هل الولادة حدث مفرح دائماً للأم؟
هل الولادة حدث مفرح دائماً للأم؟
د. أنطوان الشرتوني
Saturday, 30-Oct-2021 06:33
ليست بكثيرة المقالات النفسية التي تحدثت عن سيكولوجية الولادة، بالرغم من غنى المقالات العلمية الطبية التي فسّرت الولادة والتغييرات الفزيولوجية التي ترافق الولادة.
 

بعد حوالى التسعة أشهر من التعب والخوف والقلق، تلد الأم طفلاً صغيراً يكون بحاجة لها ومعتمداً عليها طول الوقت. ودور الأب خلال الحمل أساسي لمساعدة ومساندة زوجته قبل الولادة. ولكن هناك تساؤلات يمكن أن تطرح قبل وخلال وبعد الولادة والتي تتمحور حول الصحة النفسية للأم وللاب وطبعاً المولود الصغير. فما هي سيكولوجية الولادة؟ وكيف يمكن للأم أن تتهيأ، بمساعدة الأب، لهذا الحدث المهم للعائلة أجمع؟

 

عندما نتحدث عن سيكولوجية الولادة، يخطر على بالنا ليس فقط الأم التي هي محور أساسي للولادة، ولكن أيضاً العلاقة النفسية التي تنشأ ما بين الأم مع الطبيب والقابلة القانونية. ومن أهم النقاط التي يتحدث عنها علماء النفس عن سيكولوجية الولادة هي: الحمل ومراحله والخوف ما قبل الولادة وصولاً لصدمة ما بعدها.

 

الولادة «العصبية» والولادة «المضطربة»

 

من المعروف بأن موعد الولادة، حدث مفرح لجميع أفراد العائلة الصغيرة والكبيرة. فبالرغم من آلام المخاض والتغييرات الجزرية التي ستحدث للزوجة والزوج على حد سواء، ولكن تبقى الولادة حدثاً مهماً وجميلاً للثنائي. فلا يمكن أن ننظر للولادة كمجرد عملية فيزيولوجية فقط، بل لها معانيها النفسية والإجتماعية. فمن خلال الولادة، تكتمل الأم لتصبح «أنثى كاملة» ويتوج الأب ليصبح «إنساناً لا يموت» حيث طفله سيحمل إسمه. وهذه الظاهرة موجودة خاصة في المجتمعات الشرقية. والجدير بالذكر بأن كل الزوجات، ليست متشابهات عند الولادة. ولسنا نتحدث عن التغييرات الأنتروبولوجية او الإجتماعية أو الثقافية، بل محور هذه النقطة هي التغييرات النفسية، حيث تعبّر كل أم عن مرحلة الولادة بطريقتها الخاصة، وحسب تقسيمها النفسي.

 

فطبعاً الزوجة التي تتميز بالشجاعة، حتى لو ستلد للمرة الأولى، لن تشعر بالقلق والخوف مثل المرأة التي تتميز شخصيتها بالقلق والخواف. بينما الأم التي ستلد للمرة الثالثة، فقد إعتادت على الولادة والآلام الميلادية ستكون أخف عليها. ولا يسعني إلّا ونذكر الأم التي تمّت مرافقتها طبياً خلال الحمل، ستكون مستعدة للولادة أكثر من أخرى لم تحصل على أي معلومات طبية خلال حملها، فحدث الولادة سيكون أصعب عليها. والجدير بالذكر بأن طريقة عيش المرأة وأسلوب حياتها يؤثر تأثيراً مباشراً على بنيتها وعضلات حوضها وبالتالي على ولادتها. أما دور الأب أيضاً في ها الخصوص أساسي لتشجيع زوجته الخائفة من بيئة جديدة لم تعتد عليها من قبل وهي المستشفى. فزيارة المستشفى والتعرف على الطاقم الصحي سيساعد أيضاً في تخفيف صدمة الولادة. لذا يمكن التحدث عن الولادة الطبيعية التي يمكن أن ترافق بعض الإضطرابات الفزيولوجية-النفسية مصاحبةً الإكتئاب ما بعد الولادة... ولكن عندما يستمر هذا الإكتئاب مع مشاعر إضطرابية نفسية مثل عدم القدرة على التكييف مع الوضع الجديد وتقبل المولود الصغير مع شعور دائم بتبدد الشخصية... وغيرها من الأعراض هناك يمكن أن نتحدث عن الولادة «المضطربة» وطبعاً الأم بحاجة لمساعدة طبية-نفسية.

 

المخاوف من الولادة

 

الولادة حدث كبير لكل إمرأة، فالبرغم من إنها ترافق تغيرات فزيولوجية في جسمها، ولكنها عادة، تجمع مشاعر متناقضة ما بين الفرح والحزن، ما بين القلق والفخر... ولا يمكن أن ننكر مخاطر الولادة، لذا فإن قلق الزوجة لا ينحصر على صحة الطفل الصغير الذي سيولد ولكن أيضاً، تقلق المرأة على صحتها وتجربة الولادة.

 

تحليلياً، قلق المرأة لا ينحصر على الصعيد الفزيولوجي (تجربة الولادة أو الخوف على صحة الطفل) ولكن أيضاً قلق نفسي مراده الإنفصال الذي سيحدث ما بين الأم وطفلها. فصدمة الولادة، ليست فقط محصورة بالطفل (كما هو معتقد) حيث يخرج هذا المخلوق الصغير إلى العالم ويكتشف لأول مرة أمه وأبيه، بل هذه الصدمة موجهة أيضاً لدى الأم. فهناك كثير من الأمهات اللواتي يرفضن هذا الإنفصال حيث يبقين متصلات بأطفالهنّ حتى بعد الولادة وقطع حبل السرة. وعادة الإضطرابات التي تظهر قبل وخلال وبعد الولادة، لها أسبابها النفسية كخوف من لعب دور الأمومة والصراعات النفسية التي كانت تجمع الفتاة مع والدتها منذ مرحلة الطفولة.

 

الأم والأب والطفل

 

تلعب الأم دوراً مهماً للراحة النفسية لطفلها بعد الولادة. ولكن للأب دوراً أساسياً أيضاً لجعل الرضيع مرتاحاً ومتكيفاً في وضعه الجديد. فكما هو بحاجة للإهتمام وحب الأم، هو أيضاً بحاجة للعطف الأبوي وللشعور بالإنتماء وهنا يكمن دور الأب. كما أنّ الأم ليست هي المصدر الوحيد للتكوين الجسدي للطفل، ولكن للأب أيضاً دوراً لا يمكن إغفاله. فسابقاً، كانت الأم هي المتهم الأول إذا عانى طفلها من أي إضطرابات نفسية أو مشاكل سلوكية... ولكن حالياً، هذا المفهوم سقط. فالتربية ليست فقط من إختصاص الأم، ولكن للأب دوراً مهماً في «تحديد الحدود» عند الطفل أي يتعلم هذا الأخير من أبيه ما هي حدوده والإحترام. كما لا يمكن للطفل أن يشعر بالأمان بعد الولادة إلا من خلال صورة ذكورية تحميه وتدافع عنه.

theme::common.loader_icon