«قمر على سمرقند» رواية سياسيّة بلا دعائم ثابتة
«قمر على سمرقند» رواية سياسيّة بلا دعائم ثابتة
نسرين بلوط
Tuesday, 06-Jul-2021 06:36

عادة ما يكون للعنوان صلة وثيقة بمضمون الرواية أو القصّة، ويتفرّع من جذور الحدث ليُخفي في طيّ معناه كلّ ما حُجب من المغزى الإيحائيّ أو الرمزي، لكنّ الكاتب المصري محمد المنسي قنديل وضعَ مبادئه السياسيّة ضمن هذه الرواية ليظهر ما عجز عنه في ميادين النضال الذاتيّ ربّما، أو ليسرّب معلومات يعتقد بأنّها في غاية الأهميّة يُلحَظُ فيها اهتمامٌ موارب عن الجماعة الإسلاميّة في مصر، وذلك من خلال اختلاقه لشخصيّة «نور الله» وكلامه المندفع المتحمّس عن السيد قطب الذي أُعدم أيّام الرئيس جمال عبد الناصر، ووصفه «بالشهيد».

 

تبدأ الرواية على لسان «علي» بطلها، وهو شابّ مصريّ حضرَ إلى بلاد أوزبكستان قاصداً صديقاً قديماً لوالده وهو رشيدوف الذي كان ضابطاً من بعثة ضباط الاتحاد السوفياتي في الجيش المصري لِسرٍّ يُخفيه في نفسه ويرويه لنا لاحقاً، ويبحث فيها عن سيّارة أجرة تنقله من مدينة طشقند إلى مدينة سمرقند، فيعثر وربّما «يتعثّر» بنور الله، سائق التاكسي الجريء الوقح الذي يرغمه على الركوب معه وكأنّه أمر مبرم من دون أن يجرؤ على إبداء أي اعتراض، ليخوضا سويّاً سلسلة من المغامرات والتغريدات الفلسفيّة والصوفيّة التي تتخلّل حوارهما حيث يبرز رأي السائق حكيماً متنوّراً: «إنّ الفضيلة ليست مقاومة الغواية، ولكن التعايش معها، فلا أحد يستطيع أن يقاوم طوال حياته، يجب على الفضيلة أن تجاور من دون صراع، إنها تلك العباءات التي نرتديها، والعمائم التي نغطّي بها رؤوسنا، الحجة التي نعيش بها في مدينة الغواية»، فيكتشف علي في الأخير ما يبعث على الريبة ويوحي بأنّه فَطِن وحكيم وقد أصاب من العلم والفقه الكثير، ويمضي السّردُ مملّاً وخافتاً، ثمّ يلتقيان بالغجر ويدخلان أدغال الأخطار ويجتازانها سويّاً وكأنّهما ارتبطا بحلقة متينة من المودّة والتبعيّة.

 

قبَيل وصولهما إلى سمرقند، يعرّج نور الله على مرقد البخاري فيفاجأ علي بشخصيّته الحقيقيّة، إذ يتأهّب جميع الشيوخ هناك لاستقباله ويهرع الناس لينالوا منه البركة وكأنّه إمامٌ حقيقيّ هبط عليهم من كبد السماء.

 

يسأل علي نور الله عن حكايته فيشرع في قَصّها عليه بقلبٍ دام حزين، بدءاً من نزوحه من قريته في وادي فرعانة متوجّهاً إلى مدرسة ميرعرب ليتلقّى التعليم الدينيّ فيها ويتعرّف لاحقاً هناك إلى صديقه «لطف الله»، ولكنّ الغواية تشاطره صِلته بخالقه فيقع في غرام امرأة يهوديّة تَهبه جسدها من غير حساب حتّى يقع في فخّ قاتل عندما يداهمه زوجها في المنزل مع مجموعة من الرجال، فيَهمّ الجميع بقتله لكنّ صديقه لطف الله الذي كان يراقبه متحسّباً لهفواته يُنقذه في آخر الوقت وينتشله من الكمين، ويتسرّب الخبر إلى الشيخ الأكبر في المدرسة فيأمر بفصله، والمفاجأة أنّ السوفيات يداهمون المبنى في نفس اليوم ليعلنوا أنّ ستالين قد قرّر إغلاق المعهد، فيخرج الطلّاب في مظاهرةٍ حامية بيدَ أنّهم يرغمونهم على الرحيل فيعود لطف الله إلى قريته وأهله، ويبقى نور الله في بخارى ويقع في حبّ فتاة روسيّة يطارحها الغرام في غرفته، ولكنّ رجال الأمن السوفيات يعتقلونه ويواجهونه بمعرفتهم بما اقترف من شوائن ورذائل وهو شيخ الدين الحصين، ويهدّدونه بإنهاء مستقبله إن لم يكن تابعاً لهم بمعنى «رجلهم في المستقبل».

