«السلفية»... ما هي؟
«السلفية»... ما هي؟
د. سعود المولى
جريدة الجمهورية
Thursday, 21-Feb-2013 00:12
نسبةً إلى السلف، فهي دعوة إلى الاقتداء بالسلف الصالح، أي أهل القرون الأولى من عمر الأمّة الإسلامية ترجمة للحديث المشهور عن الرسول (ص): «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» ... والسلف في لغة العرب معناه ما مضى وتقدّم، من سَلَف يسلف بضمّ اللام. وفي القرآن الكريم يأتي معنى السلف في معنى واحد وهو السبق والتقدّم في الزمن.
بداية استخدام المصطلح لعلّها كانت عرضاً خلال المجادلات الكلامية التي دارت بين الحنابلة والمالكية من جهة والمعتزلة من جهة أخرى، في مسألة خلق القرآن والقول بنفي الصفات عن الذات الإلهية ومسألة القضاء والقدر في أفعال الإنسان.. وذلك في القرن الثالث للهجرة.

والحال أنّ الإمام أحمد بن حنبل هو أوّل من استخدم كلمة سلف حين دافع عن موقفه بعدم خلق القرآن قائلاً: "رُويَ عن غير واحد من سلفنا أنّهم كانوا يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق.. وهو الذي أذهب إليه".

واستخدمها شيخ الإسلام أحمد بن تيمية في القرن السابع/الثامن للهجرة حين وضع "علماء المسلمين من السلف" في مقابل الفلاسفة وعلماء الكلام... ثمّ استعادها الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب في القرن الثاني عشر للهجرة (الثامن عشر ميلادي) حين وصف مذهبه بأنّه "مذهب السلف الصالح" في مواجهة مذهب الأحناف والطرق الصوفية المعتمدة في الدولة العثمانية.

وما يسمّى بالسلفية عموماً هو اتجاه "أهل الحديث" في مقابل "أهل العقل والرأي" في مسألة فهم النص القرآني والحديث بعد وفاة الرسول (ص) حيث يرى السلفيون أنّ صحابة الرسول (السلف الصالح) هم أولى الناس بتأويل النص وتفسيره وأنّ علينا الرجوع إليهم في ذلك.

ويُقابل هذا الاتجاه عند الشيعة الإمامية: "الإخباريّون" الذين قالوا بأخذ الحديث عن أئمة أهل البيت وبأنّ الحديث المأخوذ عن الأئمة يكفي لمواجهة كلّ أمور الدنيا والدين. وقد واجهوا الاتجاه المعروف "بالأصولي" (نسبة إلى علم أصول الفقه) ورفضوا الاجتهاد كما رفضوا المرجعية والتقليد وقالوا لا نأخذ إلّا بالأخبار الواردة عن الأئمة في تأويل النصوص وشرح الأمور.

وإذا كان أحمد بن حنبل (780-855) وتقي الدين بن تيمية (1263-1328) هما أبرز أعلام المذهب السلفي، فإنّ ابن قيم الجوزية (تلميذ ابن تيمية: 1292-1349م) ومن بعده ابن كثير الدمشقي الذهبي (1301-1373) ثمّ ابن قدامة (1146- 1223، وقد خالف الحنابلة في أمور، لذلك يأتي في آخر من أخذ عنه السلفيّون) هم رؤوس الحنابلة التي اعتمدت السلفية الجهادية المعاصرة على كتبهم في صياغة أفكارها ومعتقداتها، وصولاً إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر للهجرة، وقد أرسوا جميعاً دعائم السلفية وقواعدها.

وبحسب الشيخ السلفي زهير الشاويش فإنّ "السلفية لم يكن لها أصل من هذه التسمية إلّا بعد زمن طويل من عصر الدعوة التي حمل رايتها وأرسى قواعدها جميعاً محمد رسول الله وصحبه الكرام، وقد كانوا يوصفون بأنّهم "السلف الصالح".

وتسمية "السلفية" لا بدّ لها من سلف يسبقها تنتهي إليه، وهي تكون خلفاً لسلف. وكان هذا السلف من تابعي التابعين. وقد تبع كلّ السلفيين وغيرهم من المذاهب من كلّ الفرق بعضاً من التابعين، حتى أصبح الفقه، بل والعقيدة، وحتى الأخلاق، أنواعاً كثيرة جداً.

وفي بعضها اختلاف ظاهر من اتباع الأثر، أو التمسك بالنص والدليل، أو الجنوح إلى الرأي وقولة "نحن رجال وهم رجال".. وبعضهم اقتصر على ما دلّتهم عليه عقولهم... والسلفية طريقة في المعتقد والفقه، مفادها الرجوع إلى ما كان عليه الجيل الأوّل -السلف الصالح- في العقيدة والعبادة والأخلاق والسلوك، كما في باقي المذاهب أنها ترجع إلى من انتسبت إليه.

والسلفية تنكر التأويل اللفظي والباطني على السواء. وهي تعتمد على الصحيح الواضح من الكتاب والسنّة والوقوف عند اتفاق الصحابة وما تتابع بعد ذلك بعمل وفهم التابعين من القرون الثلاثة التي شهد لها سيّدنا محمد بالخيرية. وتتابعت بعد ذلك بأقوال أهل العلم والمعتقد والحديث والدعوة".

وقد تركّزت أقوال هؤلاء العلماء عند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل أيّام الخليفة المأمون العباسي بدءاً من فتنة خلق القرآن وما تبع ذلك من اضطهاد وحبس ونفي وضرب وقتل تعرّض له الحنابلة والشافعية حتى انتصرت في عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله. ومضى الزمن والخلاف بين الأخذ والردّ حتى ظهر إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي (1703-1791).

إذ ذاك نشأت معارضة شديدة لهم من قبل العثمانيّين الأتراك وحاكم مصر محمد علي باشا وأولاده... ولكنّ ذلك لم يمنع من تمتّعهم بانتشارات كبرى في الشام: العلّامة جمال الدين القاسمي (1866-1914) والشيخ طاهر الجزائري (1852-1920) وتلامذته ومنهم الشيخ عبد القادر بدران (1863-1928) والشيخ محمد سعيد الباني أمين الفتوى في دمشق (ت 1932)، والشيخ محب الدين الخطيب (1886-1969) وابن أخته الشيخ علي الطنطاوي (1909-1999) والشيخ عبد الرحمن الباني (1917- 2011)، وآل البيطار وآخرهم الشيخ محمد بهجة البيطار (1894-1976) وغيرهم من علماء دمشق، وبعضهم انتقل من الصوفية الى السلفية، ومعظمهم شارك مع مصطفى السباعي وعصام العطار في تأسيس الإخوان المسلمين في سوريا ولبنان.
theme::common.loader_icon