قواعد اللغة السريانية للعلّامة مار غريغوريوس يوحنا إبن العبري
قواعد اللغة السريانية للعلّامة مار غريغوريوس يوحنا إبن العبري
المطران جورج صليبا
Friday, 11-Mar-2022 06:36

مُعظم السريان، يقرأون ويكتبون اللغة العربية بمفاصلها ودقائقها العميقة والمتنوعة، وفي نفس الوقت، يتقنون لغتهم السريانية لسان مسيحهم وإيمانهم وعقيدتهم المسيحية السمحاء، لهذا فإنّ هذا الكتاب «المدخل»(قواعد اللغة السريانية) هو خطوة لتشجيع قرّاء وأدباء هاتين اللغتين، ليبدأوا بمشروع الأدب المقارن، والاضطلاع على نتائج عقول وأفكار وثقافة هاتين الأمّتين.

السريانية الآرامية هي أقدم من العربية، بل العربية هي لغة متفرّعة عن السريانية الآرامية أصلاً. وفي فترة طويلة كانت السريانية الآرامية بلهجاتها الأكدية والبابلية والعبرية والأشورية والتدمرية وغيرها، هي مصدر ما يُسمّى اللغات السامية، بما فيها اللغة العربية وفروعها ومشتقاتها المتضمنة كلمات كثيرة، وجملاً عديدة، واصطلاحات متنوعة ما زالت السريانية الآرامية، تحفظها كلاماً وكتابة وقراءة، وخصوصاً ما يجمع السريانية والعربية وخطوطها المتنوعة، لا سيما الاسطرنجيلي السرياني والكوفي العربي، وأكبر دليل على ذلك، لغة ريف دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية، مثل لغة معلولا وبخعا وجبعدين الحواضر، التي تتكلم اللغة الآرامية السريانية الفلسطينية، ويتقنها اليوم أبناء هذه الحواضر من المسلمين والمسيحيين على حدّ سواء.


من هو العلامة إبن العبري؟
كتب البطريرك العلامة مار اغناطيوس أفرام الأول برصوم بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، المولود في الموصل / العراق عام 1887 والراقد في حمص سوريا بتاريخ 1957/6/23 في كتابه اللؤلؤ المنثور في تاريخ الآداب والعلوم السريانية قائلاً:
ابو الفرج الملقّب جمال الدين ابن الشماس تاج الدين هارون المتطبب ابن توما الملطي المكنى بابن العبري علامة العلماء الأشهر، آية من آيات الله وطرف عباده نادرة العصور وأعجوبة من أجل أعاجيب الدهر، أحد كبار فلاسفة الشرق ولاهوتييه وحكماء الدنيا غير منازع علم الهدى وكهف التقى تاج الأمة وإمام الأئمة المطبوعين اصحاب الإبداع . زانه الله سبحانه بعقل كبير وذكاء خارق وذهن متوقد، وفكر دقيق ولسان ذليق ولفظ انيق، وأقامه على العلوم مناراً ميسراً له منها السهم الأكمل. نيت من شجرة صالحة في الحسب الاثيل وطلع على الأمة السريانية بجبين مشرق ووجه صبوح له الضرائب الطيبة والشيم الرضية والحظ الأربح من كل فضيلة. وبدا في مفربانيته نهاضاً عند كل مكرمة سباقاً الى كل منحة، مضطلعاً بالمعضلات كاشفاً للمشكلات سامياً بهمته الى أبعد الغايات. وما همّه الّا في مجد يشيده وبيت الله يعمّره وفضل ينشده وعلم يفيده، وكتاب نافع يحبره وباطل يرهقه وحق ينصره ، وأمة يبصرها مواطن رشدها وراهب كفوء يسقفه. وموضعه من علمي الكتاب العزيز واللاهوت ومكانه من علوم الأخلاق والرياضة النسكية، وأحاطته بالفقه الديني والمدني واستنباطه دقائق الشرع، ومحله من النحو وبصره باللغة ومنزلته في البيان والقريض، وثبات قدمه في التاريخ وحظه من الفلسفة وبلوغه من صناعة الطب غاياتها، وعلو كعبه في المساحة وفنون العلوم الطبيعية أشهر من ان يُدل اليه بوصف. ذلك انّه حلّق في جو لم يباره فيه مبار، راجعاً الى علم جامع وباع واسع وفن بارع ورأي ناصع. وزان العلم بصدق النظر وحسن المأخذ واستفاضة المعين وقوة الحجة والبداهة النافذة والخاطر المصقول، مع حلاوة لفظ وتلاحم نسج ودقة شعور، حتى عادت به دولة العلم غضة العود معتدلة العمود. عمل كتبه فأحسن وأبدع وأطاب وأصاب شاكلة الصواب، واستوى في غالبها على الأمد في فصل الخطاب ، فكانت كالبحور الزواخر جواهرها لا يعرف لها اول من آخر، وسارت وخلدت وتأبّدت. وصفوة القول إنا لا نعرف له ثانياً لا قريباً ولا مدانياً، ذلك الى العلماء الإثبات لا يعدّون في المعارف عدد الأنامل، اما ان يتوسطوا باحة العلوم كلها فذلك ما لا عهد لنا به، فمن يقس به عالماً سريانياً يرجع وهو مفضول .


