مانشيت: تمسُّك شيعي بـ»المال».. وسياسي بتسمية الــوزراء.. وبري عن العقوبات: أخطأتم العنوان
مانشيت: تمسُّك شيعي بـ»المال».. وسياسي بتسمية الــوزراء.. وبري عن العقوبات: أخطأتم العنوان
Thursday, 10-Sep-2020 06:09

بعد عشرة أيام من مهلة الأسبوعين التي حدّدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتشكيل الحكومة، الأمر الوحيد الذي يمكن القول إنّه قد بات شبه محسوم، هو التوجّه نحو حكومة غير موسّعة تقع في المنطقة الوسطية بين رغبة الرئيس المكلّف مصطفى أديب، الذي يميل بقوة الى تشكيل حكومة مصغّرة من 14 وزيراً، ورغبة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يميل الى حكومة موسّعة.

في هذا الوقت ساد المشهد الداخلي حال ترقب لارتدادات العقوبات الأميركيّة على الوزيرين السابقين النائب علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، مع ما قد يستتبعها من جرعات مماثلة في الايام المقبلة بحق حلفاء «حزب الله»، على ما أعلنت الخزانة الاميركية، وسط تساؤلات عن مغزاها في هذا التوقيت بالذات، وما إذا كانت ستترتب عليها تداعيات على المبادرة الفرنسية، وبالتالي على مسار تشكيل الحكومة.

 

بري والعقوبات

 

 

واذا كانت هذه العقوبات قد طالت النائب خليل، الّا انّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري يقرأ فيها رسالة شديدة السلبيّة موجّهة له شخصياً عبر استهدافها لمعاونه السياسي، وعبّر عن ذلك في بيان لهيئة رئاسة حركة «امل» الذي اجتمعت بشكل طارئ برئاسته، حيث اكّد «انّ الرسالة وصلت، وانتم مخطئون في العنوان، وفي الزمان، وفي المكان».

واعتبر البيان، أنّ «فرمان» وزارة الخزانة الاميركية، جاء في توقيت كان فيه اللبنانيون بغالبية قواهم السياسية والبرلمانية قاب قوسين أو أدنى من الوصول الى حكومة جامعة، يُعوّل عليها ان تعمل على اخراج لبنان من أزماته، فهل هذا القرار للقول لنا انّ الذي يدفعنا هو «أحرف الجر»، مخطئ من يعتقد ذلك».

واكّد البيان، «انّ هذا القرار لن يغيّر من قناعاتنا ومن ثوابتنا الوطنية والقومية على الاطلاق. وانّ استهداف النائب خليل ليس استهدافاً لشخص شغل لفترة زمنية محدّدة موقعاً وزارياً، انما هو في الحقيقة استهداف للبنان ولسيادته وللخط وللتنظيم السياسي الذي ينتمي اليه، خط حركة «أمل»، خط الدفاع عن لبنان وعن وحدته وطناً نهائياً لجميع أبنائه، وعن عروبته وعن حقنا في الدفاع عن ثوابتنا وحقوقنا وحدودنا».

ولفت البيان، الى «أنّ حدودنا وحقوقنا السيادية في البحر والبر نريدها كاملة ولن نتنازل او نساوم عليها، مهما بلغت العقوبات والضغوطات، ومن اي جهة اتت. وكشفاً للحقيقة، انّ اتفاق السير بترسيم الحدود البحرية في الجنوب اللبناني اكتمل مع الولايات المتحدة الاميركية ووافقت عليه بتاريخ 9/7/2020 وحتى الآن ترفض توقيت اعلانه دون أي مبرر».

 

 

 

فرنجية

الى ذلك، اعتبر رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، انّ «القرار الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية بحق الوزير يوسف فنيانوس هو قرار اقتصاص لموقفه وقناعاته وموقعه». وقال فرنجية في بيان: «نحن كمردة لم ولن نخجل يوماً بمواقفنا، بل نفتخر ونجاهر بها، من منطلق إيماننا بأرضنا وسيادتنا وهويتنا. وعليه نعتبر القرار قراراً سياسياً ما يزيدنا تمسّكاً بنهجنا وخطّنا».

