ديمقراطيتُنا في آخر أيامها
ديمقراطيتُنا في آخر أيامها
د. أنطوان زخيا صفير
Monday, 15-Mar-2021 06:42

منذ ستة عشر عاماً، حصلت إنتفاضة الرابع عشر من آذار، ومعها تبدَّلت بعض الديناميات الى حين، حتى عدنا الى البدايات، محاصصةٌ وتوافقْ أو إختلافٌ عليها، ولم يُبنَ أي حجرٍ من دولة القانون! ولا وُضعَت أي خطة او نُفذَّت وفي أي مجال.

 

وإنتقلنا الى وصاية طبقة بزنس- سياسي، أباحت كل المحظورات، فقفز الدين العام الى ما فوق الـ100 مليار دولار. وتراجعت أي قدرةٍ على تغيير الواقع القائم، فلا المجلس الدستوري قادرٌ قانونياً على منع الخروقات المتكرّرة للدستور، ومنها عدم إجراء الإنتخابات الفرعية المحدّدة المِهَل والأصول في الدستور والقانون...

 

ولا القضاء مُحَصَنٌ لمقاضاة المرتكبين ورفع السياسة عن الملفات والقرارات.

 

ولا مصرف لبنان صالحٌ لإعادة أموال الناس التي تبخّرت بينه وبين الدولة الفاشلة والمصارف التي جنَت الثروات.

 

ولا الأحزاب وضعت برامج عمل تنفيذية طويلة الأمد - غير آنية، لمكافحة آفات الفساد والسرقة، ووقف سياسات التسويف والتأجيل والتعطيل والتمديد والتجديد.

 

ولا صرخةُ ناس السابع عشر من تشرين إستطاعت أن تبدّل في المشهد العام، بل جُلَّ ما فعلته هو فضح الإرتكابات وتبيان العورات.

 

نعم، إنّ البنية القانونية تحتاج مزيداً من النصوص الضابطة، ولكن القوانين لا تنفع بمقدار قرار وضع الحوكمة الرشيدة للقطاع العام، ودفع القضاء الى خارج حلبة أهل السياسة، لكي يقضي ويمضي.

 

ديموقراطيتنا تحتضر، وهذا ليس شعاراً جافاً أو تحليلاً يحتمل التأويل، بل هو واقع مرير، فحريّة الصراخ مكرّسة رغم التعدّيات والتلفيقات. ولكن، الديموقراطية بمعنى القدرة على تداول السلطة بإرادةٍ حرّة للمواطنين باتت معدومة.

وقدرة السلطة العامة على إحقاق الحقوق اضمحلت كلياً، فالصفقات حصلت...وتحصل!

 

وتحويل الأموال بعد 17 تشرين وتجفيف السوق من الدولار لا رادع له غير الخطابات العفنة.

 

ووضع حدّ لإساءة إستعمال السلطة العامة لم يعد متاحاً في ظلّ تفلت تام.. لا حدود له.

 

نعم، ديموقراطيتنا في آخر أيامها، لأنّ العدل لم يعد أساساً للملك. والمرتكبون يمعنون، وأهل البزنس السياسي من هناك وهنا يرفضون التدقيق الجنائي لكي لا يُفضَح المستور وهو معلوم!

 

عن أي حلول نبحث؟ والإصلاح يحتاج قراراً حاسماً غير قابل الرجوع عنه أو المنافسة فيه.

 

والفساد آفة لا تدرك معالمها إلّا يوم يحاسب الفاسدون والمفسدون والساكتون.

 

يوم يقوم تدقيق شامل للإدارات، والمؤسسات والمصارف، ولا سيما منها مصرف لبنان، لكي يعرف مصير أموال الناس ويتوقف الإنهيار ...ولن يتوقف طالما ثقافة المحاسبة معطّلة وآليات الديموقراطية غائبة وعقلية أكل الأخضر واليابس مستمرة ...

 

إنّها فعلاً الديموقراطية في آخر أيامها... وبعدها سنوات أكثر عجافاً ومسؤولية أكثر ضياعاً ومحاسبة ستُصلح الأقوال يوم يستفيق المواطن من ولاءاته العمياء وهمومه الوضيعة... فيحيي أعرق ديموقراطية في الشرق ... ولو في آخر أيامها.

theme::common.loader_icon