رحيل القاضي وهيب جاك دوره
رحيل القاضي وهيب جاك دوره
اخبار مباشرة
د. منال جوزف مسلّم
جريدة الجمهورية
Monday, 24-May-2021 06:20

لما إنقضى يوم الاربعاء فالخميس ولم أتلقَّ منك جواباً على رسالتي الإطمئنانية اليك، شعرت أنّ الأمور قد لا تكون على ما يرام، وأنّ رسالتك الأخيرة المتفائلة يوم الثلثاء، قد تكون أردتها، وكعادتك، كي لا ينشغل بالنا. فأنت الذي لم تعرف التذمّر يوماً، حتّى في صراعك مع هذا الوباء، حافظت على هدوئك، ولياقتك، واحترامك، ومحبّتك، وإيمانك النموذجي.

 

منذ أن عرّفنا عليك رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري صادر، في آذار ٢٠١٠، قال في تقديمك لمعالي وزير البيئة حينه محمّد رحّال كلمات يعجز تكرارها؛ إنّما الملفت أنّنا بعد فترة وجدنا هذه الكلمات غير كافية لوصفك، ولوصف تفانيك في العمل، بصمت وجدارة ونظافة كف وتواضع، قلّما نشهد لها مثيلاً.

 

عائلتك الصغيرة عرفتك إبناً وأخاً وزوجاً ووالداً وقريباً حبيباً فريداً؛ وعائلتك الأكبر في مجلس شورى الدولة عرفتك من خيرة القضاة. أما عائلتك الثانية في وزارة البيئة فوجدت فيك مشرّع البيئة الاوّل:

 

-فمن منّا يمكن أن ينسى كيف، بحكمتك وذكائك، أخرجت مشروع مرسوم تقييم الأثر البيئي من عقد من التعقيدات والتجاذبات، فمهّدت الطريق القانوني أمام إقراره في العام ٢٠١٢ وإقرار مراسيم أخرى جوهرية لقطاع البيئة بقيادة الوزير ناظم الخوري؟

-من منّا يمكن أن ينسى كيف، في ما بعد، ناضلت قانوناً الى جانب الوزير محمّد المشنوق لإقرار مشروع مرسوم الضابطة البيئية تطبيقاً لقانون النيابة العامة البيئية؟ وبعد مرسوم الحوافز الضريبية للنشاطات البيئية في عهد الوزير طارق الخطيب؟

-من منّا يمكن أن ينسى المعركة الشرسة التي خضتها الى جانب الوزير فادي جريصاتي وتابعتها مع الوزير دميانوس قطار لمحاولة تنظيم قطاع المقالع والكسارات؟

-مَن من زملائي في وزارة البيئة يمكن أن ينسى المجهود التاريخي الذي بذلته لتثبيتهم في وظيفتهم، وترقيتهم، وتحسين أوضاعهم، ومحاولة التخفيف من معاناتهم اليومية؟

 

- كيف يمكن لي، ولمرجعنا في الإدارة الأستاذ ادمون أسطا، ولصديقينا المستشار غسّان صيّاح والإعلامي سعد الياس، أن ننسى نقاشاتنا الدورية، وحلمنا باسترجاع لبنان الذي نحبّ؟

 

فأنت بكل بساطة يا حضرة الرئيس الصديق، أنت الإصلاحي القانوني البيئي الأول: الأجيال ستقرأ في نصوصك، وستستشهد بأحكامك، وبمشيئة الله، تكمّل مسيرتك للحفاظ على هويّة الوطن البيئية.

 

أما نحن يا أيها الصديق العزيز، فلن أكون صادقاً معك، كما عهدتني، اذا قلت لك أن غداً سيكون كما البارحة. سنحاول الحفاظ على ما أنجزت نعم، سنحاول الإتّكال على أنفسنا بالأمور القانونية نعم، سنحاول إحاطة كل من تحبّ نعم...إنما كيف سنكون، عندما سننتظر مواعيدنا الدورية لاستقبالك بكل حفاوة وترحيب، فلا تأتي؟

 

شاءت العناية الإلهية أن تغادرنا في زمن القيامة لدى التقويم الشرقي، وليلة العنصرة لدى التقويم الغربي، وهي الليلة التي تحتفل فيها الكنائس البيزنطية بالقداس السنوي الثاني لتذكار الراقدين. وجرت العادة في دير مار الياس الطوق في زحلة أن نقيم هذا القداس في مدافن الدير. وككلّ عام، إنّما هذا العام بشكل خاص، كان القدّاس بنقاوة وروحانية وجمال لا يمكن وصفها، وتحدّث الأب المحتفل عن المناسبة وعن دور الروح القدس في حياتنا. وبالرغم من هذا كلّه، وبالرغم من كلمة صديقك، سيادة مطران زحلة للروم الأرثوذكس المتروبوليت أنطونيوس الصوري، في وداعك البارحة، حول الحياة الروحية الجديدة التي سنعيشها معك، مازال تقبّل الموضوع صعباً وتفهّم سرّ الموت أصعب.

 

كم كنّا نودّ أن نتعرّف الى كنيستك الرائعة جمالاً، كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس في الميناء - طرابلس، بمناسبة أخرى، وأن نتعرّف الى أقاربك وأصدقائك بعيداً عن نهر الدموع الذي انهال من أعين كل واحد منّا. إنما هذه هي سمة الحياة. فبإسمي، أيّها الصديق العزيز، وبإسم كل من أحبّك من زملائي في وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (وكم هم كثر يا ريّس!!)، أتقدم من والدتك، ومن زوجتك وأولادك، وأشقائك، وكل أقاربك وأصدقائك، بأحرّ التعازي، سائلة الله أن يمنحنا نعمة الصبر، ويقوّينا بالرجاء ويسلّحنا بالإيمان.

 

المسيح قام.

theme::common.loader_icon