إنّ اضطراب التعلّق التفاعلي المعروف بـReactive attachment disorder, RAD، هو حالة نفسية غير شائعة وغير معروفة كثيراً. ويتّسِم بعدم قدرة الطفل على تكوين علاقات سليمة مع الوالدين، بسبب الإهمال العاطفي والجسدي. ويمكن أن تتطوّر هذه الحالة وتصبح مرضية حيث لا يستطيع الطفل أن يتفاعل مع أيّ شخص آخر أو يمكن أن يطلب الطفل الانتباه المفرط من والديه. وتظهر إحدى الحالتين إذا لم يتم تلبية احتياجاته الأساسية كالرعاية والمحبة. والجدير بالذكر أنّ اضطراب التعلق التفاعلي يؤثر تأثيراً مباشراً على نمو الطفل النفسي وعلى علاقاته المستقبلية، ويعني ذلك أنه يمكن أن يعاني طوال أيام حياته من هذا الإضطراب. لذا، فإنّ المعالجة النفسية والمتابعة لا غنى عنهما.
ما هو اضطراب التعلق التفاعلي؟
هو حالة نفسية سببها وبشكل بسيط تراكمات عاشها الإنسان منذ طفولته ومنها سوء المعاملة، والحساسية العاطفية المفرطة، والعدوانية الجسدية واللفظية وطبعاً الإهمال العاطفي... واعتبرت منظمة الصحة العالمية أنّ هناك حوالى 2 % من سكان العالم يعانون هذه الحالة. ومن هذه النسبة، 50 % حتى 80 % هم من الأطفال. وتظهر عوارض هذا الاضطراب في فترة الطفولة المبكرة، وترافق الطفل إذا لم يُعالَج.
أمّا الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية (DSM 5)، التابع للجمعية الأميركية للأطباء النفسيين، فيعتبر أنّ لهذا الإضطراب المعايير التالية التي لا يمكن تشخيصها قبل 9 أشهر، وغالباً ما تظهر العلامات قبل عمر الخمس سنوات:
أولاً، وجود نمط ثابت من السلوك المنطوي عاطفياً تجاه مقدمي الرعاية.
ثانياً، وجود مشكلات عاطفية واجتماعية مستمرة تشمل الاستجابة النادرة للآخرين أو عدم إظهار استجابة إيجابية للتفاعلات مع القائمين على رعايته.
ثالثاً، عدم تلبية القائمين على رعاية الطفل احتياجاته العاطفية.
رابعاً، ألّا يكون قد تم تشخيص إصابته باضطراب طيف التوحّد.
... والأسباب؟
يمكن أن يكون هناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى اضطراب التعلق التفاعلي، ولكن هناك نقاط مشتركة يمكن أن نجدها عند الكثير من الأطفال الذين يعانون هذا الإضطراب:
- طفولة في بيئة غير مستقرة عاطفياً، حيث لم يشعر الطفل بالأمان والرعاية.
- عدم تلبية احتياجات الطفل المضطرب بشكل مستمر، خاصة الاحتياجات العاطفية ثم الاحتياجات الحياتية من مأكل ومشرب وملبس.
- عدم التواصل البصري والتواصل الجسدي مع الطفل. فيشعر هذا الأخير أنه غير محبوب.
- تجاهل الطفل بشكل دائم من الأهل، خاصة في العائلات المفككة.
- الآباء والامهات الذين عانوا أيضاً من التبلّد العاطفي، سينقلونه أيضاً الى أطفالهم ولن يعرفوا كيفية الإعتناء بهم. لذا، يمكن أن يُحدث الدعم النفسي فرقاً كبيراً في الحياة الأسرية.
- المشكلات الخطيرة في العائلة، كالسلوكيات الإجرامية والإدمان... كلها تزيد من احتمال الطفل باضطراب التعلق التفاعلي.
ما هي عوارض هذا الإضطراب؟
هناك عوارض واضحة يمكن أن تؤكد للأهل، وخاصة للأخصائي النفسي، أنّ الطفل يعاني اضطراب التعلق التفاعلي، وهي:
- الشعور بالحزن والفتور العاطفي تجاه الأشخاص الذين يحيطون بالطفل، وعدم القدرة على التعبير عن الفرح مع صعوبة في الابتسام.
- الانسحاب الاجتماعي وعدم القدرة على تكوين الأصدقاء في المدرسة أو حتى في الحي الذي يقطنه.
- الخوف الدائم (القلق) الذي يمكن أن يتحوّل إلى قلق مفرط أو حركة مفرطة غير مبررة.
- غياب السلوكيات التي عادة نجدها عند الأطفال (كطلب اللعب والتفاعل).
- انعدام التفاعل الاجتماعي مع أي شخص من المجتمع (الأب / الأم / الإخوة / الأخوات / المعلمة في الصف / الأخصائي النفسي / ...).
- كما يُلاحظ بعض التصرفات المناقضة: الإخفاق في طلب المساعدة أو الدعم من أشخاص (يمكن أن لا يعرفهم) بالرغم من عدم القدرة على التواصل مع الآخرين. ويمكن أن يشعر الطفل بتعلق كبير بهؤلاء الاشخاص بالرغم من أنهم غرباء عنه.
دور الاهل؟
إنّ الطفل الذي عانى هذا الإضطراب في عمر المراهقة المبكرة ولاحقاً خلال المراهقة حتى عمر الرشد، ستظهر عليه سِمات العدوانية والسلوكيات اللاإجتماعية وقسوة تجاه الأصدقاء أو الأشخاص الذي يعرفهم وصولاً إلى العدوانية تجاه الحيوانات، وربما تعذيبهم وقتلهم.
يجب أن يتوجّه الأهل عند الأخصائي النفسي للحصول على تقييم نفسي إذا ظهرت بعض من هذه العوارض التي ذُكرت. لكنّ الذي يجب معرفته هو أنه من الممكن أن تظهر العلامات عند أطفال لا يعانون اضطراب التعلّق التفاعلي ولكن من اضطراب آخر، مثلاً قلق التَرك أو الانفصال. لذا، إنّ دور الأخصائي النفسي هو تحديد الحالة التي يمر بها الطفل بشكل دقيق.
كما أنّ للأهل دوراً آخر وهو التثقيف حول موضوع الرعاية والإهتمام بالأطفال والعناية بهم، وتلبية احتياجاتهم النفسية والجسدية بقدر الإمكان. ولا يجب أن ننسى أنّ العاطفة لا غنى عنها، فالطفل يمكن أن يعيش في بيت متواضع وأن يلبس ثياباً ليست جديدة... لكنه لا يستطيع أن يعيش باتّزان من دون عاطفة.