

كم مرة ومرة سمعتم أشخاصاً يقولون: «هل غيّروا أصدقاؤك أفكارك؟ هل تمّ تنويمك مغناطيسياً؟»، أو تطرحون أسئلة على أنفسكم وتأتي كالتالي: «كأنني كنت تحت تأثير التنويم المغناطيسي!». وحتى يمكن أن نتهم الآخرين قائلين لهم: «هل فقت من تنويمك المغناطيسي؟»... وغيرها من الجِمَل التي جميعها تنحصر ضمن التنويم المغناطيسي، حيث كثيرون يفهمونه على طريقتهم الخاصة. فما هو التنويم المغناطيسي؟ ما هي تقنيات التنويم المغناطيسي؟ وهل يمكن إعتباره ضمن العلاجات النفسية الحالية؟
«هيبوس» هو إله النوم في الحضارة اليونانية القديمة، حيث كان دوره يقتصر على جلب النوم للشعب الإغريقي. وقد بدأ إستعمال مصطلح «التنويم المغناطيسي» في المؤتمر الرابع للطب النفسي عام 1926، حيث عرّف عنه طبيب الأعصاب بولو جوجو بأنّه حالة من النوم المصطنع مثل النوم الطبيعي. ولكن خلال التنويم المغناطيسي، الوعي يكون ظاهراً، حيث يمكن للشخص تحت هذه الحالة التنويمية أن يعبّر عن مشاعره ويتكلم عن بعض الأحداث التي مرّ فيها.
تاريخ التنويم المغناطيسي
يُنسب التنويم المغناطيسي إلى الطبيب النمساوي «مسمر» (1734-1815)، والذي فسّر النقاط الأولية والبدائية للتنويم المغناطيسي. وتكلم عن الإيحاء والذي يلعب دوراً أساسياً في عملية التنويم. وقد طوّر «مسمر» هذه التقنية، حيث أصبحت أسلوباً علاجياً للأمراض النفسية. وتبنّى طبيب الأعصاب الفرنسي «شاركو» تقنية التنويم المغناطيسي، والذي سيعلمّ لاحقاً «فرويد» في باريس وسيطبّقها على أشخاص يعانون من الهستيريا. وبدأت تتوسع هذه التقنية في كل أوروبا مثلاً: فيينا على يد الطبيب بروير، وجنوب فرنسا (نانسي) على يد الطبيب برينهايم. والجدير بالذكر بأنّ هذه التقنية بدأت تشق طرقها وأساليبها الخاصة حسب الطبيب المرافق وأهدافه العلاجية. وكما ذكرنا، فرويد، أب التحليل النفسي، وخلال رحلة دراسية إلى فرنسا، إلتقى برئيس قسم الامراض النفسية في مستشفى الـ»سالبيتريار» للأمراض العقلية، الطبيب «شاركو» وتلقّى على يديه أصول طريقة التنويم المغناطيسي. ولم يكتفِ فرويد بطريقة «شاركو» التنويمية، بل سافر إلى جنوب فرنسا، حيث تعّلم أيضاً طريقة «برينهايم» وشارك «بروير» أيضاً أفكاره حول التنويم المغناطيسي. ثم بدأ فرويد في تطبيق هذه التقنية على مرضى العصابيين والهستيريين.
ولكن لاحقاً، نبذ «فرويد» هذه الطريقة وإستبدلها بطريقة أخرى وهي «التداعي الحر» ويعني ذلك، بأنّ المريض ليس بحاجة للتنويم لكي يتكلم عن أفكاره، بل يُطلبْ منه أن يخبر أي فكرة في ذهنه. وطبعاً الكثير من المدارس العلاجية ما زالت تستعمل حتى يومنا هذا التنويم المغناطيسي، بالرغم من إنّ العديد من المدارس النفسية قد إستغنت عن هذه التقنية على غرار التحليل النفسي، وتفضل تطبيق التقنيات الفرويدية.
تقنية التنويم المغناطيسي
لا يمكن أن يقوم المعالج بالتنويم المغناطيسي إلّا بعد موافقة المريض على ذلك. ولا يمكن أن يُطبّق التنويم المغناطيسي على الأطفال الصغار، أو الأشخاص الذين يتناولون أدوية منوّمة. وهناك الكثير من الطرق الإيحائية التي تساعد في التنويم المغناطيسي وللوصول إلى حالة من الهدوء والإسترخاء. فبعض المطبّقين لهذه التقنية يطلبون من الشخص التركيز على نقطة معينة في لوحة، أو إغلاق العينين والتركيز على التنفس أو تخيّل مشهد ما يساعد في تهدئة الشخص. والهدف من هذه الخطوات هو إيصال الشخص إلى حالة من الهدوء الداخلي البعيدة عن الضوضاء التي يعايشها كل يوم، كما الإبتعاد عن الواقع والإنفصال عنه بالرغم من وجوده الدائم فيه.
ماذا عن العلاج النفسي والتنويم المغناطيسي؟
لا يمكن أن ننكر بأنّ تقنية التنويم المغناطيسي تُستعمل بشكل واسع في كل أقطار دول العالم. فهي تقنية ممتازة لبعض الإضطرابات السلوكية. ولكن بما إنّ الإنسان له الحرية المطلقة للتعبير عن مشاعر وأفكاره، لماذا اللجوء إلى التنويم المغناطيسي؟ فلا يجب حدّ حرية تعبير «الأنا» (وهو من تقسيمات الشخصية حسب تفسيرات التحليل النفسي) بل تشجيعها للتوافق ما بين العالم الخارجي وعالمها الداخلي (المشاعر والأحاسيس السلبية).
كما هناك بعض الملاحظات الأساسية في عملية التنويم المغناطيسي وهي التالية:
- لا يمكن التحكّم بالمريض خلال حصة التنويم المغناطيسي. فمن المعتقد بأنّ هذه التقنية تجعل المريض يقوم بكل شيء حسب طلبات المنوّم، ويصبح الشخص غير قادر على السيطرة على تصرفاته. ولكن هذه المعلومات غير دقيقة.
- الشخص الخاضع للتنويم المغناطيسي يمكنه أن يدرك كل ما يدور من حوله (يسمع أو يشعر بكل شيء من حوله).
- خلال حصة التنويم المغناطيسي لا يمكن تذكير الشخص الخاضع لهذه التقنية بجميع الذكريات القديمة. كما يمكن أن يتذكّر ذكريات ليس لها علاقة بالواقع.
- التنويم المغناطيسي هو تقنية تُستعمل للتعرف على العقل الباطني وعلى اللاوعي. ولكن لا يمكن إلاعتماد فقط على هذه التقنية، بل يجب تمرير الإختبارات النفسية أكثر وبشكل موضوعي، التي تساعد في هذا المضمار.








