"التشريع والاستشارات" تستحضر Egmont لمحاصرة "هيئة التحقيق"
"التشريع والاستشارات" تستحضر Egmont لمحاصرة "هيئة التحقيق"
مرلين وهبة
Saturday, 27-Jun-2020 06:35

تدور منذ فترة غير قصيرة وبعيداً من الاضواء معركة قاسية لاطلاق التحقيق المالي مع مصرف لبنان المركزي، والذي أعلنت الحكومة عزمها على تنفيذه، عبر التعاقد مع شركات عالمية متخصصة بهذا النوع من التحقيقات هي Kroll، Oliver Wyman وKPMG .

تؤكّد مصادر مطّلعة أنّ مهمة التحقيق ستستغرق نحو 4 اشهر، وسيكون من شأنها بيان حقيقة الهندسات المالية التي انتهجها المصرف وطريقة ادارته لاحتياطي العملات الأجنبية لديه. وإنّ مسوّدات العقود التي من المفترض ان يوقّعها وزير المال مع الشركات الثلاث لا تزال سريّة، ولكنّ استشارتين صادرتين عن هيئة التشريع والاستشارات (برئاسة القاضي جويل فواز وعضوية القاضي محمد فواز) ألقتا الضوء على أمور من شأنها الدلالة الى نيّة لإحباط التحقيق.

 

في 4/6/2020 طلبت وزيرة العدل ماري كلود نجم من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل ابداء رأيها في مسوّدات العقود المزمع توقيعها مع الشركات الثلاث، وصدرت في اليوم نفسه عن الهيئة استشارة تحمل الرقم 402 /2020 توقّعت فيها أن يصطدم عمل الشركات الثلاث بحاجز قانون السرية المصرفية، الأمر الذي سيجعل هيئة التحقيق الخاصة المرجع الفاصل الذي ستتمّ العودة اليه لتخطّي السرّية المصرفية وإطلاع الشركات على المعلومات الضرورية لإنجاز التحقيق المالي مع مصرف لبنان المركزي.

 

كان لاحتمال تدخّل هيئة التحقيق الخاصة في مجريات التحقيق المالي، أنّ يكون أمراً عادياً، لو لم يسبق لهذه الهيئة أن رفضت في 19/3/2020 تزويد النيابة العامة التمييزية أسماء الاشخاص الذين أجروا تحويلات من حساباتهم في المصارف اللبنانية الى الخارج، بين 17 تشرين الأول 2019 و31 كانون الأول 2019، وذلك بحجّة أنّ هذه المصارف أكّدت عدم وجود أي شبهة في هذه العمليات أو مصدرها وأنّها، أي هيئة التحقيق الخاصة، لا تستطيع الطلب من المصارف تزويدها الأسماء لأنّ ذلك سيفسّر في أنّها تنفّذ قراراً سياسياً ما يضرب استقلاليتها التشغيلية.

 

وتفادياً لتكرار ظاهرة امتناع هيئة التحقيق الخاصة عن التجاوب مع متطلّبات تحقيقات سابقة، اقترحت هيئة التشريع والاستشارات إجراء تعديل على العقد المزمع توقيعه مع شركتي Kroll و Oliver Wyman يتعلّق بإشراكها ومجموعة Egmont في اللجنة المولجة (steering committee) الإشراف على تنفيذ كل من العقدين. فأثارت هذه الاستشارة امتعاضاً شديداً في وزارة المال ومصرف لبنان، إذ تشير مصادر مطّلعة الى أنّ من شأن هذا الطرح أن يضع عمل هيئة التحقيق الخاصة تحت مجهر مجموعة Egmont وهي المجموعة الدولية التي تتألف من وحدات التحقيق المالي في دول العالم، ويشغل لبنان فيها حالياً مركز نائب الرئيس. أمّا مردّ هذا الامتعاض، فتشير هذه المصادر، إلى انّه سبق لمجموعة Egmont أن طردت عدداً من وحدات التحقيق المالي، لعدم تقيّدها بقواعد المجموعة، كان آخرها وحدة التحقيق المالي في نيجيريا.

