كورونا "taxi" نحو طب المستقبل؟
كورونا "taxi" نحو طب المستقبل؟
ماريانا معضاد
Thursday, 21-Jan-2021 06:19

جرّاء انتشار وباء فيروسي، يتوصّل اليوم المواطنون في أنحاء العالم إلى معلومات تبدو بديهية منذ أعوام لكل أخصائيي مجال الطب والصحة، أبرزها عدم تخطي دقة الفحوصات الكاشفة للأمراض والفيروسات وغيرها في غالب الأحيان الـ70 %، ما يعني أنّه في 30 % من الحالات، تكون النتائج خاطئة.

علّمنا انتشار فيروس كوفيد-19 كثيراً من الدروس، سنتناول أبرزها في المقالة، آملين أن تحفظ البشرية هذه الدروس وتطبقها، لتُحَسِّن أداءها في الحرب ضد الوباء الحالي، وفي مواجهة الأوبئة الآتية في المستقبل.

 

في حديث لـ«الجمهورية» أعطانا الأستاذ حميد السبعلي، الخبير في التكنولوجيا البيولوجية في مؤسسة «برايزن» لرصد وتشخيص الأوبئة، فكرة عن أهم الدروس التي لقّنها فيروس كورونا للعالم، قائلاً إنّ كوفيد سيسرّع الكثير من التغييرات، لأنّه فضح العيوب في مجال الطب والصحة العامة:

 

- التشخيص الطبي غير متكامل وغير دقيق، وبما أنّ التشخيص أساس أي علاج وأي سياسة صحية، فمن المنطقي أن يتجه العالم نحو تقنيات تشخيص أكثر دقة وحساسية.

 

- الكادرات الصحية معرضة للإصابة بالأمراض والأوبئة. لذلك، هناك حاجة لحمايتها بشكل أفضل.

 

- يصعب التوصّل إلى دواء يعالج الفيروسات، بسبب تغيّر الفيروس الدائم وتحوّره، ما يجعلنا نتعامل بشكل أساسي مع مضاعفاته. لذلك على العالم أن يصبّ تمويله على إنتاج أدوية مضادة للفيروسات مبنية على مبدأ استهداف عائلات الفيروسات ولا سلالة معينة، بشكل قد يسمح لنا معالجة الفيروس المتحور.

 

- اللقاح حل بديل: في حال عدم وجود دواء، نذهب عندها إلى إنتاج اللقاحات. ولكن المشكلة في اللقاح هي أنّ إنتاجه يستغرق الكثير من الوقت. في حالة كوفيد-19 مثلاً، خرجنا، وبتمويلٍ هائل ومئات مراكز الأبحاث، بلقاحٍ بعد عام، وأمامنا عام آخر من الانتظار لإتمام برنامج التلقيح. إذاً، لا نستطيع أن ننتظر وباء آخر أكثر فتكاً لنصنع لقاحاً له بعد وفاة مئات الملايين ربما.

 

لذلك، التشخيص والأدوية المضادة لعائلات الفيروسات هي الأسلحة الأقوى والأهم في حربنا ضد الأوبئة».

 

اللقاحات وتحورات الفيروس

فيروس كورونا اليوم تحت مراقبة شديدة لرصد الطفرات. فبحسب الخبير حميد السبعلي، أكثر الفحوصات التي تُجرى في مراكز الأبحاث هي فحوصات التسلسل الجيني لدراسة الطفرات. يقول السبعلي: «حتى وإن طَمأننا العلماء الى أنّ اللقاحات ما زالت تتفاعل مع الفيروس بطفراته الجديدة، فذلك لا يعني أنّ الفعالية ما زالت على حالها. ولا يمكن إجراء دراسات لتبيان الفعالية ضد الطفرات الجديدة، لأنّ الأمر يحتاج إلى دراسة ميدانية وإلى الوقت. لذا، تظل الطفرات مصدر قلق كبير».

