مانشيت - لا انفراج حكومياً قريباً... وماكرون متمسّك بمبادرته
مانشيت - لا انفراج حكومياً قريباً... وماكرون متمسّك بمبادرته
Friday, 11-Jun-2021 06:21

قفزت الأزمات الاجتماعية إلى الواجهة بمقدار كبير ومخيف، وأصبح المواطن اللبناني شبه مقتنع بأنّ عليه التعايش طويلاً مع هذه الأزمات، وانه لن يتخلّص بسهولة من عادات الذلّ التي تحولت جزءاً من يومياته، من الوقوف أمام محطات البنزين التي تحولت إلى طوابير، إلى البحث المضني في الصيدليات عن الدواء الذي فُقد كثير منه، وما بينهما الخشية من الانقطاع التام للكهرباء ورفع الدعم، او الخشية من الدخول إلى المستشفى غير القادرة على تطبيبه. وبدلًا من ان يكون المسار السياسي معاكساً للمسار المالي الانحداري، يواصل المعنيون بتأليف الحكومة تخبّطهم ونزاعاتهم، وكأنّ البلد في ألف خير.

وما زال الخلاف يدور حول تفاصيل، في الوقت الذي يواصل البلد غرقه نحو القعر. وفي هذا الجو المأزوم قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مؤتمر صحافي أمس: «اننا نريد حكومة إصلاح في لبنان ونتمسك بخريطة الطريق التي اقترحتها».

وأضاف: «فرنسا تعمل على إنشاء نظام تمويل دولي يضمن استمرار عمل الخدمات العامة اللبنانية في حال حدوث أي اضطراب سياسي في البلاد».

لم تفلح مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري حتى اللحظة في التوفيق بين «بيت الوسط» و«البياضة»، التي دخلت حديثاً إلى قائمة المقار السياسية، وما زال كل من الفريقين يتحصّن بوجهة نظره ويهاجم الفريق الآخر متسلّحا بأفكاره، وكأنّ المطلوب ليس السعي إلى تجاوز العِقَد، إنما وضع العراقيل أمام المبادرة بغية الإطاحة بها، ورمي كل من الطرفين المسؤولية على الآخر في نسف آخر فرصة متاحة للتأليف لكي لا يتحمّل أمام اللبنانيين مسؤولية إجهاض فرصة إنقاذية يعوّلون عليها.

 

وفي الوقت الذي شكّلت كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الاخيرة مادة سجالية وردوداً على بعض ما ورد فيها، فإنّ رفضه القاطع للانتخابات النيابية المبكرة يؤكّد انّ هذا التوجُّه لا يحظى بتأييد نيابي باستثناء «القوات اللبنانية». ولكن لا يبدو في الوقت نفسه انّ دعوته إلى التجاوب مع مبادرة بري والتأليف فوراً تلقى آذاناً صاغية لدى المعنيين بهذا التأليف، إنما يبدو انّ التبريد الذي ساد أخيراً بين «بيت الوسط» و«البياضة» عاد ليتحول تدريجاً إلى تسخين ومادة سجال متبادلة وتراشق متواصل مباشرة أم مداورة، عن طريق كلام «المصادر».

 

قدرة الصمود

وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ «الثابت في كل هذا المشهد هو انّ قدرة الصمود لدى اللبنانيين بدأت تتضاءل وتتراجع، وهذا الأمر بدا جلياً في ردود فعل الناس التي لم تعد تقوى على التحمُّل، فيما لا يبدو انّ حسّ المسؤولية لدى المعنيين يفعل فعله، وعلى رغم سعي رئيس المجلس الحثيث، واللقاءات المكوكية التي تجريها اللجنة المنبثقة من المبادرة، فإنّ الأمور ما زالت تراوح، وما يكاد يتقدّم التفاؤل حتى يتراجع مجدّداً، ولا يُعرف بعد ما الأفكار او الخطوات التي يمكن ان يلجأ إليها صاحب المبادرة لكسر هذه المراوحة السلبية».

وأضافت: «بدلاً من أن يكون التأليف الذي يتمّ على وقع أزمة مالية وقلق شعبي، مسهّلاً من أجل القيام بالمستحيل لمعالجة هذه الأزمة تداركاً للأسوأ، وبالتالي التضحية السياسية في سبيل البلد والناس، ما زالت الأمور تتأزّم أكثر فأكثر، الأمر الذي يعطي انطباعاً وكأنّ هناك من لا يريد تأليف الحكومة أساساً، لاعتبارات وأسباب ما زالت مجهولة، ولكن الأكيد أنّ لبنان وشعبه هما الضحية».

