تبدأ الرواية بمقولة وضعها الراوي ليستهلّ بها الوضع الأوّلي: «من العبث أن نطالب الحياة بأكثر من هذا التناغم السري الذي يربطنا إلى لغز الآخرين، ولو بشكلٍ عابر، ويسمح لنا أن نجتاز بصحبتهم جزءاً من الطريق».
فرادة ذهب الحياة
لقد هبّت الآمال من مرقدها في حياة «أورليان» بطل رواية «النّحال» عندما عزم أن يصبح نحّالاً، ولم يكن مبعث الأمر الطمع في المال أو التبجّح أو مناغاة بالثراء، ولكنّه كان يبحث حسب قول الكاتب «عمّا يسمّيه بفرادة ذهب الحياة».
وفي هذا استهلّ الكاتب قصّته بجملة: «كان يبحث عن الجمال، فلم تكن الحياة بالنسبة له تستحقّ أن تُعاش لولا بضع لحظات تعبرها من السّحر المصفّى».
فبعد أن بلغ أورليان العشرين من عمره قرّر أن يبسط حلمه ويدرسه على مجهر الواقع، وكان يسعى لأن ينشئ عشرين قفراناً لإنتاج العسل ليصبح بذلك النحّال الوحيد في لانغلاد، فقد راوَدته آماله كالوحي ودَغدغته كالسحر منذ أن حَطّت نحلة على يده عندما كان صغيراً وتركت وراءها مسحوقاً ذهبيّاً في راحة كفّه، فنقلته سيكولوجيّاً إلى دنيا القصور والملوك والنشوة، وبلغت به نواصي الحلم أنّه لم يعد يفطن لوجود حبيبته في حياته ولا حتى جدّه.
إنكسار الحلم
بين مظالم الحياة وخفايا الحلم الذي يتحقّق له ولكنّه لا يلبث أن يتبدّد بسبب عاصفة خرقاء عبارة عن رياح ساخنة جافّة وهوجاء، تقحم بيوت نحله وتضرم الحريق فيها فتفنيها وتحيلها إلى رماد، ينسكبُ الكابوسُ مثل السموم الحارقة في قلب أورليان. تضيع ثروته الصغيرة وتتشتّت أمانيه على قارعة الوجع، فتترفّع دموعه عن الشكوى ويأبى حزنه الانكسار، فيقرّر الرحيل ليبحث عن الذهب في مكانٍ ما في أفريقيا، مبتعداً بذلك عن مآسيه بعد أن نحره الحزن وهَدّه اليأس، فيترك وراءه جدّه وصديقته وحبيبته بولين التي كان على وشك الزواج منها.
وهو يجدّ السير متخبّطاً على غير هدى، يلتقي برسّام يرسم بنزقٍ وجنون، فيطلب منه أن يرسم له وجه امرأة ذهبيّ اللون، ويودع اللوحة في أمانات الفندق الذي قضى فيه بضعة أيّام على أن يستردّها في طريق العودة.
الشرود على سطح البحر
من مرسيليا، يغادر أورليان على متن السفينة الذاهبة إلى شواطئ البحر الأحمر، هائماً رحّالاً مغامراً، ليشبّه رحلته بالشرود على سطح البحر، وكانت أوّل محطّة له هي بور سعيد ثمّ عدن حيث التقى بمسافرين وطوى أحداثاً شيّقة معهم، حتى استقلّ أخيراً السفينة المتوجّهة إلى هراري المدينة المقدّسة بعد أن استحصَل لهم المال من قائدٍ بخيل لا يدفع بطريقة ذكيّة معلّلاً تصرّفه على أنّ «كلمته من ذهب».
عندما وصلوا إلى صحراء الصومال، هاجم قطّ وحشيّ أحد اليمنيّين المسافرين معه فقتله، ثمّ ذبحت قبيلة الدنكال المسيطرة هناك رجلين آخرين، ثمّ مات آخرون من عللٍ متنوّعة، فكانت أوّل حكمة يستقيها أورليان بأنّ الماء هو ذهب الصحراء، لأنّه لا شيء يحييها إلّا المياه التي تتفجّر في عقول مسافريها كاللآلئ المتناثرة على زبد الموج، مبعثرة ولا تطالها الأيادي بل تتزحلق من الكفوف متباهية بجمالها، وكان مع من تبقّى من رفاق السفر، وهو صديق واحد، مُجبرَين على أن يسيرا على أقدامهما حتّى يصلا إلى هراري قبل أن يقضي عليهما العطش والجوع.
