سياسة المحاصصة نقيض علم السياسة
سياسة المحاصصة نقيض علم السياسة
اخبار مباشرة
بسّام ضو
Monday, 20-Jun-2022 06:26

قرأت للكوميدي Georges Carlin «لا تريد الحكومات أناساً قادرين على التحليل والتفكير النقدي، تريد فقط عاملين مُطيعين. ذكاؤهم يكفي لتشغيل الماكينات، وغباؤهم يكفي ليتقّبلوا الواقع الذي يقبعون فيه». تعدّدتْ أنواع الأنظمة السياسية في العالم ولكن غالبيتها تعتمد على جزء هامشي من مبادئ العلوم السياسية، وفي العادة يتفاوت مدى شرعيتها في ممارسة الفعل السياسي وفي العادة. واستنادًا إلى الوقائع الديمقراطية، فإنّ هذه الأنظمة تكتسب شرعيتها من خلال انتخابات تُجرى على أساس المصالح الخاصة والمحاصصة التمثيلية. وهذه الأمور تتسبّبْ في حالات فوضى، حيث تسود الأحادية في غالبية القرارات وخصوصًا المصيرية منها، وتحيد عن العمل التشريعي السليم.

كل دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة، وكل دولة مشرقية عضو في جامعة الدول العربية لها من حيث المبدأ خطابها ومنظومتها السياسية التي تُحدِّدْ سياستها على المستويين الداخلي والخارجي. ووفقًا لعلم السياسة، لديها سياسة تنطلق من مفاهيم علمية موضوعية، مُدعّمة ببرامج وثوابت تخدم المصالح الأساسية للدولة بما فيها مصالح شعبها. والملاحظ إنّ بعض الأنظمة القريبة والبعيدة وحتى المحلية والطاغية، تدعو إلى قيام دولة شبه مدنية ونبذ الطائفية. لكن هذا الطلب ما هو إلاّ مُجرّد خطاب وطني مُشوّه ومتناقض، أدّى ويؤدي حتمًا إلى ترسيخ ثقافة كراهية بين شعوب المنطقة ويزرع حالات من الإحباط في وجه الشعوب التوّاقة إلى التلاقي. وهذا الأمر مرّده إلى سياسة تعتمد على المصالح الخاصة ومبدأ المحاصصة في توزيع الأدوار، وحصرها تلقائيًا في ما بين المكوّنات السياسية التي تُمسِكْ بالسلطة .

 

أكثر الأمور فتكًا على مستوى الممارسة السياسية السليمة هو منهج المحاصصة السياسية، والذي يؤثر سلبًا على المجتمع وعلى مستقبل الدولة، وهو يُشكّل عامل تخلُّفْ ومؤشراً خطيراً على أعراض خطيرة، من شأنها القضاء على مستقبل الأوطان والشعوب، ومن الصعب في حالة استمرارية منهج المحاصصة أنْ يتمكّن التغيّيريّون من إحداث أي فعل سياسي من شأنه وقف هذا النمط من المحاصصة، لا بل هناك أمر مُستعصٍ في إيجاد الحلول له، وخصوصًا عندما تُجرى الانتخابات على قواعد المحاصصة الشخصية وفي حالة منع واستحالة إيصال النخبْ السياسية إلى مراكز القرار في الدولة.

 

العديد من الأنظمة ضربها فيروس المحاصصة، وهو أفتك من فيروس «Covid 19»، وهذا الفيروس استطاع القضاء على غالبية الدول التي اجتاحها لأنّه كناية عن مرض سياسي ينخر قادة رأي مأجورين لا يتمتّعون بالكفاية الذهنية والوطنية والأمانة في ممارسة مهماتهم، وصولاً إلى شغف السلطة الديكتاتورية والسلطوية. وهذا المرض الفتّاك عرّض الدول للانهيار وهدّدَ ديمقراطيتها وعذريتها السياسية، لا بل ضرب مجتمعاتها بالانقسام العامودي وأفضى إلى نزاعات داخلية وحالات إفلاس على كافة الصُعُدْ، وفي حالة الاستمرارية فإنّ الأمور تشي بالزوال أو استبدال منظومات بأخرى.

 

مبدأ المحاصصة السياسية الطائفية والمذهبية في لبنان، هو الحل في تدبير المنظومة السياسية اللبنانية، وعلى ما هو ظاهر، فإنّه يمتلك القدرة على الحسم والتغيير وحتى التقرير، وكُل خلاف على ما يبدو يُحسم لدى الطبقة الحاكمة بمبدأ المحاصصة الطائفية، أي حول اقتسام السلطة والإفادة من خيراتها، ولكن بِنِسَبْ غير عادلة، حيث القوي يأكل حقوق الضعيف، على الرغم من تغنّي البعض في أنّه «يعمل على إرجاع الحقوق»، ولكن عن أيّ حقوق يتكلّم؟!

 

لقد اخْتُزِلَ النظام الديمقراطي في المحاصصة التي شكّلت أنسجة الحكم بعد الانتخابات الأخيرة، لا بل وبصريح العبارة، مدّدت سيطرتها على كل مفاصل الدولة وفقًا لهذه الصيغة. إنّ سياسة المحاصصة هي نقيض علم السياسة، وهي أبشع نموذج الفشل السياسي، وكرّستْ أعرافًا في المجتمع اللبناني لم يعد في إمكانه أنْ يتحمّل مزيداً من منظومة فساد ومحاصصة وتقاسم واستغلال موارد الدولة. وهل من يستدرك خطورة منظومة المحاصصة؟ من المرجح ان لا جواب مرحليًا، وعبثًا طرح السؤال.

theme::common.loader_icon