 

«مكربجة»

في غضون ذلك، لاحظ زوار مرجع سياسي معني بالملف الحكومي، انّ الأمور لا تزال «مكربجة» ولا إنفراج حكومياً في القريب العاجل.

وفي سياق متصل، كشفت اوساط مطلعة، انّ الرئيس المكلّف سعد الحربري لم يتلمّس اي إيجابية بعد، في ضوء حصيلة الاجتماع الاخير الذي عقده الخليلان ووفيق صفا مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.

واشارت الى «انّ تجدّد الردود والردود المضادة بين بعبدا و«البياضة» من جهة و«بيت الوسط» من جهة أخرى لا يشجع على التفاؤل. وأبدت خشيتها من ان يكون طرفا النزاع غير جاهزين بعد لتشكيل الحكومة، كلٌ لأسبابه التي يمتزج فيها الداخلي بالخارجي، معتبرة «انّ خطر الانفجار الاجتماعي أصبح داهماً في ظل هذا الاستخفاف المتمادي، ويمكن ان يحصل في اي وقت، بعدما باتت تراكمت أسبابه».

 

تعليق الاجتماعات

وفي السياق نفسه، علمت «الجمهورية» أنّه لم يطرأ أي جديد على المفاوضات الخاصة بتأليف الحكومة، وقد عُلّقت كل الاجتماعات وتفرملت خطوط التفاوض بفعل التسريبات التي تلت اجتماع البياضة، حيث قالت مصادر متابعة لملف التأليف لـ«الجمهورية»، انّ الاجواء التي تقصّد باسيل تعميمها من انّه «قدّم كل التسهيلات والكرة اصبحت في ملعب الحريري»، استفزت الرئيس المكلّف الذي اعتبرها «مخططاً سيئاً يُراد منه القول انّ الحريري لا يريد ان يشكّل حكومة، فيما حقيقة الامر انّ باسيل في العلن يبدي مرونة ويتعفف، أما تحت الطاولة فهو يفاوض على انّه الحاكم بأمره الذي يريد كل شيء ولا يفرج عن الحكومة إلّا اذا كانت له الكلمة الفصل فيها».

واكّدت المصادر انّه سيصار مجدّداً الى اعطاء فسحة من الوقت لتهدئة النفوس، لكي تُستأنف المفاوضات.

 

حرب مصادر وإضرابات

وبمعزل عن مجموعة الازمات التي تهدّد البلاد بالشلل التام جراء سلسلة الاضرابات المقرّرة إبتداء من صباح اليوم وعلى مدى الايام المقبلة، بقيت حرب البيانات منطلقة على غاربها بين «بيت الوسط » من جهة وثنائي قصر بعبدا ـ البياضة من جهة اخرى، ومتجاهلة ما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والنقدية والطبية والاستشفائية.

واذ تمعّن المراقبون في المعلومات التي عمّمتها المصادر بنحو شبه رسمي، تترقب الاوساط السياسية تداعيات الاضرابات التي ستبدأ اليوم، بدءاً بإضراب الصيدليات في شكل متفاوت اليوم وغداً، فيما اعلنت تجمعات اخرى من الصيادلة أنّ الاضراب مستمر حتى صباح الاثنين المقبل، كما قال «تجمع صيدليات الشويفات»، في وقت اعلن الاتحاد العمالي العام عن اضراب الخميس المقبل، باستثناء نقابات النقل الجوي التي رفضت شلّ العمل في مطار بيروت الدولي، وما بينهما مجموعات اخرى من القطاعات الحيوية، بعد التهديد بوقف توزيع المحروقات مطلع الاسبوع المقبل.

 

«بيت الوسط»

وعلى وقع هذه التطورات، ردّت مصادر «بيت الوسط» عبر مجموعة من وسائل الاعلام بعنف على الأجواء الحكومية التي يشيّعها «فريق» النائب جبران باسيل. وقالت «انّه خلافاً للشائعات التي يبثها جبران باسيل وفريق رئيس الجمهورية من انّ الحكومة تتشكّل في البياضة، فهذه محاولة ساذجة لتكريس اعراف من المستحيل ان «يمشي» بها الرئيس سعد الحريري».

وأضافت انّ «الرئيس الحريري لم يكلّف احداً تأليف الحكومة، والاجتماعات السياسية التي تحصل حالياً في البياضة او غيرها لا تعدو كونها مشاورات سياسية بين اطراف عدة». وقالت: «المضحك المبكي انّ جبران باسيل يحاول أن يخترع دوراً له بعدما بات معزولاً، فنصّب نفسه رئيساً للجمهورية وبات يتصرف على هذا الاساس، ولسخرية القدر انّه «مصدّق» هذه الكذبة».