 

يستسلم نور الله لقدره ويعود إلى مدرسة ميرعرب بعد موت ستالين وفتحها من جديد لينقل للسوفيات تقارير سطحيّة لا معنى لها عن رفاقه حتى لا يضرّ بأحدهم هناك. وبعد تخرّجه، يتقلّد عدّة مناصب بمساعدة الروس حتى يصبح مفتي البلاد بعد أن التقى بسيّد قطب الذي تكلّم عنه بحماسة وتأثّر كبيرين، وبشعورٍ يفيض حبّاً وعطفاً، ثمّ تجهّم سرده لينعطف الى الانتقاد اللاذع والتقريع اللامرئيّ لشخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأعماله.

 

تَرده أخبار عن قيام لطف الله صديقه القديم مع مجموعة من رفاقه بمحاولة بناء دولة إسلاميّة، وبعد اعتقالهم تصل إليه أوامر بتوقيع حكم الإعدام، فيَهمّ بصفته مُفتٍ للبلاد فيرفض بشكلٍ قاطع، حتّى يقوم الروس بنفيه إلى بلادهم الباردة، ولكنه لا يلبث أن يعود إلى بلاده سرّاً بعد أن خسر منصبه وماله ونفوذه وحُرم من زوجته وبناته.

 

يتابع علي رحلته وحيداً إلى مدينة سمرقند التي حفلت بتاريخٍ مجيد متأجّج بالمصائر العظيمة، فقد كدّس تيمورلنك أمجاده فيها ورغم انتصاراته هُزم في معركة العشق مع زوجته بيبي خاتون التي منحته جسدها ولم تعطه قلبها وآثرت أن تقترف جريمة خيانته مع شابّ بائس فقير، ليهدم عليهما المكان وتدفن في صرحٍ كبير. فهي مدينة الأحلام التي عرّج عليها الإسكندر، وهنا سُكبت قوارير العشق في صوفيّة عذبة للمحبوب.

 

يُصادف في مقهى الفندق الذي أقام فيه فتاة تدعى «طيف» تعملُ هناك، فيتّحدان جسديّاً ونفسيّاً ويتآلف معها، ويذهب لزيارة الجنرال رشيدوف وزوجته، فيجدهما في حالة حزن وضياع بسبب هروب ابنتهما الوحيدة من المنزل. هنا، يدخل الكاتب في حالة من الفوضى السرديّة التي لا لزوم لدسّها في القصة إذ يتعهّد علي لهما بالبحث عنها ثم تعود من تلقاء نفسها إليهما، ويقدّم له الجنرال مذكّرات والده ليطّلع عليها.

 

يأتي نور الله إليه، وعندما يعلم بعلاقته مع الفتاة طيف يغضب ويقوم بضربه ضرباً مبرحاً لأنّها من أقربائه، ولكنّه يصرّ على أن يعيده بنفسه إلى طشقند حتى يسافر إلى مصر، ويسرد له علي قصّته في الطريق، فقد كان والده ضابطاً كبيراً يعمل ضمن دائرة الحكم في عهد الرئيس السادات، وقد رحلت أمّه عنهما لسببٍ ما زال يجهله، وتركته في عهدة أبيه الذي كان متسلّطاً يمارس روح القيادة عليه، وفرض عليه أن يدخل السلك العسكري بعد تخرّجه من الجامعة ولكنّه يتعرّض هناك للخطف من قبل تلاميذ يحاولون القيام بمحاولة انقلاب، وينجو من الموت بأعجوبة.

 

يَسرد علي على نور الله سيرته الذاتيّة مع الفتيات، فهناك فايزة التهامي التي كانت ابنة صديق والده، وهو يعمل أيضاً قائداً في الأمن، واعترفت له بقيام أبيها باغتصابها ما شكّل لها صدمة نفسيّة، معتبرة أنّ والدها يمارس هزائمه على جسدها وخساراته في ميدان المعارك التي يخوضها، وتتزوج ولكنّها سرعان ما تصبح أرملة إذ يستشهد زوجها في الحرب، ويقيم معها علاقة جسديّة ينسحب منها سريعاً بعد أن يقع في غرام فتاة أخرى، فتحاول الإنتحار.

 

يُطرد والده من الجيش بعد أن يعترض على قيام السادات بعقد معاهدة الصلح مع إسرائيل منوّهاً بمدى خطورتها، وبعد محاولات حثيثة لمقابلة الرئيس حتى يشرح له وجهة نظره ويقدّم له وثائق سريّة بحوزته عن جواسيس من المقرّبين إلى الأخير، يقوم جهاز الاستخبارات بقتله ويقع علي في تخبّط نفسي بين حزنه لفقدان والده وعجزه عن القيام بأيّ أمر لكشف حقيقة مقتله.

 

تنتهي الرواية بملاحقة الشرطة لسيّارة نور الله، ولكنّ علي يقوم برشوتهم ببعض الأموال لإبعادهم فينجح في ذلك.

 

رواية «قمر على سمرقند» لم تشرق مع فجر الرواية الحديثة ولم تشرف على ميتافيزيقيا الماورائيّات التي تنفذ إلى أعماق النفوس البشريّة، بل تركّزت على توضيح وجهة نظر كاتبها السياسيّة وفرض آرائه بطريقة تفتقر للمنطق وتعكس رأيه الشخصيّ بلا دعائم أو ركائز أساسيّة.

theme::common.loader_icon