وفي عام 1226 ولد في مدينة ملطيه من أسرة عريقة في المسيحية والنباهة والشرف، وابواه ينميان لأمجاد، وقد دحضنا في مقالة لنا ما تخرّص به المستشرقون تمحلاً لغرائب الآراء الفائلة في الإنساب، إذ زعموا انّ لفظة العبري دليل اصله اليهودي وانّ اباه هو الذي تنصّر. على انّه كني بهذا لولادة احد آبائه او ولادته في أثناء عبور نهر الفرات وكفى به دليلاً بيت شعر مشهور قاله في نفسه.


وهذه ترجمته «إذا كان سيدنا المسيح سمّى نفسه سامرياً فلا غضاضة عليك إن دعوك بابن العبري، لأنّ مصدر هذه التسمية نهر الفرات، لا ديناً معيباً ولا لغة عبرية» فعسى ان يرجع المعتسفون عن خطأهم التقليدي - ورصع عباب العلم غضاً طرياً متخرجاً بأساتذة وطنه المتبحريه، فدرس علم اللغة السريانية وطقس البيعة والكتاب الالهي وشروحه وتفاسير أئمة النصرانية وأخذ مبادئ الطب عن ابيه متقبلاً مذاهبه.


إبن مالك الطائي
يُعتبر العلامة الكبير الشاعر والأديب والنحوي واللغوي إبن مالك بحد ذاته موسوعة ميسرة لغزارة العلوم والمعارف التي نالها وحققها في مؤلفاته القليلة النظير والغزيرة العطاء، فهو عالم نحرير وفيلسوف مبدع وملك النحو والقواعد في العربية، وأمير الشعراء بغزارتها وطول باعها، إذ تبلغ بعض قصائده ثلاثة آلاف بيت من الشعر والملهم، وقد عكس ذلك على جيله والأجيال التي تبعته.


كان إبن مالك غزير الإنتاج، تؤاتيه موهبة عظيمة ومقدرة فذة على التأليف، فكتب في النحو واللغة والعروض والقراءات والحديث، واستعمل النثر في التأليف، كما استخدم الشعر في بعض مؤلفاته، ومن اشهر كتبه في النحو: «الكافية الشافية»، وهي أرجوزة طويلة في قواعد النحو والصرف، وكتاب «تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد» جمع فيه بإيجاز قواعد النحو مع الإستقصاء، بحيث أصبح يغني عن المطوّلات في النحو، وقد عُني النحاة بهذا الكتاب، ووضعوا له شروحاً عديدة.


وله في اللغة: «إيجاز التصريف في علم التصريف»، و«تحفة المودود في المقصور والممدود»، و«لامية الافعال»، و«الإعتضاد في الظاء والضاد».


وله في الحديث كتاب «شواهد التوضيح لمشكلات الجامع الصحيح»، وهو شروح نحوية لنحو مائة حديث من صحيح البخاري.

theme::common.loader_icon