كذلك لفتت الى انّ «الحكومة تتألف وفقاً للدستور بالتفاهم بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية، والرئيس سعد الحريري متمسك بهذه الاصول ولن يزيح عنها. ونقطة على السطر».

وختمت المصادر:»انّ بث اجواء عن تذليل عقبات وحلّ عِقد في عملية تأليف الحكومة هي ايحاءات غير صحيحة، ولا جديد تحت الشمس. وسبب بث هذه الإيحاءات هو محاولة اظهار جبران وكأنّ مفاتيح الحل موجودة بين يديه، بينما الحقيقة انّ القفل لديه ولدى رئيس الجمهورية».

 

بعبدا تردّ

وفي أول ردّ على «بيت الوسط» «أسفت مصادر قصر بعبدا «للطريقة التي يتّبعها بيت الوسط في ادارة الملف الحكومي، والتي تُظهر بما لا يرقى اليه شك انّ الرئيس المكلف تخلى عن دوره في التشكيل ويبحث عن حجة لعدم إبصار الحكومة النور، فيوجّه سهامه الى مبادرة الرئيس نبيه بري ويطلق النار في اتجاهها، ما يعني عملياً انّ جدار الممانعة الذي يحول دون التشكيل ما زال قائماً حتى اللحظة، وان توجيه الاتهام الى بعبدا و«التيار الوطني الحر» تارة بالتمسّك بالثلث المعطل واخرى بالوزيرين المسيحيين ما هو إلّا ستارة لتغطية عجزه او عدم قدرته او رغبته في التشكيل ومحاولة هروب الى الامام للتعمية على الحقيقة إمّا خوفاً من وضع داخلي يخشى ان ينفجر في وجهه او من شيء ما في الخارج».

 

... و«التيار» يرد أيضاً

من جهتها، ردت اوساط «التيار الوطني الحر» على «بيت الوسط»، فلفتت الى انّ «النائب باسيل لم يسعَ يوماً الى اجراء مشاورات لا في البياضة ولا في غيرها، وهو تحفّظ عن الطرح بداية حتى لا تُفسّر على انها محاولة تشكيل بتغييب الرئيس المكلف او إقصائه، إلا انه وبناء على مبادرة الرئيس بري وحرصاً على إنجاحها فتح باب التشاور بين ممثلي كتل نيابية، وحبّذا لو يتشاور الحريري نفسه مع رئيس الجمهورية في المكان الطبيعي للتشكيل الحكومي، أي في القصر الجمهوري الذي لا يقبل الرئيس اطلاقاً استبداله لا بالبياضة ولا بأي مكان آخر، كونه المكان الطبيعي لإعلان ولادة الحكومة المفترض ان الحريري يعرفه تمام المعرفة الا اذا نَسيه أللهمّ!».

 

اضافت هذه الاوساط: «امّا اذا كان فريق الحريري يعتبر ان زيارات الدقائق الخمس التي يقوم بها الى القصر لتقديم بعض الاسماء هي مشاورات، فإنه مخطئ، اذ لم يحمل في زياراته الـ17 محاولة واحدة جدية لمناقشتها مع رئيس البلاد. والارجح انه كلما سقطت ذريعة يبحث عن اخرى لإحباط عملية تشكيل الحكومة وهذا سلوك غير مقبول، واذا كان ذلك كله مقدمة لتأزيم الوضع فليوفّر على نفسه العناء ويقول بجرأة انه لن يشكّل، لأنه لا يحجز فقط التكليف في جيبه بل الوطن والشعب بكامله، ونذكّره بأن الدستور يعطيه صلاحية تشكيل حكومة لا الامتناع عن التشكيل».

 

وفي اشارة لها الى ما يجري في قصر بعبدا قالت اوساط «التيار» انّ «رئيس الجمهورية سيستمر في مقابلة السلبيات بالايجابية، وهو في مرحلة تقييم الوضع بما يملك من صلاحيات، صحيح انها محدودة في هذا المجال، لكنه يملك قدرة سياسية عبر تكتل «لبنان القوي» و«التيار الوطني الحر» اللذين لن يبقيا في موقع المتفرج الى ما شاء الله، خصوصاً بعدما بدأ الحريري يلعب على الوتر الطائفي بإشارته الى البياضة برمزيتها الجغرافية، لِشد العصب الطائفي والمذهبي وكأننا عشية الاستحقاق الانتخابي».

