بيروت: تلوث بعد تلوث.. فموت بطيء
بيروت: تلوث بعد تلوث.. فموت بطيء
ماريانا معضاد
Saturday, 19-Sep-2020 06:19

«منذ عام 2004، تُظهر لنا مستشعرات تلوث الهواء في بيروت أنّ الأرقام تتخطى تلك المقبولة بحسب منظمة الصحة العالمية، ولكن، لا تِنْدَه، ما حدا سامع». فوضى في البناء، أزمة نفايات، عدم مسؤولية، فساد ومكبات، أسطول سيارات هائل... فانفجار، ثم حريق... فهل تَبَقّى من هذه الجنة «قطعة» غير ملوّثة؟

في 10 أيلول 2020، وبعد حوالى شهر من كارثة 4 آب، اندلع حريق في مرفأ بيروت. طمأننا الخبراء أنّ التلوث الناتج عن انفجار 4 آب زال مفعوله، وأنّه تمت السيطرة على الحريق، فلم يودِ بحياة أحد - مباشرةً. ولكنّ الانبعاثات التي نتجت عنهما أُضيفَت إلى تلوث المدينة المخيف أصلاً، الذي يقتلنا ببطء يوماً بعد يوم.

 

في الواقع، وصفت جيهان سعود، مديرة برنامج البيئة والطاقة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمكتب لبنان، تأثير التفجير بأنه مصدر قلق كبير، لا سيّما أنّ البيئة في بيروت كانت أصلاً في «حالة يُرثى لها» قبل الكارثة.

 

وقالت سعود إنّ تدمير مرفأ بيروت خلق ما يصل إلى 800 ألف طن من مخلّفات البناء والهدم في المدينة، ومن المرجّح أن يحتوي على مواد كيميائية خطيرة، بالنظر إلى أنواع المواد المعروفة بتخزينها هناك عادة، مثل مبيدات الآفات والمنتجات الصيدلانية، والمواد الكيميائية الصناعية ورصاص السيارات وأنواع مختلفة من المعادن الثقيلة.

 

وأضافت السيّدة سعود أنه رغم تراجع تلوث الهواء حالياً، إلّا أنّ التلوث الكيميائي للجسيمات التي نثرها الانفجار قد ينتقل في الجو مرة أخرى مما قد يشكّل خطراً جديداً على الصحة العامة.

 

في حديث لـ»الجمهورية»، قال د. وهبه فرح، مدير مختبر قياس نوعية الهواء في كلية العلوم في جامعة القديس يوسف في بيروت وأستاذ باحث حائز دكتوراه في علم الفيزياء في فرنسا حول كيفية إنشاء مستشعر لقياس الملوثات في الهواء ونوعيته: «إنّنا في لبنان نقيس نوعية الهواء، ونخبر المسؤولين وصانعي القرارات وأصحاب المصالح أنّ الهواء ملوث، ولا أحد يعطي الموضوع أية أهمية».

 

آثار تلوث الهواء

تظهَر آثار تلوث الهواء على المدى الطويل، عبر ازدياد نسبة الأمراض السرطانية، وانخفاض متوسط العمر المتوقع وغيرها. لذا، لا يهتم الناس كثيراً لهذا النوع من التلوث، لأنّ آثاره ليست فورية.

لهذا السبب، يعمل المعنيون في الصحة العامة والبيئة، بحسب د. وهبه، على التبيان للسلطات الرسمية «مدى ارتفاع الفاتورة الصحية جرّاء تلوث الهواء، وذلك نتيجة الأمراض الناتجة عن التلوث، مثل السرطان وأمراض القلب والربو. لذا، نجري حالياً دراسات حول تأثير تلوث الهواء على الصحة. فقد أظهرت البيانات أنه كلما زاد التلوث كلما ارتفعت نسبة الاستشفاء، لا سيما للمرضى دون الـ15 عاماً، وفوق 65 عاماً، ومرضى الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، كما الحبالى».

 

من الهواء... إلى جوف الأرض

وفقاً لد. وهبه، سكّان بيروت ليسوا الوحيدين الذين يتعرّضون للتلوث على مدار السنة، بل سكّان المناطق المجاورة أيضاً، ولكن بنسَب أقل». وأشارَ فرح إلى أنّه «خلال فصل الصيف، تتفاعل مادة الـNO2 الملوثة، وتنتج مادة الأوزون. هذه المادة مفيدة في المناطق العالية، إذ إنها تحمينا من الأشعة البنفسجية. ولكن على مستوى البحر، هي ملوثة وخطيرة، فتسبب حرقة في العينين، وأمراضاً سرطانية، علماً أنّ مادة الأوزون «مسافرة» ماهرة».

وأضاف: «بعد الانفجار، نقل الهواء جزء من الملوثات، فيما هبط الباقي إلى الأرض والتربة جرّاء المطر، وتحول من تلوث في الهواء إلى تلوث في المياه الجوفية والبحر». إذاً، ستجد هذه الملوثات طريقها إلى أجسامنا وصحتنا من جديد.

 

حريق 10 أيلول

كانت آثار حادثة 10 أيلول مماثلة لآثار الانفجار، ولكن كمن الفرق في المواد التي احترقت. فأنتجَ حرق الدواليب ملوثات مثل الديوكسين، والـHAP. وتماماً كما حدث عند وقوع الانفجار، تبعثرت غازات الحريق، ومع المطر، تغلغل بعضها في المياه الجوفية.

أمّا المواد التي لوّثت البحر، فإنّ تيار المياه قوي لذا يستطيع البحر تنظيف نفسه من الملوّثات أسرع من الهواء. ولذلك أوضح د. وهبه أنه «وبحسب تحاليل أجريت في السابق، أكثرية السمك غير ملوث».

 

ما الحل؟

ختم د. وهبه فرح كلامه قائلاً: «أفضل خطوة يمكن أن نطبقها هي التوعية في المنزل والمدرسة - محاربة الجهل أولاً، ثم عدم مُحاباة المسؤولية والفساد، علماً أنّ معظم المسؤولين في الدولة، ومعظم صانعي القرارات لا يساعدون في تحسين وضع التلوث في لبنان»، إذاً، الأمر بيدنا والتوعية واجبنا.

theme::common.loader_icon