في هذه الأثناء، طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبه، اجراء الاتصالات اللازمة مع السفارة الأميركية في بيروت والسفارة اللبنانية في واشنطن، للاطلاع على الظروف التي دفعت وزارة الخزانة الأميركية الى فرض عقوبات على الوزيرين السابقين النائب علي حسن خليل والمحامي يوسف فنيانوس، وذلك كي يبنى على الشيء مقتضاه.

 

 

 

شينكر

في هذا الوقت، قال مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد شينكر: «تدرج الولايات المتحدة اليوم وزيرين لبنانيين سابقين على لائحة العقوبات، وهما يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل، بسبب تقديمهما الدعم المادي لـ»حزب الله». ويجب أن يعرف حلفاء «حزب الله» السياسيين، أنّهم سيخضعون للمساءلة بسبب تمكينهم هؤلاء الإرهابيين وأنشطتهم غير المشروعة بأي شكل من الأشكال. وستستمر العقوبات التي تستهدف «حزب الله» وأنصاره وغيرهم من الجهات الفاعلة الفاسدة، وسنستخدم كافة السلطات المتاحة لمحاسبة المسؤولين اللبنانيين، على عدم الوفاء بالتزاماتهم تجاه الشعب اللبناني».

واشار شينكر في حديث صحافي، الى «اننا سنواصل فرض الضغوط على «حزب الله» وداعميه والجهات الفاعلة الفاسدة الأخرى في الأسابيع والأشهر المقبلة، لأنّهم يعرقلون طموحات الشعب اللبناني بالحصول على فرص اقتصادية وتحقيق المساءلة والشفافية».

وردّا على سؤال قال: «إدراج فنيانوس وخليل ينبغي أن يكون رسالة لمن يتعاونون مع «حزب الله» ومن يمكنونه، وكذلك للقادة السياسيين اللبنانيين الذين تجاهلوا مسؤوليتهم التي تقتضي منهم تلبية احتياجات شعبهم ولم يحاربوا الفساد. ينبغي أن تكون عملية الإدراج هذه رسالة للجميع. لقد حان الوقت لاتباع عملية سياسية مختلفة في لبنان».

 

 

 

المتحدثة الاقليمية

الى ذلك، أكّدت المتحدثة الإقليمية بإسم الخارجية الأميركية جيرالدين غريفيث، أنّ الولايات المتحدة ستواصل فرض العقوبات ومحاسبة «حزب الله»، الذي لا تعتبره حزباً سياسياً.

وقالت غريفيث في حديث مع «سكاي نيوز عربية»: «الولايات المتحدة تسعى الى محاسبة الفاسدين في لبنان على أفعالهم، وتمّ استهداف هذه الشخصيات لأنها تمسّ المناصب الحكومية لصالح «حزب الله»، وهذا شيء غير مقبول، وسنواصل في هذه السياسة من أجل تحقيق مطالب الشعب اللبناني». وأشارت المتحدثة، الى أنّ «الولايات المتحدة تعمل على جميع الأصعدة لممارسة الضغط على الفاسدين في لبنان، وهذه العقوبات هي جزء واحد من هذه السياسة».

اضافت: «يهمّنا تشكيل حكومة في لبنان قادرة على الاستجابة لمطالب الشعب اللبناني».

 

 

 

«المهلة الماكرونية»

حكومياً، اذا كان الفصل الأول من عملية التأليف، والذي تبدّى بشبه الحسم لحجم الحكومة، قد استلزم تجاوزه عشرة ايام، فإنّ الأيام الأربعة المتبقية من «المهلة الماكرونية»، قد لا تبدو كافية لاتمام الفصل الثاني من عملية التأليف، وهو الأصعب، لاتصاله بشكل الحكومة سياسية ام اختصاصية، وبحجم التمثيل فيها، ونوعية هذا التمثيل، وكذلك نوعية الحقائب الوزارية وكيفية توزيعها، سواء اكانت الوزارات السيادية او التي تُعتبر اساسية او خدماتية.

