مانشيت "الجمهورية": عقوبات أميركية تحت جنح التأليف.. والحكومة أكثر من 14 وزيراً وأقلّ من 24
مانشيت "الجمهورية": عقوبات أميركية تحت جنح التأليف.. والحكومة أكثر من 14 وزيراً وأقلّ من 24
جريدة الجمهورية
Wednesday, 09-Sep-2020 06:22

خطف الأضواء مساء امس بدء الولايات المتحدة الاميركية تنفيذ عقوبات على شخصيات سياسية حليفة لـ«حزب الله» كانت قد لَوّحت بها مراراً منذ العام الماضي، في الوقت الذي تسير عملية تأليف الحكومة بتؤدة قد لا تتيح إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري خلال ما تبقّى من هذا الاسبوع، وهو المتبقي من مهلة الاسبوعين التي حددها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للتأليف الحكومي في إطار مباردته لحل الازمة اللبنانية، قبل الشروع في الخطوات اللاحقة، ومنها البدء بتنفيذ الاجندة الاصلاحية، وعقد المؤتمر الدولي لدعم لبنان المقرر منتصف الشهر المقبل في باريس.

 

وقد شملت العقوبات الاميركية التي فرضتها وزارة الخزانة الاميركية، وزير المال السابق علي حسن خليل ووزير الاشغال السابق يوسف فنيانوس، حيث اتهمتهما بـ»التعاون» مع «حزب الله» الذي تصنفه «منظمة إرهابية» و»الضلوع في عمليات فساد»، مشيرة إلى أنها «ستعاقب كل سياسي لبناني يساعد «حزب الله».

لا يزال الرئيس المكلّف مصطفى أديب ضمن المهلة المحددة فرنسيّاً بـ15 يوماً، وبمعزل عمّا إذا كانت هذه المهلة هي مهلة حَضّ أم إلزامية، فإنه لا مبرر أساساً حتى في الأوقات العادية لأن يستغرق تأليف الحكومة أكثر من أسبوعين، فكيف بالحري بعد الانهيار الحاصل الذي يستدعي تأليف الحكومة في غضون أيام لا أسابيع. فالمبادرة الفرنسية، في رأي مصادر معنية، هي فرصة للبنان من أجل الخروج من أزمته وعلى المسؤولين التقاطها سريعاً، لأنه خلاف ذلك سينزلق البلد إلى المجهول، والوقت ليس للمحاصصات ومواقع النفوذ والفراغ الطويل وعَض الأصابع والكباش السياسي، خصوصاً انّ هذا الفراغ بالذات أثّر ويؤثر على الوضع المالي، إنما الوقت هو للانقاذ الذي وضعت باريس خريطة طريقه يبدأ بتأليف سريع ولا ينتهي ببرنامج وزاري إصلاحي واضح المعالم.

 

ومن الواضح انّ الرئيس المكلف يعمل بصمت وجهد بعيداً عن الضوضاء من أجل تشكيل الحكومة التي تجسّد متطلبات المرحلة مالياً واقتصادياً ومعيشياً، وكل ما يسرّب يدخل في باب التكهنات والضغوط عليه وجَس نبضه بغية دفعه للخروج عن صمته، ولكنه ما زال صامداً ويجري معظم مشاوراته بعيداً عن الأضواء.

 

وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ «كل من يعتقد انه بالشروط التي يضعها على الرئيس المكلف يستطيع تحسين شروط مشاركته في السلطة، هو يعيش في كوكب آخر، لأنّ هذا النمط من الحكومات مرفوض دولياً والدليل الحكومة المستقيلة، وأي محاولة لإعادة إنتاج النسخة نفسها سيكون مصيرها الفشل ذاته، فيما يجب الخروج من التفكير المعلّب باتجاه نمط جديد واستثنائي تماشياً مع المرحلة الاستثنائية».