الحكمة الثانية التي تراءت له في سفره الشاق المنهك عندما قال: «إنّ الحياة لا تتماسك إلّا بفضل خيطٍ من ذهب منسوج بالأيّام التي نفهم بها أنّ الحاجة لأن تروي عطشك ستبقى دوماً أقوى من نشوة الشرب، وأنّ الرغبة في البقاء على قيد الحياة ستبقى على الدوام أجمل من متعة أن تحيا».
غرام كالجاذبية
بعد وصولهما إلى هراري، استدعاهما ماكونين حاكم المدينة، فطرد صديق أورليان التاجر بحجّة أنّه يتاجر في المدينة بلا وجه حق، وعندما جاء دور الأخير ليسأله عن مقصده من الزيارة، أخبره بأنّه يبحث عن الذهب، فاشترط الحاكم أن يدعه يتجوّل باحثاً ومنقّباً بشرط احترام التقاليد الإسلاميّة على أرض الحبشة، وقبل مغادرة أورليان دخلت فتاة فاتنة من فتيات قبيلة الغالا إلى دار الزعيم فوقع في حبّها وتراءت له صورتها كالجاذبيّة الخارقة التي تجرف كلّ كيانه بطرفة عين.
فتكرّرت زياراته لماكونين لسؤاله عن اسم هذه الفتاة أو مكانها وفي كلّ مرّة كان الزعيم يتهرّب من الإجابة، وأمام إلحاحه وإصراره وعناده أخبره بأنّه إذا أراد العثور على الفتاة فعليه أوّلاً أن يدخل جرف النحل وراء الجبل البعيد وبهذا يكون قد انتهك قوانين قبيلة الغالا ما يعرّضه للشقاء، فلم يحفل بتحذيره وقرّر خوض مغامرة الموت، وبعد مشقّة هائلة وطريقٍ يتعرّجُ بالأهوال، وصل إلى جرف النّحل واستقبلته القبيلة وملكتها ثمّ طارحته الغرام بشهوانيّة وإثارة ورغبة فائقة، على طريقة ملكة النّحل التي يتمّ تلقيحها. وعندما استيقظ في الصباح التالي وجد أنّ القبيلة قد تبخّرت واختفت بعد أن تركت له الملكة 3 نحلات ذهبيّة، فعاد ليسأل الزعيم عنها فأنبأه أنّ القبيلة تتواجد مرّة واحدة في السنة في الصحراء ثمّ تختفي عاماً كاملاً.
بعد مرور 3 سنوات قضاها في مدينة هراري، توجّه أورليان إلى مدينة عدن، وتحديداً إلى مبنى القنصليّة البريطانيّة ليقابل القنصل ويطلب منه مساعدته للعودة إلى بلاده.
وقد وصل سالماً إلى موطنه رغم المرض الشديد الذي ألمّ به في طريق الرجوع متجاهلاً عند عودته حبيبته بولين. وينشئ مع مهندس التقاه في طريق السفر مشروعاً كبيراً بعد أن باع النحلات الذهبيّة للحصول على المال، فيبنيان من خلاله رفوف النّحل ويجلبان الآلات المتطوّرة ويقيمان حفلاً كبيراً لفراشات الذهب يطلقان عليه لقب: "أوبرا النّحل".
لكنّ أحلامه تتبدّد هباءً مع الرّيح عندما تغزو فراشة الشمع رفوف النّحل وتدمّر المبنى بأكمله، ويرحل صديقه المهندس وتبقى له حبيبته بولين الذي يدرك بأنّها ذهب الحياة الذي كان يبحث عنه.
رواية «النحّال» تنتمي إلى أدب الرحلة التي خَلت في تفاصيلها من المغامرات، فقد افتقرت إلى روح التشويق ورونق الإثارة، ولم تسدّ رمق المتعطّش للآماد البعيدة وراء الجبال والصحارى مثلما فعل باولو كويلو في الخيمائي، بل ترنّحت ببريقٍ خافت بين الحدث والحدث المبدّل، ولم تترك أثراً في نفس المتلقّي أو حتى تتوّج المغزى الذي سَعت إليه بهالةٍ من الشعاع المعرفي.