 

ويضيف: «إنّ اللقاح مُصنَّع للتعرف الى عدة أجزاء من الفيروس، فإذا تغيّر جزء يبقى اللقاح فعّالاً بالتعرّف الى الأجزاء الأخرى. ولكن تكمن الخطورة في ظهور سلالة جديدة لا تتعرف عليها الأجسام المضادة التي نتجت عن تلقّي اللقاح أو الإصابة بالفيروس. أما الحساسية من لقاحات الكوفيد، فتطال شخصاً على 100 ألف، وهي نسبة أقل من نسبة الحساسية على لقاح الأنفلونزا... وتسبب مادة polyethylene glycolن الموجودة في الكثير من الأدوية ومواد التجميل والشامبو، هذه الحساسية».

 

مواجهة الأوبئة المستقبلية

لمواجهة الأوبئة الآتية لا محال، نحن بحاجة إلى جبهة عالمية موحدة، وإلى تطوير مفهومنا للإدراة الصحية، من خلال اعتماد حلول واسترتيجيات عالمية شاملة على مستوى الحكومات.

 

ويشير السبعلي إلى أنّ «دور الأطباء هو في المرحلة الأخيرة، أي عندما يصل الفيروس إلى المريض. هم كالمغاوير في الجيش، يثقل الحمل عليهم في المعركة. أمّا الباقون، فيقتصر دورهم على تأمين أدوات الحرب، من تقنيات تشخيص وأدوية ولقاحات...». وتابع: «إنّ الوباء يشبه الحريق. لذا، من المهم إعداد «فريق إطفاء» يكون حاضراً في بداية ظهور الفيروس من حيث انطلاقه، ما يسمح بالقضاء عليه قبل أن يتوسع انتشاره. هنا تكمن أهمية المختبرات المتنقلة الموجودة في أفريقيا مثلاً، التي تتعرف الى الأمراض والفيروسات بدقة، حتى وسط الأدغال».

 

نظرة إلى المستشفى المستقبلي

طرح الخبير حميد السبعلي الحالة التالية: «في حال ظهرت عوارض غريبة على أحد سكان منطقة نائية في بلد معين، لا يجب أخذه إلى المستشفى، إذ قد يكون المرض معدياً. يجب في هذه الحالة استعمال المكننة التقنية، فيأتي المستشفى إلى المريض ليفحصه ومَن حوله... هكذا نمنع الانتشار. ما يعني أنّ مفهوم الطبابة كله يجب أن يتغير.

 

أما في مجال الصحة العامة، فيجب التوجه إلى تقنيات منزلية سريعة، زهيدة الثمن، وعالية الحساسية. وخلال سنتين تقريباً، ستصبح هذه التقنية متوفرة لإجراء فحص دم كامل، مثلها مثل فحص السكري المنزلي. هذا ما يُعرَف بالتشخيص الطبي الشخصي، أي Personal medicine diagnostic. فبواسطة قطرة دم واحد، سنتمكن من إجراء مئات الفحوصات لكشف مئات الفيروسات والبكتيريا الخطيرة من راحة منزلنا».

 

ويبشّر الخبير بفحص PCR منزلي دقيق 100 % لكشف فيروس كوفيد-19، تظهر نتيجته في غضون 5 دقائق، من المفترض أن يصدر بعد 8 أشهر. ويقول: «الطريقة الوحيدة للتخلص من كوفيد-19 ومن قناع الوجه هي فحص جميع السكان، فاللقاح لن يمحي الفيروس، بل سيبطئه، ولكنه لن يخلصنا من قناع الوجه، نظراً إلى احتمال إصابة الشخص المُلّقَّح مرة أخرى».

 

وختمَ:»يبدأ الوباء بمريض واحد، وينتهي بمريض واحد. لذا التشخيص الدقيق الشامل وعزل المصابين أفضل وأسرع خطة للقضاء على الوباء».

theme::common.loader_icon