سلف الكهرباء مخالفة للقانون ولا داعي لانتظار نتائج التدقيق
سلف الكهرباء مخالفة للقانون ولا داعي لانتظار نتائج التدقيق
غسان بيضون
Wednesday, 03-Mar-2021 06:14

يبدو أنّ هناك من ينتظر نتائج تدقيق ديوان المحاسبة في «سلف الخزينة» التي أُعطيت لكهرباء لبنان خلال السنوات الماضية، ويبرر هذا الانتظار بحاجته للبناء على تلك النتائج في مناقشة مشروع موازنة الدولة للعام 2021، فيما مخالفة هذه السلف لقانون المحاسبة العمومية واضحة للمعنيين بها، ولا جدال فيها، لا سيما في وزارتي المالية والطاقة والحكومة ومجلس النواب، وقبل هؤلاء مؤسسة كهرباء لبنان. فهل في طرح الانتظار هذا تمهيد لتبرير موافقة استثنائية آتية على حساب مخالفة القانون والدستور؟

للتثبت من واقع مخالفة هذه السلفات للقانون، تكفي العودة إلى قرارات مجلس إدارة كهرباء لبنان المتعلقة بالمطالبة بـ»مساهمات» من الدولة، لتأمين التوازن المالي لموازنتها، وليس بسلف خزينة، هي أكيدة من عدم قدرتها على ردّها. وقد جرت الأمور على هذا المنوال منذ استقرار تعرفة مبيع الطاقة المحتسبة اعتباراً من العام 1994على أساس 25 دولاراً لطن الفيول. ومع الوقت تجاوزت هذه المطالبة تغطية عجز المحروقات، لتشمل عجز المؤسسة من كافة مصادره، بالرغم من تحميل خزينة الدولة كامل ثمن المحروقات، منذ أن وافق مجلس الوزراء على إلغاء تفويض وزارة المالية تحريك حساب المؤسسة لدى مصرف لبنان، ليتحوّل إنفاق كامل إيرادات التعرفة لتغطية الكلفة التشغيلية المرتفعة للمؤسسة. وهكذا هو حال مشروع موازنة المؤسسة للعام 2021، حيث تجاوز المطلوب من الدولة الـ 2,000 مليار، محتسبة على أساس 50,49 د.أ لطن الفيول. تصوروا الدقة، وكم كانت لتبلغ هذه الحاجة لو أنّها احتُسبت على أساس 65 د.أ سعراً وسطياً لبرميل النفط الخام!؟

 

أما اليوم، فشبح العتمة والتهديد بها يطلّ مجدداً، مع إعلان كهرباء لبنان عن نفاد سلفة 2020 بنهاية آذار الجاري، من دون تحديد رصيدها، وبعد الاتجاه نحو وقف الدعم لنفاد احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة، بحيث بات التوافق مع إدارة المناقصات على دفتر شروط مناقصة المحروقات لزوم المؤسسة أمراً ثانوياً، بالرغم من نجاح تلك الإدارة في «تهذيب» دفتر الشروط وتنقيته من الشروط التعجيزية تحصيناً للمناقصة والحؤول دون منع حصولها، بعد كشف نوايا واضعيه، وتراجع وزير الطاقة عن كتب التهويل وعن العمل باستشارات غبّ الطلب تبرّر إجراءها لديه، ليباشر السعي إلى تأمين توافق سياسي على إقرار قانون يسمح بإعطاء كهرباء لبنان «سلفة خزينة» جديدة، لتغطية ثمن المحروقات والعمل بنتائج المناقصة العتيدة، اللهم إلّا إذا تكلّل التفاهم مع دولة العراق بآلية تسمح بالاستفادة من كمية الفيول الخام بعد تكريره أو استبداله بفيول مكرّر من دولة أخرى قبل بداية نيسان.

 

صدر بيان عن المكتب الإعلامي لوزير المالية في حكومة تصريف الأعمال أعلن فيه عن التوقيع على فتح الاعتمادات لصالح مؤسسة كهرباء لبنان «لزوم شحنة الفيول أويل»، بما فيه جميع الاعتمادات الواردة، وأن ليس لديه أي اعتمادات معلّقة، وبالرغم من الغموض الذي يكتنف هذا البيان، لا سيما وأنّ هناك، حسب معلومات رئيس لجنة الأشغال والطاقة، ثلاث شحنات وصلت وثلاث أخرى في طريقها، دون وضوح ما إذا اشتُريت بطريقة الـ Spot Cargo على أنقاض عقد «سوناطراك». والسؤال هنا، هو عمّا إذا كان هذا الاعتماد متوفراً من سلفة 2020 ولتغطية شحنات الـ 6 المذكورة أم لا. وفي حال الإيجاب، لماذا تأخّر فتحه حتى اليوم، وما هو مبرّر تكبيد المال العام غرامات تأخّر تفريغ الشحنات المنتظرة في عرض البحر، واذا لم يكن كذلك فعلى أي أساس قانوني تمّ فتح هذا الاعتماد؟

 

بعد بدعة الموافقات الاستثنائية التي تصدر بكتاب عن الأمين العام لمجلس الوزراء، يبلّغ بموجبه، على سبيل المثال، عن موافقة «القصرين» على طلب وزير الطاقة التمديد لعقود اليد العاملة المخالفة للقانون، بحجة انتهاء العقد وحاجة المناقصة الجديدة لوقت، وتحت ضغط الخطر على الاستثمار ووقف المرفق العام، وفيما يحتاج توفير «سلفة» المحروقات لقانون، هناك تساؤل آخر وهو، هل أنّ تدخلّاً أحرج وزير المالية لتوقيع فتح الاعتماد، وهل يمكن أن تُغني كلمة «رئيس» عن قانون، ووفق أي مادة من الدستور؟ وعلى أمل أن لا يندرج توقيع فتح الاعتماد هو أيضاً في نطاق التدبير الاستثنائي لمواجهة العتمة، يبقى السؤال الأهم: من أية أموال سوف يدفع مصرف لبنان ثمن المحروقات الآتية، وعلى حساب من، بعد نفاد احتياطيه من العملات والاتجاه نحو رفع الدعم، وعلى أساس أي سعر صرف، فيما يتجاوز الهدر 40% من الطاقة المنتجة والدولة تعيش حالة «تخبّط» غير مسبوق؟!

