قد تكون صدفة، وقد يكون تدبيراً جمالياً مقصوداً أن تسبق ذكرى ميلادها، عيداً وطنياً. ربّما لتُكمل المشهد فيما لو شعر اللبنانيون أنّ استقلالهم ناقص! ربّما...
هي السُكَّر الذي يُحلّي قهوتنا الصباحية، وهي السُكْر الذي نتجرّعهُ كأساً من الكمال في ليالينا، وهي الماء الذي يروي عطشنا الموسيقي في نهاراتنا.
اليوم تطفئ فيروزتنا شمعة جديدة على قالبٍ من قلوب في عامٍ مَرّ ثقيلاً على وطننا وعالمنا، إلّا أنه استثنى يوماً واحداً من مآسيه فتكرّمَ علينا بصورة جميلة في ذلك اليوم من أيلول، فابتهجت أفئدتنا وتكرّمت فرنسا...
إذا كنّا نستمع لفيروز، لمن تستمع هي؟ في هذه اللحظة هنالك مشتاقٌ يسمع لها، وحزين وعاشق، ومناضل...المُهم أنّ كلّاً منهم يسمع لفيروزتِه الخاصة، فهي غَنّت كل شعر، ولكل شعور، وخلقت مشاعر جديدة.
أجاب أنسي الحاج يوماً في معرض سؤالهِ عنها أنّ الجمال قادر على أن يُخلّص العالم، فهل يُنقذ صوت فيروز ما تبقّى من حضارةٍ تندثر هنا؟ لنصغِ لعذوبته لرُبما تتحقق مسرحية «المحطة» (للأخوين الرحباني) على أرض لبنان، فنخترع أملاً ومشروعاً، ونعمل على جعلِه واقعاً فتعود الجمهورية اللبنانية محطّة للعِلم والعالم.
أين فيروز اليوم؟ فيروز تعيش مع ابنتها ومع بنات أفكارنا. ريما لا تُريد أن تَرِث بل تسعى للحفاظ على إرثٍ من أطماعٍ ومحاولات تشويه وإخفاء، تريد إزالة غبار النسيان عن أرشيفٍ لتخليده...
ونحن من واجبنا حفظ الحلم الذي انطلق من ميناء عاصي ومنصور على متن سفينة الفيروز، ليستمر بالوصول إلى أصقاع الأرض وأطراف السماء.
صحيحٌ أنّ كلّاً منّا يتوق للقائها من جديد، لكننا نقِف بخشوع أمام صمتها المدوّي، فالنبيذ كلما «عتِق» طاب تَذوّقه...
للفيروزيين ولكل العالم الجميل، كلّ فيروز وأنتم بخير.