 

 

 

لقاء مريح

بحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ الواضح من حركة المشاورات بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، انّ مساحة التوافق بينهما كبيرة على شكل الحكومة، وبالتالي لن يشكّل هذا الامر نقطة خلاف بينهما، وهو ما أكّدته اجواء اللقاء بينهما بعد ظهر امس الأول.

واكّدت مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية»، انّ اللقاء كان مريحاً بشكل عام، وأنّ الرئيس المكلّف لم يعرض امام رئيس الجمهورية أيّ تشكيلة وزارية، كما انّهما لم يدخلا في استعراض أيّ أسماء مقترحة للتوزير، على ان يكون اللقاء المرتقب بينهما قبل نهاية الأسبوع الجاري، مخصّصاً للبحث في الاسماء وكيفية توزيع الحقائب، بالإستناد الى مسودة وزارية سيعدّها الرئيس المكلّف، بناء على حركة مشاورات يفترض ان يجريها قبل اللقاء الثالث بينه وبين رئيس الجمهورية، مع الاطراف السياسية.

 

 

 

مشاورات غير علنية

وبحسب تأكيدات مصادر معنية بحركة التأليف لـ»الجمهورية»، فإنّ الايام القليلة الماضية شهدت مشاورات غير علنية بين الرئيس المكلّف وبعض الاطراف التي سمّته لتشكيل الحكومة، من دون أن تشمل «التيار الوطني الحر» بعد، وهو أمر قد يحصل في حركة المشاورات التي ستسبق اللقاء بين الرئيسين عون واديب، الّا اذا كان المستجد المتعلق بالعقوبات الاميركية الجديدة، سيفرض جدول عمل مختلفاً على المشهد الداخلي. حيث كان من المرتقب عقدُ لقاء بين أديب والثنائي الشيعي، من دون أن تستبعد حصول لقاء بين الرئيس المكلّف والرئيس بري. وكذلك لقاء مع تيار «المردة»، ومع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط او من يمثله، مع الاشارة هنا الى انّ الرئيس بري يرغب في ان يكون جنبلاط شريكاً في الحكومة، وقد عبّر عن ذلك خلال لقائه قبل يومين مع النائب وائل ابو فاعور.

إلاّ أنّ المصادر عينها، تستبعد في الوقت ذاته، التواصل مع قوى المعارضة، التي حسمت موقفها سلفاً بعدم تسمية اديب لرئاسة الحكومة، والتي أخرجت نفسها من هذه الحكومة بإعلانها عن عدم مشاركتها فيها كـ»القوات اللبنانية».

 

 

 

إلامَ خلصت المشاورات؟

في هذا الوقت، كشفت مصادر مطلعة على اجواء المشاورات غير العلنية التي جرت في الايام القليلة الماضية، انّها افضت الى الخلاصات الآتية:

اولاً، انّ حجم الحكومة لا يشكّل نقطة خلاف بين اديب وسائر الاطراف، إذ لا توجد أيّ مشكلة لدى هذه الاطراف، وخصوصاً لدى الثنائي الشيعي، أيًّا كان حجم الحكومة.

ثانياً، انّ شكل الحكومة، وإنْ كان الرئيس المكلّف قد حدّد مواصفاتها كحكومة اختصاصيين بالكامل، لم يصل الى مرحلة البت النهائي وحسم السير بمثل هذه الحكومة. وعكست المشاورات، انّ هذا الأمر يتطلب مزيداً من النقاش بين اديب وبين الاطراف التي سمّته، وما زالت تصرّ على حكومة تكنوسياسية، وترفض تكرار تجربة حكومة حسان دياب بتركيبتها التكنوقراطية التي اثبتت فشلها. اي انّ هذه الاطراف لا تريد تكرار الفشل مرة ثانية.

 

 

 

المالية: استنفار شيعي

ثالثاً، لم تحسم المشاورات طرح المداورة في الوزارات السياديّة الأربع؛ الماليّة، والخارجيّة، والدفاع، والداخلية، حيث ما زالت في دائرة التجاذب حولها. ونقطة الخلاف الجوهرية تتبدّى في انّ لدى الرئيس المكلّف ميلاً جديًّا لإخراج وزارة المالية من يد الطرف الشيعي، على ان تُسند اليه حقيبة سيادية بديلة. يقابله رفض قاطع ونهائي من قبل الطرف الشيعي، ليس فقط التخلّي عن وزارة المالية، بل مفاتحته بموضوع التخلّي عنها باعتبارها خارج اي بحث.

وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ الطرف الشيعي يعتبر انّ حقيبة المالية «مثل الرئاسات»، وجرى التأكيد عليها في الطائف بأنّها من حصة الشيعة». وان هناك ما يشبه الاستنفار الشيعي الكامل سياسياً وعلى مستوى الطائفة، رفضاً لانتزاع حقيبة المالية من حصتهم.

وتشير المعلومات الى «أنّ رأياً داعماً لموقف الطرف الشيعي، جرى طرحه على هامش هذه المشاورات، ويفيد بأنّ وزارة المالية قد تكون هي الأنسب لتسند الى الشيعة من سائر الحقائب السيادية، اذ لا تستطيع ان تسند اليهم وزارة الداخلية بالنظر الى تركيبتها من أولها الى آخرها، وكذلك الى منظومتها الأمنية الاساسية التي يغلب عليها الطابع السني كما انه لا توجد سابقة بأن تولّى وزير شيعي وزارة الداخلية، أقلّه بعد الطائف. وكذلك الامر بالنسبة الى وزارة الخارجية، حيث قد تتعالى أصوات في الداخل والخارج تقول إنّ الثنائي الشيعي، أيّ حركة «أمل» و»حزب الله»، هما الناطق الرسمي باسم لبنان، وهما المتحكّمان بالبعثات الديبلوماسية اللبنانية خارج لبنان، ويديرانها في الاتجاه الذي يريدانه. والأمر نفسه ينطبق على وزارة الدفاع، فرئيس الجمهورية اوّلاً قد يرغب ببقائها من حصته، وثانياً إنّ جَعلها من حصة الشيعة، وأيّاً كانت الشخصية التي ستتولاها، يؤدي الى أن تتعالى أيضاً أصوات من الداخل والخارج بأنّ الثنائي الشيعي يسعيان الى إعادة تكريس المعادلة الثلاثية: الجيش والشعب والمقاومة. وفي الخلاصة إنّ الحل الانسب هو إبقاء الماليّة من ضمن الحصة الشيعية، على ان تسند الى شخصية بحجم هذه الوزارة، لها باعها في المجال المالي والاقتصادي، ولها وزنها في موازاة التحديات المقبلة، والتي ليس أقلها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية على اختلافها.

 

 

 

توزيع الحقائب

رابعاً، لقد أكدت المشاورات الجارية داخل الغرف المغلقة انّ توزيع الحقائب الوزارية، وخصوصاً الوزارات الاساسية والخدماتية، دونه تعقيدات تتطلب مشاورات مكثفة مع كل الاطراف لبلوغ نقطة الحسم والتفاهم حول هذا التوزيع. مع الاشارة الى انّ اطرافاً سياسية وجّهت، خلال التشاور معها، نصائح في اتجاه الرئيس المكلف، بضرورة مقاربة هذا التوزيع بموضوعية وبصورة تراعي حجم كلّ طرف، وليس ان يتمّ ذلك بصورة انتقائية تُظهر أنّ «طرفاً بسمنة وطرفاً بزيت».

 

 

 

أيّ مداورة؟

خامساً، حتى الآن ما زال الالتباس يحيط مسألة المداورة التي يصرّ عليها الرئيس المكلّف. والسؤال الذي طرح خلال هذه المشاورات: مداورة على أي اساس، وبين مَن ومن، وأي وزارات ستشمل؟

ودُعِّم هذا السؤال بالآتي: إذا كان المقصود بهذه المداورة، مداورة كلية شاملة كل الوزارات، فهي تسقط اولاً عند الوزارات السيادية، كون الطرف الشيعي ما زال رافضاً حتى البحث بتخلّيه عن وزارة المالية.