 

ولاحظت هذه المصادر انّ «وضع أديب يختلف عن وضع الرئيس حسان دياب، فهو مدعوم بمبادرة فرنسية وخط ساخن مفتوح مع الرئيس الفرنسي ينقل إليه من يضع العصي في دواليب حركته التأليفية. وبالتالي، الطرف المُعرقِل سيظهر أمام ماكرون على حقيقته، وان ّوعوده بالتسهيل لم تكن في محلها، ما يعني انه سيدخل في مشكلة مع الرئيس الفرنسي وليس فقط مع أديب. ولا يبدو انّ باريس في وارد التساهل مع المعرقلين، وليست في وارد الفشل في مبادرتها اللبنانية، وبالتالي يتكئ أديب على قوة دفع وكاسحة ألغام قادرة على تعبيد طريق التأليف بما يتوافق مع شروط المرحلة لبنانياً ودولياً، ويفسح في المجال أمام لبنان بتحقيق الإصلاحات المطلوبة تمهيداً لفتح باب المساعدات بما يعيد تدريجاً الاستقرار المطلوب». واشارت الى انّ الشعب اللبناني لن يتسامح مع كل من يمكن ان يفوِّت عليه فرصة الإنقاذ الفرنسية، وهنا بالذات تكمن قوة أديب الذي يتسلح بالعصا الفرنسية من جهة، والعصا الشعبية من جهة أخرى. وبالتالي، فإنه لن يتردد في وضع المعرقلين أمام خيار واضح المعالم: بتِمشو بشروط البلد والأزمة أو بمشي؟».

 

وبحسب مصدر سياسي مطلع انّ مرحلة التشكيل الفعلي قد بدأت أمس، إذ انقضى اسبوع من مهلة الـ 15 يوماً التي التزمت فيها الاطراف السياسية امام الرئيس الفرنسي لولادة الحكومة، وبَدا أنّ المدة التي استُهلِكت منها كانت للـ«تِحماية»، على حد قول المصدر، الذي اكد انّ شيئاً لم يحصل بعد، وانّ الجميع ينتظر الرئيس المكلف المُقِل بالكلام ليس فقط في الاعلام إنما ايضاً مع من يجب ان يبحث معهم في التشكيل...

 

وفي هذه الاجواء زار أديب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا عند الرابعة عصر أمس، وأطلعه على نتائج المشاورات التي يجريها لتشكيل الحكومة. وبعد اللقاء، اكتفى أديب بالقول: «نحن في مرحلة التشاور مع فخامة الرئيس، وإن شاء الله كل الخير». لكنه، وعند خروجه من القصر الجمهوري، نُقِل عنه قوله انّ التسريبات التي تتحدث عن تشكيلات حكومية لا اساس لها من الصحة، داعياً الى عدم التوقف عندها. واضاف: «كل ما تسمعونه من اسماء وارقام لا صحة لها».

 

روايتان

 

وتنازعت زيارة اديب لعون روايتان، الاولى أفادت بأنه لم يحمل معه الى بعبدا اي تشكيلة او مسودة او حتى تصور، لكنّ اجواء لقائه مع رئيس الجمهورية كانت جيدة لجهة التفاهم على نقاط اساسية ودخل البحث في تفاصيل التشكيل إنما من دون الحسم، وقد وعد اديب ان يعود الى بعبدا قبل «الويك إند» لاطلاع عون على مسودة حكومية كاملة من حيث الشكل والحجم وتوزيع الحقائب والاسماء، ليُصار الى التشاور حولها وجَوجلتها مع رئيس الجمهورية، بحسب ما ينص عليه الدستور، وقد اخذ مبدأ المداورة في الحقائب السيادية والاساسية الحَيّز الاكبر من البحث، وما اذا كانت وزارة المال تدخل في هذه المداورة ام تبقى خارجها كون الثنائي الشيعي يعتبرها من المسلّمات الميثاقية غير القابلة للتفاوض.

 

وقد طلب اديب طرح هذا الامر مع جميع الافرقاء للاتفاق على معايير موحّدة تسري على الجميع، امّا عدد الوزراء فسيحسم خلال الساعات المقبلة مع مَيل الى رَفعه الى أكثر من 14 وزيراً وخفضه الى اقل من 24، بحيث توكَل الحقائب السيادية والاساسية التي سيكون لها دور مباشر في تنفيذ الاجندة الاصلاحية الى وزير فقط، امّا بعض الحقائب التي يعتبر دورها ثانوياً في هذه الفترة فيمكن ان تدمج مع حقيبة اخرى وتسند الى الوزير نفسه. كذلك تطرق البحث الى التوزيع الطائفي داخل التشكيلة الوزارية مع تجنّب إلحاق غبن بطائفة معينة. واكد اديب لعون انه سيجري خلال الساعات القليلة المقبلة جولة مشاورات واتصالات ولقاءات مع الكتل الاساسية، لوضع تصور اولي للتشكيلة الوزارية العتيدة.