 

سلفات الخزينة للكهرباء مخالفة للقانون ولا حاجة لانتظار تدقيق ديوان المحاسبة

إنّ سلف الخزينة التي تُعطى لمؤسسة كهرباء لبنان لتسديد ثمن المحروقات هي مخالفة لقانون المحاسبة العمومية، وبالتحديد لأحكام المادتين 203 و204 منه، بحيث تُعرّف هذه السلفات على أنّها إمدادات تُعطى من «موجودات الخزينة» لتغذية صناديق المؤسسات العامة، وليس هناك في الأصل موجودات فائضة لدى الخزينة لإعطاء سلفات خزينة منها للمحروقات وبآلاف المليارات.

 

وهي تشترط لإعطاء هذه السلف تأكّد وزير المالية من قدرة المؤسسة المستلفة على السداد، وليس هناك أي شك بعدم قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على تسديد هذه السلفات، التي يرتبط إعطاؤها بالتزام الجهة المستلفة بلحظ الاعتمادات اللازمة في موازنتها التالية لتسديد هذه السلفات، ولا يمكن ان نتوقع التزام كهرباء لبنان بهذا الشرط، في الوقت الذي لا تكتفي فيه بتغطية عجز المحروقات، وإنما تطالب، إضافة إليه، بتسديد عجز موازناتها من كافة مصادره.

 

لا تقف مخالفة سلف الخزينة للكهرباء هنا. وهي إنما هي تصل إلى حدّ اعتبار قيمة السلفة متحرّكة تتغيّر مع تغيّر أسعار النفط عالمياً، فتتمدّد مع ارتفاع الأسعار حسب نظرية الوزير أبي خليل الفقهية، باعتبار أنّها أُعطيت لضمان إنتاج 1800 ميغاواط وتأمين 16 ساعة تغذية، وكذلك تصل إلى عدم تحديد أجل محدّد لتسديدها، بحيث يختلط مفهوم الإعارة بقصد الاسترداد بنيّة الإنفاق النهائي على حساب الموازنة العامة. وقد وصلت مخالفة هذه السلفات إلى عدم الالتزام بالسقف المحدّد لها في تلك القوانين ولا بآلية تسديدها، فهي في الأصل بدعة وينطوي إعطاؤها على أكثر من خدعة. وبموجب المادة 13 من قانون موازنة 2017، استمر الانحراف وغض النظر عن فداحة المخالفات المرتكبة في هذا الإطار، فاعتبرت هذه المادة «الاعتمادات» الملحوظة لمؤسسة كهرباء لبنان والبالغة 2100 مليار ليرة، بمثابة سقف المبالغ الممكن تحويلها من الخزينة بموجب «سلفات خزينة» وتسجيلها ديناً عليها. فكيف تفتح اعتمادات في قانون الموازنة لتمويل سلف خزينة يفترض استردادها، فيما الاعتمادات تلحظ وتخصّص للنفقات؟ هذا فضلاً عن أنّ السلفة «الطويلة الأجل»، تتعارض مع موجب تحديد مدة السلفة مسبقاً بأجل مسمّى، يتمّ تعيينه بسنة واحدة أو أكثر، بما يتناسب مع المدة المتوقعة لتوفّر تدفقات مالية مستقبلية تمكّن المؤسسة من تسديدها، وبالتالي فإنّ إعطاء سلفة الخزينة لأجل غير مسمّى يعزز الشك بإعطائها بنية عدم استردادها. أما في الحسابات فإنك تجد سلفة خزينة كهرباء لبنان، «معلّقة» بعد قطع حساب موازنة الدولة للعام 2017، على سبيل المثال، وخارج حسابات الذمم المدينة المتوجبة للخزينة بنهاية تلك السنة، فهل تكفي هذه الأسباب لوقف الغش والخداع؟!.

 

عجز الكهرباء لعنة تلاحق أموال المودعين

كانت سلفات الخزينة للمحروقات تُعطى ليستقر عبؤها الفعلي على حساب خزينة الدولة. أما اليوم، وبعد إفلاس الخزينة وعجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها وعدم صدور قانون موازنة 2021، وفي غياب أي سند قانوني، يبرّر إعطاء سلفة خزينة جديدة لتمويل محروقات كهرباء لبنان، فهل أنّ هناك مصادر خفية لدى مصرف لبنان لتغطيتها، أم أنّها يمكن أن تُعطى على نيّة وحساب ما تبقّى من أموال المودعين؟ وهل يجوز إعطاء المزيد من السلفات لإضاءة الأبراج والقصور وتغطية السرقات واستمداد النازحين على حساب الخزينة المفلسة دون رفع التعرفة وقبل تفعيل الرقابة وتحسين الجباية؟

 

ما نخشاه اليوم هو أن تكون هناك نيّة لاستكمال المجزرة التي أدّت إلى انهيار مالية الدولة وإفلاس الخزينة، والإجهاز على ما تبقّى من أموال المودعين، ليستمر النهج والنهب والهدر وتحقيق المنافع!

theme::common.loader_icon