واذا كان المقصود مداورة جزئية تشمل الوزارات الاساسية والخدماتية فقط، فإنّ السؤال هو: هل هي مداورة بين الطوائف؟ فإذا كان هذا هو القصد، فالمداورة هذه كانت حاصلة في هذا المجال، وجرى اعتمادها في كل الحكومات السابقة، حيث لم تكن وزارة مقيّدة لطائفة بعينها؛ فعلى سبيل المثال وزارة الاشغال تناوَب عليها دروز وشيعة وموارنة، والصحة تَناوب عليها شيعة ودروز، الإتصالات تناوب عليها موارنة وكاثوليك وسنة، العدل تناوب عليها كاثوليك وسنّة وموارنة، التربية تناوب عليها سنة ودروز وسنة، الصناعة تناوب عليها دروز وشيعة، الزراعة تناوب عليها دروز وشيعة، وزارة العمل تناوب عليها شيعة ودروز وارثوذكس وموارنة وسنة، والطاقة تناوب عليها موارنة وأرمن.

واذا كان القصد من المداورة المطلوبة، هو المداورة بين القوى السياسية، فإنّ هذه القوى كانت تتداور على تَولّي هذه الوزارات. ما خَلا وزارة الطاقة حصراً التي ارتبطت منذ سنوات بـ»التيار الوطني الحر» حيث توالى عليها جبران باسيل، ارثور نظريان، الان طابوريان، ندى البستاني وريمون غجر. ثم انّ طلب المداورة لا يصح مع التوجّه إلى حكومة اختصاصيين لا سياسيين. الّا اذا كانت حكومة الاختصاصيين المحكي عنها هي حكومة اختصاصيين في الشكل، وسياسية في المضمون. وانّ المداورة المطلوبة ما هي سوى عنوان مقنّع لانتزاع وزارة الطاقة من يد التيار، علماً انّ التيار بات على يقين انها ليست من حصّته، لا عبر شخصيات مباشرة من التيار، ولا عبر شخصيات يسمّيها. مع الاشارة هنا الى انّ التيار بات يفضل ألّا يكون معنيّاً بوزارة الطاقة بعدما جرى تفريغها من مضمونها ربطاً بمضمون المبادرة الفرنسية.

 

 

 

من يسمّي الوزراء؟

سادساً، انّ العقدة الاساس التي ما زالت تعترض مسار التأليف حتى الآن، وقد يؤدي عدم الوصول الى حلّها، الى الاطاحة بمهلة الاسبوعين المحددة لتشكيل الحكومة خلالها، هي: «من يسمّي الوزراء؟». فالرئيس المكلّف عَبّر صراحة أنه المعنيّ حصراً بتسمية الوزراء متسلحاً بما يعتبرها صلاحياته الدستورية التي تمنحه هذا الحق.

ولكن في المقابل، فإنّ القوى السياسية التي سمّته لرئاسة الحكومة لا تتفق معه في هذا الامر، كالثنائي الشيعي و»التيار الوطني الحر» وتيار «المردة». فهذه القوى اكدت انها تُجادل في تمسّك الرئيس المكلف بممارسة صلاحياته، ولكن ليس ان يمارس صلاحياته، ويصادر صلاحيات الآخرين وحقّهم في تسمية من يمثلهم في الحكومة، بأنْ يسمّي لهم ممثليهم في الحكومة، لأنه بذلك يخلق سابقة وعرفاً جديداً بأن يختار الرئيس المكلف الوزراء بمعزل عن القوى التمثيلية في طوائفهم.

 

ثابتتان

وما تؤكد عليه هذه القوى هو ثابتتان:

الاولى، هي انّ من حقّها وحدها أن تسمّي من يمثلها في الحكومة، ولا تقبل بغير ذلك، واذا كان ثمة من يعتبر انّ المبادرة الفرنسية تمنح الرئيس المكلف هذا الحق، فهذا امر خاطىء، فضلاً عن انّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قال صراحة للأطراف السياسيين الذين التقاهم في قصر الصنوبر: إذهبوا وتفاهموا على حكومة، ولم يقل اذهبوا وشكّلوا حكومة واتركوا لغيركم أن يختار عنكم وزارءكم.