 

صندوق النقد

إقتصادياً ومالياً، استمرت الأزمات الحياتية في التفاعل، وتواصلت عمليات الاذلال التي يتعرض لها المواطن على محطات الوقود، وباشرت المستشفيات التقنين على المرضى بحيث بدأت تختار بين المرضى في الحالات الباردة غير الطارئة، وفيما برزت ايضاً أزمة شح في الطحين، صدر موقف لافت من صندوق النقد الدولي. وفي اول تعليق لهذه المؤسسة الدولية على قرار مصرف لبنان بدء إعادة الودائع الى اصحابها وفق التعميم الرقم 158، قال الصندوق انّه «ليس واضحاً كيف سيتمّ تمويل السحب المزمع من الودائع نظراً للتراجع الحاد في العملات الأجنبيّة في لبنان في السنوات الأخيرة».

 

ووفق ما ذكرت وكالة «رويترز»، رأى صندوق النقد الدولي أنّ «اقتراحات ضبط رأس المال وسحب الودائع في لبنان تحتاج لأن تكون جزءاً من إصلاحات أوسع للسياسة».

 

وقال الصندوق إنّه لا يرى حاجة لأن يُطبّق لبنان قانون ضبط رأس المال الآن من دون دعم أو سياسات ملائمة ماليّة وأخرى لسعر الصرف.

ويأتي موقف صندوق النقد هذا متماهياً مع تحذيرات أطلقها خبراء اقتصاديون في لبنان حذّروا فيها من مخاطر التعميم، خصوصاً انه قد يكون مرتبطاً بحسابات سياسية وتحديداً بحسابات انتخابية تتعلق بإرضاء المودعين قبل الانتخابات النيابية المقبلة. ويبدو هذا التعميم شبيهاً بسلسلة الرتب والرواتب التي أقرّت قبل الانتخابات الماضية، وأدت الى ما أدّت اليه من خراب.

 

قطع الطرق

ومن جهة أخرى واحتجاجاً على تفلّت سعر صرف الدولار وتنديداً بالأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية، نفّذ ناشطون في الحراك الشعبي مسيرة راجلة وعلى الدراجات النارية، جابت شوارع مدينة طرابلس، وردد المشاركون فيها هتافات تطالب برحيل الطبقة الحاكمة ومحاكمة الفاسدين واسترداد الاموال المنهوبة.

وختم المحتجون مسيرتهم بوقفة احتجاجية في «ساحة النور» لمدة نصف ساعة، وسط اجراءات امنية اتخذتها قوى الجيش. وتزامناً، قطع عدد من الشبان اوتوستراد الجية بالشاحنات والاطارات المشتعلة، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية، فيما قطع آخرون جسر «الرينغ» في وسط بيروت في الاتجاهين.

 

فرنسا تدعم الجيش

من جهة ثانية، تستضيف فرنسا اجتماعاً افتراضياً في 17 من الجاري لحشد الدعم للجيش اللبناني، في إطار سعيها لرفد جهود مواجهة الأزمة الاقتصادية التي وضعته على حافة الانهيار.

وقالت وزارة الدفاع الفرنسية إنّ «الهدف هو لفت الانتباه الى وضع القوات المسلحة اللبنانية التي يواجه أفرادها أوضاعاً معيشية متردية، وربما لم يعودوا قادرين على تنفيذ مهماتهم الضرورية لاستقرار البلاد».

وأضافت أنها «ستستضيف الاجتماع بالتعاون مع الأمم المتحدة وإيطاليا»، مشيرة إلى أنه «يهدف إلى تشجيع التبرعات لمصلحة القوات المسلحة اللبنانية».

وتمّت دعوة دول مجموعة الدعم الدولية للبنان، والتي تضم روسيا ودول الخليج والولايات المتحدة والقوى الأوروبية، لحضور الاجتماع.

ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدرين ديبلوماسيين أن «الاجتماع سيسعى للحصول على مساعدات من دول توفر الطعام والمساعدات الطبية، وقطع الغيار لمعدات الجيش. ومع ذلك لم يكن من المخطط أن يتم تقديم أسلحة أو معدات عسكرية أخرى».

 

النازحون

وفي خضمّ زحمة الملفات السياسية والمعيشية، برز تطور يتعلق بملف النازحين السوريين، حيث علمت «الجمهورية» انّ المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم قام بزيارة خاطفة الى سوريا الاثنين الفائت واستمرت لساعات بحث خلالها في هذا الملف مع المسؤولين السوريين وذلك عشيّة توجّهه الى موسكو مطلع الاسبوع المقبل.

theme::common.loader_icon