المسيحيون.. واللامركزية الادارية
المسيحيون.. واللامركزية الادارية
ندى اندراوس
Thursday, 21-Apr-2022 07:17

تكاد تكون اللامركزية الادارية القاسم المشترك الوحيد في خطابات القوى المسيحية الكبرى في هذه الانتخابات.

مطلب قديم جديد يصرّ المسيحيون عليه، لكونه يشكّل منذ مؤتمر الطائف تعويضاً لهم عن انتزاع صلاحيات رئاسة الجمهورية وتوزيعها على الحكومة نظرياً وعلى رئيسها فعلياً واعطائهم استقلالية في ادارة مناطقهم وتحقيق الانماء المتوازن ضمن الدولة المركزية.


في مؤتمر الطائف، كان البحث في اللامركزية الادارية من أصعب المفاوضات بين النواب، مسلمين ومسيحيين. كان المطلب المسيحي الاحتفاظ بشيء من سلطة الادارة الذاتية، قابَله المطلب المزمن للمسلمين بتحقيق الانماء المتوازن للمناطق.


تحقّق الانماء ولكن مبتوراً. استفادت مناطق من خدمات الدولة المركزية، وحرمت أخرى، لا سيما تلك التي كانت معارضة للسلطة في زمن الوصاية.


جرت محاولات عدة لإقرار قانون اللامركزية الادارية ولكنها باءت بالفشل، والسبب هو انّ النظام المركزي المالي سمح للمجموعة التي حكمت منذ التسعينات بأن تتحكّم بقرار الاستدانة والانفاق. إنفاق تمّ بصورة متفاوتة بين المناطق، أي أن الانماء كان انتقائياً يستفيد منه اطراف معنيون، فيما الاستدانة باسم الجميع. في وقت كانت ولا تزال المناطق التي حصلت على القليل من الانفاق والانماء هي المناطق التي تساهم في كثير من الضرائب والرسوم. هي بصريح العبارة مناطق جبل لبنان ذات الأكثرية المسيحية.


وانطلاقاً من هذا الواقع تُقارِب القوى المسيحية الحاجة الى اللامركزية الادارية.


كانت آخر المحاولات لإقرار قانونٍ للامركزية الادارية في عهد الرئيس ميشال سليمان عندما أعدّ وزير الداخلية زياد بارود مشروعاً لها عام 2014 يعتمد القضاء كوحدة لا مركزية ذات استقلال مالي اداري، لا يعرّض وحدة الدولة وسلطتها المركزية لأي انتقاص.


هذا المشروع لا يزال في ادراج اللجان النيابية، ويقول احد النواب المسيحيين ان لا نية لدى الشركاء المسلمين في تحريكه.


في زمن الانتخابات، محاولة جديدة لطرح النقاش حول اللامركزية.


لامركزية ادارية ومالية موسّعة ترى الاحزاب المسيحية صاحبة الشعارات الانتخابية المطالبة بإقرارها، أي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» والكتائب اللبنانية، انها الشرط الاول لتحقيق الشفافية في الانفاق وضبط الهدر وتحقيق الانماء المتوازن، مع الابقاء على الدور الناظم للدولة لدعم من يحتاج من المناطق. لا مركزية تحدّ من مزاريب الهدر والفساد وتفكك المحسوبيات والزبائنية الطائفية وتوصل الخدمة الى الناس من دون رهن اصواتهم وارادتهم.


هذه اللامركزية، تدرك الاحزاب المسيحية أنّ الاحزاب الاخرى والاقطاعات المتحكمة بالحياة السياسية من خلال احتكار الخدمات لا تريدها لأنها تشكل بداية نهاية إمساكها بمصالح الناس وتخضيعهم.


اليوم وبعدما وقع الانهيار المالي، فإنّ الحاجة الداخلية والخارجية اصبحت اقوى الى مراقبة المال العام والانفاق وتحقيق الشفافية وهذا ما يفرض التقدم حكماً نحو اللامركزية الموسعة.


ولكن ماذا عن رافعي شعارات المطالبة بإقرارها في زمن الانتخابات؟ لماذا لا يقولون ما الذي يمنع اقرار قانون زياد بارود بدلاً من أن يستثمروا تلك الشعارات في زمن الانتخابات؟ لم لا يقوم «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» بما عليهما في المجلس النيابي في الضغط لنفض الغبار عن القوانين المطروحة، خصوصاً ان النائبين جورج عدوان وألان عون يتولّيان الملف؟ لم لا تسأل تلك القيادات المسيحية ومعها حزب الكتائب الذي قدّم اقتراح قانون حول اللامركزية الادارية في العام 2015 القيادات المسلمة صراحة عن أسباب رفضها للامركزية؟ وإلاّ، فلتُصارح الاحزاب والقيادات المسيحية جمهورها وتعترف انها أداة في لعبة المزايدات أو هي عاجزة عن خوض معركة فرض النقاش حول اللامركزية الادارية الموسعة وإقرارها على شركائها المسلمين في السلطة.

theme::common.loader_icon