عبر قراءة مشتركة والوصول إلى تسمية واحدة، إضافةً الى وضع كلّ الجهود بغية أن تشكّل الانتخابات الرئاسية وحدة موقف وصف بين مكونات المعارضة، لكي ننطلق نحو الجمهورية التي يحلم بها كلّ مواطن لبناني.


وستسعى «القوات» الى «إنضاج الظروف الوطنية والسياسية للوصول الى تفاهم بين مكونات المعارضة على رؤية موحّدة حول دور رئيس الجمهورية، الذي يُفترض أن يعكس توجّهات الناس، أي رئيس حريص على الدستور وتطبيقه وعلى سيادة لبنان، وأن يكون السلاح محتكراً من الدولة لا غير، وأن يكون التفاوض في يد الدولة فقط، وأن تكون هي صاحبة القرار العسكري والأمني والاستراتيجي والتفاوضي والدولي والخارجي. كذلك يجب أن يكون الرئيس ضابط إيقاع للقضاء والقوانين والمؤسسات، وأن يعيد الاعتبار الى المفهوم القيمي للبنان».


إنطلاقاً من هذا العنوان، تشدّد «القوات» على «ضرورة أن نتفاهم على سردية سياسية حول العنوان الذي يمثله رئيس الجمهورية. لأنّه عندما يكون رأس الدولة يمثل المواطن اللبناني، الذي يريد الاستقرار والازدهار وعلاقات لبنان الخارجية والحياد والسيادة والدولة والسلاح الواحد ومفهوم القوانين والعدالة والحرية، نستطيع عندئذ أن نخوض هذه المعركة تحت هذه العناوين». ولذلك تركّز «القوات» على الرئاسة، لأنّها تنعكس على بقية السلطة، فعندما يكون رئيس الجمهورية بهذه المواصفات يجب أن يكون رئيس الحكومة والحكومة أيضاً بالمواصفات نفسها.


وللوصول إلى ذلك أيضاً، يجب بحسب «القوات»، «عدم تضييع مزيد من الوقت في حكومات فاشلة، وعهد وصل البلد خلاله إلى ما وصل إليه، ويجب أن نؤسس للمرحلة المقبلة، وهذا لا يكون في 31 تشرين الأول، بل يجب أن يبدأ منذ الآن، لكي يكون 1 تشرين الثاني صفحة ومرحلة جديدتين في تاريخ لبنان».

theme::common.loader_icon