الثانية، هي أنّ اي طرف لا يستطيع ان يسمّي وحده وزارءه ووزراء كل الاطراف الاخرى، علماً انّ هذا الطرف، والمقصود هنا الرئيس المكلف، مسمّى أصلاً من قبل طرف سياسي، أي الرؤساء السابقون للحكومات، وتحديداً من قبل الرئيس سعد الحريري. وهؤلاء الرؤساء جميعهم مدركون بأنّ مصادرة التسمية لم يسبق ان حصلت في كل الحكومات السابقة، وباستحالة ان يسمّي الرئيس المكلف وزراء الاطراف المشاركة معه في حكومته. بل انّ الرئيس المكلف كان هو من يسمّي الوزراء السنّة من دون ان يتدخل احد معه، وأما سائر الأطراف فهي التي تسمّي وزراءها.

على انّ نقطة الاختلاف الجوهرية مع هذه القوى، هي انّ الرئيس المكلف مرتبط بالطرف الذي تبنّى طرحه لتكليفه في الاستشارات الملزمة، أي رئيس تيار المستقبل، وهو على تنسيق كامل ومتواصل معه. وبالتالي، فإنّ منحه حق التسمية، معناه منح هذا الحق الى الطرف السياسي المرتبط به، أي الى تيار المستقبل، بأن يتجاوز القوى التمثيلية كلّها في مجلس النواب، ويسمّي وحده كلّ الوزراء، وهذا ليس مقبولاً على الإطلاق لدى سائر الاطراف، علماً انّ الرئيس الحريري كان قد سبق له أن طرح بعد استقالة حكومته بعد انتفاضة 17 تشرين الاول 2019، تشكيل حكومة اختصاصيين يختار وزراءها، ويمنح صلاحيات استثنائية للحكم من دون تدخلات على ما قال، ضمن سلة الشروط التي وضعها آنذاك، ولم يمنح هذا الحق.

 

 

 

نصيحة

سابعاً، ثمة نصيحة أسديت خلال المشاورات لفريق التأليف بضرورة عدم إشعار أي طرف بأنه مستهدف. صحيح انّ كل الاطراف، ومن دون استثناء مأزومون، والمبادرة الفرنسية جعلت الكل محشورين بمواعيدها وخريطة الطريق التي رسمتها للخروج من الأزمة، إلّا أنّ ما يُخشى منه مع هذه «الحشرة الشاملة للجميع»، هو أن يحاول طرف ما الاستثمار على المبادرة الفرنسيّة ويحاول توظيفها بما يخدم مصلحته، والدخول من الاعتقاد بأنّ هذه المبادرة تضغط بثقلها على كل الاطراف وتحشرهم جميعهم في الزاوية، لكي يسعى الى تحقيق مكاسب سياسية او الى الإقدام على خطوات انتقامية من بعض الاطراف. فهذا الأمر نتيجته الحتمية الفشل، وسقوط الفرصة الاخيرة التي تشكلها المبادرة الفرنسية.

 

 

 

عدم المشاركة

السؤال هنا، ماذا لو بقي الرئيس المكلّف مصرّاً على تسمية الوزراء؟

المسألة، كما يقول مطلعون على تفاصيل مواقف الاطراف المعنية بملف التأليف، دقيقة جداً، فالرئيس المكلف مصرّ على موقفه حتى هذه اللحظة لناحية تسمية الوزراء، وهو مؤيّد من فريقه السياسي الذي يدفع في هذا الاتجاه. لكنّ الواضح في المقابل هو انّ القوى السياسية الاخرى رافضة خَلق أعراف جديدة تتجاوز التركيبة والتوازنات الداخلية، وليست في وارد أن تلغي نفسها بالقبول بأن يتم تجاوزها وتجاوز تمثيلها ويُفرض عليها من يمثلها في الحكومة. فالخيار بالنسبة اليها، بين أن تسمّي هي من يمثّلها وبين أن يُسمّى لها ممثلوها، سهل جداً وهو الذهاب الى أبعد مدى، أي عدم المشاركة في الحكومة.

 

theme::common.loader_icon