الفنان جوزيف الحلو... لوحاته الواقعية والسوريالية تزيّن «المتاحف» المنزلية!
الفنان جوزيف الحلو... لوحاته الواقعية والسوريالية تزيّن «المتاحف» المنزلية!
منير الحافي
Thursday, 23-Jun-2022 05:43

خلال بحثي اليومي عن الفنانين اللبنانيين، إستوقفتني لوحات الفنان الراحل جوزيف الحلو. هو فنان لبناني «شامل». ذلك أنه إضافة إلى كونه رساماً من الدرجة الأولى، كان كاتباً وموسيقياً وصاحب صوت جميل في الغناء. تعرّفت إلى ابنته الوحيدة ريما في منزلها في بعبدا وهي مسقط رأس العائلة. تقول ريما إنّ والدها من مواليد العام ١٩٢٦. تعلم في مدرسة «جامعة فيكتوريا» - بعبدا من الصف الأول تكميلي حتى صف الفلسفة (١٩٣٦- ١٩٤٧). في المرحلة الجامعية، التحق بالجامعة اليسوعية ليدرس الهندسة (١٩٤٧-١٩٤٩) لكنه سرعان ما شعر بحاجته للانتقال إلى دراسة الفنون فترك الهندسة ليتخرج من جامعة الألبا للفنون الجميلة بشهادة دبلوم في الرسم.

 

تَصفه ريما بأنه كان حنوناً جداً ولطيفاً. وبما أنها ابنته الوحيدة كان حنانه زائداً عليها. أما كفنان فكان «كاملاً». كان يكتب ويرسم «من قلبه». تحدّث عن كتاباته عدد من الكتاب الكبار أمثال ميخائيل نعيمة وأمين نخلة وعمر أبو ريشة وهنري زغيب. كما أن له رسائل متبادلة مع شارل مالك وكمال يوسف الحاج وألكسي بطرس وقدري قلعجي وفؤاد حبيش والأخطل الصغير وغيرهم. كان يكتب عن المرأة وعن الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي كان يعيشها لبنان في زمنه. كان يحب الطبيعة والجمال ويكره الظلم والحقد والحرب. بدأ الكتابة صغيراً في عمر السابعة عشرة ونشر مقالات في جرائد «النهار» و«العمل» و«الجريدة» و«التلغراف».

 

هذا الحِس الأدبي لم يكن يضاهيه سوى حسه الفني من خلال الرسم. وعن البدايات الاحترافية في الرسم يقول الحلو في مقال منشور في جريدة نداء الوطن في ٣٠ تموز ١٩٩٦: «أكملتُ دراستي في مجال الرسم وتخرجت من جامعة الألبا وكنت في الوقت عينه أدرس الموسيقى وأكتب في مجلة (الأديب). وفي أحد الأيام جلبتُ معي لوحة إلى المجلة وكان الشيخ عبدالله العلايلي موجوداً، فسألني: «ما هذه يا يوسف؟». قلت: «أنا رسمتها». وبعد أن تأمّلها ملياً، إبتسم وشجعني على الاحتراف».

 

وبالفعل صار جوزيف (يوسف) فناناً محترفاً ومعروفاً. وقد أقام معارض فردية في لبنان والخارج منها في «غاليري الاتحاد» وفي المعهد الثقافي الإيطالي والمعهد الثقافي الألماني «غوتيه» وفي صالة عرض ستاد دي شايلا وفي فندق فينيسيا وغاليري ماتينيون - سن الفيل. كما عرض منفرداً في روما وهامبورغ ونيويورك وبوسطن. كذلك شارك في معارض جماعية منها معارض وزارة التربية في قصر الأونيسكو منذ العام ١٩٥٢ حتى العام ١٩٧٨. وشارك في معارض في باريس وروما والإسكندرية.