 

اما الرواية الثانية فأفادت بأنّ اوساط قصر بعبدا والرئيس المكلف تلاقت ليلاً على التأكيد انّ اللقاء بينهما «كان ايجابياً وظهر الارتياح على وجهَيهما، وانّ التفاهم قائم على حماية ما هو مطروح للنقاش في الكواليس قدر الامكان، بدليل انّ اتصالات الرئيس المكلف ما زالت تجري في الخفاء على قاعدة انه التقى وتحدث الى كل ما يريد ان يلتقي ويتحدث معه، من دون الإشارة الى اي أسماء. وتم الاتفاق على انّ لقاء آخر سيعقد خلال الـ 48 ساعة المقبلة للدخول في الأسماء والمزيد من التفاصيل».

 

من جهة اخرى لفتت اوساط الرئيس المكلف، عبر «الجمهورية»، الى انه ما زال يطالب بـ»حكومة صغيرة» وإن لم تنجح تركيبة الـ 14 وزيراً فالعشرينية هي الحد الأقصى، وقد تكون ابغض الحلال. وانّ العودة الى تركيبات ثلاثينية ليس أوانها، فالرئيس المكلف ليس مستعداً لتحَمّل تَبعات مثل هذه التركيبة الفضفاضة التي لا تحتاجها البلاد، وإذا كان الفريق صغيراً يتحقق مزيد من التضامن والتعاون، كما بالنسبة الى الفاعلية على اكثر من مستوى».

 

وتلاقت مصادر بعبدا مع هذه الأجواء عندما قالت لـ«الجمهورية» انّ عون «ليس مصرّاً على تشكيلة واسعة. ولكنه في الوقت عينه نصح الرئيس المكلف وتمنى عليه مواصلة الاتصالات والمشاورات التي يجريها ليبني عليها النتائج التي تقود الى الصيغة الملائمة». واكدت «ان القرار موجود لدى الطرفين بالتفاهم والتعاون على مواجهة المرحلة المقبلة قياساً على اهميتها وخطورتها، فالبلد لا يتحمل المناكفات وانّ التوصّل الى فريق عمل حكومي متضامن هو سلاح مهم لا يجب ان يستخف به أحد».

 

وفي جانب من اللقاء تناول البحث المهمات التي تنتظر الحكومة، فهي في معظمها باتت مرسومة بدقة نتيجة التطورات الناجمة عن تفجير المرفأ، والحاجة الى معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي وترميم علاقات لبنان مع الخارج، خصوصاً مع الدول المانحة عبر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي يجب ان تكون اولوية لاستعادة الثقة الداخلية والاقليمية والدولية. فالجميع يعرف ما هي النقاط التي يجب مقاربتها لإحياء واستعادة هذا الحوار في أسرع وقت ممكن، من النقطة التي تم التوصّل اليها من قبل، مع الإصرار على حسم الموقف الرسمي من مقتضياته لجهة توحيد أرقام الخسائر في القطاع المصرفي واقرار قانون «الكابيتال كونترول» والاصلاحات الاولية المطلوبة، والتي باتت على كل جداول اعمال القوى الداخلية والخارجية، وتحديداً بعدما تحدثت عنها المبادرة الفرنسية التي جمعت النقاط المشتركة التي توافر حولها إجماع داخلي ودولي في آن، وبالحد الأدنى الذي يضمن الانطلاق بآلية عمل جديدة غير تقليدية.

