بعد غد يطلّ عيد الأم، الذي يُحتفل به كل سنة مع بداية فصل الربيع، في الواحد والعشرين من شهر آذار. فهي المثال الحق للتضحية والمحبة والاهتمام وغيرها من الصفات التي تجعل منها شخصاً لا يمكن المقارنة به. فترافق الأم طفلها منذ ولادته، وتكون شاهد عيان على كل مراحل نموه، وهي مع الأب، العين الساهرة لجميع حاجياته. كما تلعب الأم دوراً أساسياً في تربية الطفل ونموه، مع الأب الذي يكون دوره أساسياً في تلك المرحلة.
يتعلّم الطفل من تجارب يومياته التي يصادفها، كيفية التصرف والانفعال. فيكتسب الـ«متى» و«كيف» و«لِمَ»، يصرخ أو يضحك وصولاً إلى البكاء. ودور الأم هو تشجيع الطفل للتعبير عن انفعالاته السلبية والإيجابية تجاه المواقف المختلفة. فما هو دورها في هذا المضمار؟ وكيف يمكن مساعدة الطفل في استيعاب جميع تلك الإنفعالات؟
«عقبال كل سنة»، وشبيهاتها... هي الجمل الأكثر تداولاً خلال عيد الأم وحتى خلال جميع أيام السنة. فالأم هي مثال للتضحية، وتقدّم لأطفالها العاطفة والحنان. وخلال نمو الطفل، ترافق الأم فلذة كبدها، ليس فقط في التفاصيل الكبيرة ولكن الصغيرة أيضاً. ويتعلّم الطفل كيفية الإنفعال تجاه أمه وتجاه الخبرات الجديدة التي يكتشفها، من خلال علاقاته الجديدة مع العالم الخارجي. ويمكن تقسيم الإنفعالات تلك إلى إيجابية وسلبية: الفرح، الضحك، البكاء، الحب الشديد، الصراخ، الغضب الشديد وغيرها. فخلال الأيام الأولى من حياة الطفل، ترافقه أمه وتردّ على مختلف إنفعالاته بالطريقة المناسبة: الردّ على حاجياته ومنحه الحنان، وبمجرد أنّه سمع صوتها سيهدأ ويرتاح. ولكن هذه الإستجابات تتغيّر مع مرور الوقت. فعندما يكون الطفل رضيعاً، تقتصر إستجابات إنفعالاته على حركات جسمه وصراخه. بينما كلما مرّ الوقت، وبدأ الطفل تعلّم الكلمات والتعبير عن نفسه، تتحوّل تلك الإستجابات الإنفعالية الجسيمة (تشنج اليدين، الدوران واللطم...) إلى إستجابات لفظية وحركية (الصراخ والبكاء، أو الضحك وإظهار الحب...).
الأم وطفلها والخوف
واحدة من الإنفعالات التي يعاني منها الأطفال الصغار هو الخوف. حيث يصبح الطفل الصغير فريسة سهلة لتخيلاته التي لا أساس لها. وطبعاً، الطفل يتعلّم من والديه وإخوته وأخواته «الخوف». فإذا أحد من أهله يخاف من الرعد والبرق، الطفل «سيقلّده» وسينتقل الخوف إليه أيضاً.
بين عمر الخامسة والثامنة يختلف نوع الخوف عند الطفل الصغير. فعادة هو يخاف من الظلمة ومن الليل ومن الحيوانات خصوصاً المفترسة منها. وكلما كبر، كلما تغيّر نوع خوفه: خوف من الفشل أو حتى من الموت والخوف من الوحدة...
كما هناك إنفعالات نفسية يواجهها الطفل، خصوصاً الخوف من الإنفصال عن الوالدين (نتيجة الموت). وهذا النوع من الخوف له علاقة وطيدة «بطريقة وحيدة»، الإنفصال الذي عاشه الطفل مع والدته خلال الولادة، والإنفصال الثاني الذي عاشه أيضاً عندما إنفصل عنها عند التحاقه بالمدرسة. ويُلاحظ في هذه الفترة الصعبة التي يعيشها الطفل، العلاقة الوثيقة بين مخاوف الأمهات ومخاوف أطفالهم.
أما بالنسبة للصراخ، فهو انفعال مزعج كثيراً عند الطفل وعند الأهل على حدّ سواء. فكم من الأهالي لا يعرفون كيفية التصرف، تجاه صراخ أطفالهم اللامتناهي والذي يرافقه العناد، والعدوانية الجسدية تجاه الآخرين وتجاه الذات واستعمال الكلمات النابية... وأسباب ذلك الصراخ هو في أغلب الأحيان عدم تلبية متطلبات الطفل. وبعض الأحيان يكون سببه الغيرة المفرطة منه تجاه إخوته وأخواته الأصغر منه سناً بشكل عام. حيث تظهر عنده إنفعالات يمكن أن تؤذيه وتؤذي الأخ أو الأخت. كما تظهر بعض التصرفات التي يكون الطفل قد تخلّص منها، كمص الإبهام، أو التبول اللاإرادي ... فيلجأ إلى وسائل دفاعية غير واعية، منها النكوص، والكبت والإنكار. وهذه آليات دفاعية يستعملها الطفل بطريقة غير واعية للتخفيف من قلقه أمام موقف مثير للقلق. ودور الأهل في هذا الخصوص هو مراقبة أطفالهم بشكل دقيق ومعالجة «الغيرة» بشكل هادئ، بعيداً من العدوانية.
... دور الأم؟
دور الأم أساسي في ضبط إنفعالات طفلها. فمشاركتها لأطفالها في حياتهم اليومية كما مرافقتهم في جميع المراحل النفسية لهم، تساعدهم في استيعاب إنفعالاتهم وضبطها. ومن أهم الأمور التي يجب على الأم مراعاتها في البيت هي التالية:
أولاً، إشباع الحاجيات الأساسية للطفل وتوفير الشعور بالأمان والحب والسعادة له. وكل ذلك، ليس له علاقة بالمستوى الإقتصادي للعائلة. فكم نعرف من عائلات غنية، ولكنها لا توفر السعادة والشعور بالطمأنينة لأطفالها.
ثانياً، مرافقة الأب لأطفاله في كل مراحل نموهم النفسي، لتوفير لهم الثقة بالذات والشعور بالقوة وخصوصاً الشعور بالإنتماء.
ثالثاً، منع الطفل من مشاهدة الأفلام العنيفة، بل استبدالها بالموسيقى الهادئة وممارسة النشاطات المفيدة (كالرسم والتلوين وصناعة قالب حلوى...).
رابعاً، تشجيع الطفل على التعبير عن مشاعره الإيجابية والسلبية.
خامساً، الإبتعاد عن العدوانية الجسدية بشكل مطلق للطفل. لأنّ العقاب «البدني» يحوّل الطفل إلى إنسان عدواني أو شخص إنطوائي.
سادساً، لكي يضبط الأهل إنفعالات طفلهم، يجب أن يحترموه وألّا يجعلوا منه موضع سخرية وإنتقاد لاذع أو تسلية وتهكم...
سابعاً، توزيع الحب والإهتمام بين جميع أفراد العائلة وليس فقط الإهتمام بالبكر أو بصغير العائلة. فتولّد الغيرة إنفعالات سلبية خطرة عند الطفل الذي يشعر بعدم التوازن العلائقي بين مختلف أفراد عائلته.
ثامناً، عدم ترك الطفل وحيداً، حتى لو انفصل أو تطلّق الوالدان. فيجب أن يشعر دائماً بوجود والديه وإحترامهما لبعضهما البعض مهما كانت المشاكل بينهما.