 

عن نوعية رسوم الحلو، تقول ريما إنه رسم «بعدة أساليب». فهو رسم الطبيعة بشكل واقعي في لوحات. إلا أنه تميّز بلوحاته التجريدية الكثيرة. وهو استوحى من الطبيعة ليرسم بشكل خيالي. وهذا النوع كان عبارة عن «مدرسته الخاصة التي برع فيها. وهذه خليط من سوريالية ممزوجة بعاطفة من القلب». عاش جوزيف الحلو ٨٦ عاماً رسمَ خلالها مئات اللوحات التي لا يمكن إحصاؤها بدقة. بدأ الرسم وهو في عمر السادسة عشرة وطوّر هذه الموهبة وصقلها من خلال دراسته دبلوم الرسم وكذلك الهندسة. وتعلّم على يد كبار الفنانين. يقول في إحدى مقابلاته الصحافية: «خلال دراستي (الفنية) كنت أتردّد إلى محترف الرسام قيصر الجميّل لأزوّد مواهبي بتوجيهاته». نرى في رسوماته أشكالاً تبدو خليطاً من الهندسة والخيال والعاطفة. وبحسب ابنته، فقد أثّرت الحرب اللبنانية ببشاعتها على الفنان فتوقف عن الرسم سنوات ثم عاد في العام ١٩٩٢. وآخر معرض له كان في العام ١٩٩٦.

 

من الطرائف التي حصلت مع الفنان الراحل، أنه أرسل رسالة إلى الرئيس الأميركي هاري ترومن في العام ١٩٥٩. وعن هذه القصة يروي الحلو في لقاء صحافي أنه شعر ذات يوم أن وضع بلده لبنان غير طبيعي وكان يخشى عليه من خطر، فقادَهُ قلقه إلى أن يكتب للرئيس الأميركي ترومن طلباً للمساعدة. فكتب: «أنا رسام من لبنان أخاف على بلدي وأخشى عليه من التقلبات السياسية التي تعصف اليوم في منطقة الشرق الأوسط. وبما أني لا أملك سوى خمس وثلاثين لوحة، فأرجو أن تقبلها مني كهدية متواضعة من لبنان إلى الشعب الأميركي متمنياً بجدارة أن تحفظ سلامة بلدي وتصون حريته وسيادته واستقلاله». لم يردّ ترومن بجواب لكن أتاه إشعار من البريد بتسلم رسالته وعليه توقيع الرئيس ترومن.

 

توفي جوزيف الحلو في العام ٢٠١٢. لكن مؤخراً عاد اسمه إلى التداول فنياً وذلك بسبب زيارات عديدة قام بها مُقتنو فنون إلى منزل ابنته. تصف ريما هذه الزيارات وهذه «العودة» بأنها أفضل خطوة قامت بها في حياتها تجاه والدها. وترى أنّ الصدفة جمعتها بالشخص المناسب الذي أعجب بلوحات الحلو وتاريخه الفني الكبير وبقيمة فنه المعنوية والمادية. ومن خلال هذا الشخص أتى عدد من مقتني الفنون ليشاهدوا لوحات جوزيف الحلو ويشتروها. تقول: قبل ذلك، لم يكن في نيتها بيع لوحاته وإنما اقتنعت أنّ وجود لوحات والدها في كل لبنان وخارجه، أفضل من أن تبقى في مكان واحد. هكذا يشاهد اللوحات مئات من الناس ويعود اسم جوزيف الحلو «يَرنّ» من جديد. عندها اليوم حوالى ٨٠ لوحة لوالدها، لكلّ منها قصة تروى.

 

في حياته، كان يأمل الفنان الحلو أن يقيم متحفاً في منزله في بعبدا ليكون مقصداً للفنانين ومحبّي الفن لكنه لم يفلح. وعوضاً عن ذلك اقتنيت لوحاته خلال السنوات الطوال في البيوت، التي تحولت بفضلها، إلى متاحف فنية.

theme::common.loader_icon