 

عقوبات أميركية

 

في غضون ذلك فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على وزير الاشغال والنقل السابق يوسف فنيانوس ووزير المال السابق علي حسن خليل «لتعاونهما مع «حزب الله» وضلوعهما في عمليات فساد». وأكدت أنها «ستعاقب كل سياسي لبناني يساعد «حزب الله»، ولن تتردد في معاقبة أي فرد او كيان يدعم أنشطة «حزب الله» الارهابية والمحظورة».

 

وأضافت انّ خليل وفنيانوس «تآمرا مع «حزب الله» على حساب الشعب اللبناني، وأن بعض السياسيين اللبنانيين استخدموا ابواباً خلفية لعقد صفقات مع «حزب الله» لمنافع شخصية على حساب الشعب اللبناني».

 

وكشفت الخزانة الأميركية أنّ فنيانوس «ساعد «الحزب» للوصول الى معلومات قانونية حسّاسة متعلقة بعمل المحكمة الدولية، وتلقى مئات آلاف الدولارت من الحزب لقاء خدمات سياسية. وهو حرص من خلال منصبه كوزير للأشغال على تجيير عقود مع الدولة اللبنانية لشركات مرتبطة بـ«حزب الله».

 

وأعلنت الخزانة الاميركية أنه «في عام 2017، وقبل الانتخابات النيابية بقليل، حرصت قيادات «حزب الله» على عقد اتفاق مع الوزير علي حسن خليل الذي تلقّى دعماً من الحزب لحساب نجاحه السياسي»، مشيرة إلى أنّ خليل «كان واحداً من المسؤولين الذين استخدمهم «حزب الله» لتحقيق مكاسب مالية». وقالت انه «استخدم منصبه كوزير للمالية لتجنيب مؤسسات مرتبطة بـ»حزب الله» دفع ضرائب على بضائع إلكترونية مستوردة، وجزء من الاموال أُعطيَت كدعم للحزب. كما عمل حسن خليل على تحويل اموال بطريقة يتجنّب خلالها العقوبات الاميركية لحساب مؤسسات تابعة لـ«حزب الله».

 

بومبيو

 

وعلّق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، على قرار وزارة الخزانة الأميركية في حق خليل وفنيانوس، فكتب في تغريدة عبر «تويتر»: «نقف الى جانب مطالبة اللبنانيين بالإصلاح، وسنعزز المساءلة لأيّ شخص يسهل أجندة «حزب الله» الإرهابية». وأضاف: «واشنطن تقوم اليوم بفرض عقوبات على وزيرين لبنانيين سابقين فاسدين، أساءا استخدام مناصبهما لتقديم دعم مادي لـ«حزب الله».

 

التعميم 154 يهتز

 

على الصعيد المصرفي، وبعد لغط في شأن موقف المصارف من التعميم الرقم 154 الذي أصدره مصرف لبنان، تبيّن من خلال كتاب رسمي رفعته جمعية المصارف الى الحاكم رياض سلامة، وجود ثغرات ومواد وتعابير غامضة في التعميم تحول دون تنفيذه.

 

ومن خلال الملاحظات الكثيرة والمتشعبة التي أوردتها المصارف، يتبيّن انّ مضمون التعميم غير متماسك ويصعب تنفيذه، من دون المجازفة بوقوع أضرار قد تفوق بكثير الايجابيات التي يستهدف التعميم تحقيقها.

 

وتراوحت الملاحظات بين ضرورة توضيح تعابير مبهمة تحتمل الالتباس والخطأ، وصولاً الى مواد قد تؤدي الى رفع دعاوى على المصارف، والى «زَعزعة ما تبقى من ثقة لدى العملاء في القطاع المصرفي، إذ يُلزمهم بإعادة أموال قاموا بتحويلها في شكل مطابق لاحكام القوانين المرعية الاجراء، عن طريق ممارسة اكثر حقوقهم بداهة وهو حق التصرّف في اطار نظام اقتصادي حر، ويأتي القرار بإلزامهم بإعادتها».

 

وقالت مصادر متابعة لـ«الجمهورية» انّ «الهواجس التي وردت في كتاب جمعية المصارف «هي هواجس مبررة، وينبغي أن تؤخذ في الحسبان، لأنّ مراكمة الاخطاء تزيد في عمق الأزمة بدلاً من حَلحلتها».

theme::common.loader_icon