 

إقترحت الاستشارة «دعوة ممثل عن مجموعة ايغمونت Egmont Group لكي يكون في عداد الـ «steering committee» في اعتبار انّ من المحتمل جداً ان يتقاطع عمل الشركة مع عمل هيئة التحقيق الخاصة وسيكون لمجموعة إيغمونت دور فاصل في النظر بأمر عدم تعاون هيئة التحقيق الخاصة مع طلبات الشركة».

 

وأضافت هيئة التشريع شارحةً، أنّ «من المعلوم انّ هيئة التحقيق الخاصة هي هيئة مستقلة ذات طابع قضائي (الفقرة الاولى من المادة السادسة من القانون الرقم /44/ تاريخ 24/11/2015) وبالتالي فإنّ استقلاليتها المذكورة تحدّ من قدرة السلطات الدستورية اللبنانية على التدخّل في عملها، الامر الذي يمنحها القدرة على ممارسة صلاحيتها في مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب بعيداً من أي تأثير من شأنه ان يعطّل عملها، بيد انّ ممارسة هيئة التحقيق الخاصة عملها، اضافة الى الهيئات الشبيهة لها في بقية الدول تخضع لرقابة مجموعة إيغمونت، والتي يعود لها اتخاذ اجراءات في حق اي هيئة تحقيق تجدها خالفت إحدى القواعد المنصوص عليها في ما يُسمّى وثائق ايغمونت الالزامية (Egmont binding documents)، لذلك سيكون من المفيد وجود ممثل عن مجموعة إيغمونت للإشراف على مدى التزام هيئة التحقيق الخاصة بالقواعد الالزامية التي تنظم عملها». كذلك اقترحت الاستشارة «ذكر «هيئة التشريع والاستشارات» من ضمن ما سمّاه العقد «other parts of the government» في الفقرة الرابعة من الصفحة الرابعة منه، وذلك كي تكون ضمن عداد الـ «Steering committee» على اعتبار انّ الهيئة هي المستشار القضائي المستقل للدولة اللبنانية المولج بها اختصاص شامل غير محدود، بإعطائها الاستشارات القانونية، خصوصاً وانّ من المؤكّد انّه ستعترض عمل الشركة مسائل قانونية يستوجب الفصل فيها».

 

تأكّدت شكوك هيئة التشريع والاستشارات لجهة الدور السلبي الذي من المرجّح ان تلعبه هيئة التحقيق الخاصة في تعطيل عمل الشركات الثلاث، وذلك عند اطّلاعها على التعديلات التي ادخلتها وزارة المال على النسخ الاساسية التي سبق واحالتها اليها وزيرة العدل قبل ايام. وتشير مصادر مطّلعة في وزارة المال، الى أنّ الوزير السابق زياد بارود اطّلع على النسخ الأولية للعقود، واقترح تعديلات عدة عليها، أخذ بها الوزير غازي وزني، الذي بدوره طلب في 10/6/2020 رأي هيئة التشريع والاستشارات بمسوّدات العقود بعد تعديلها.

 

نتيجةً لطلب وزير المال، صدرت عن هيئة التشريع والاستشارات الاستشارة الرقم 433 /2020 تاريخ 11/6/2020 التي شدّدت فيها على اقتراحات التعديل التي سبق واعطتها لوزيرة العدل، لجهة إشراكها ومجموعة Egmont في آلية تنفيذ العقود. والملفت في هذه الاستشارة، اجراء هيئة التشريع والاستشارات مقارنة بين النِسخ الأولية للعقود والنِسخ المعدّلة لها، إذ أنّها أشارت الى إضافة فقرة كاملة الى العقد المتعلّق بشركة kroll تُلزم الشركة باحترام القوانين اللبنانية. وقد علّقت الهيئة على هذه الاضافة مشيرةً الى «أنّ هذه الاضافة التي اقترحها الجانب اللبناني، بغية تأكيده وجوب احترام القوانين اللبنانية وعلى رأسها قانون السرية المصرفية، سيكون لها التأثير الحاسم في مدى قدرة الشركة على النفاذ الى المعلومات التي تجدها ضرورية لإجراء المهمة الموكلة اليها».

 

وتُضاف الى ذلك، إشارة الهيئة الى تعديل آخر على العقد المزمع توقيعه مع شركة Wyman Oliver علّقت عليه مشيرةً الى انّه أصبح يحق للشركة «الولوج الضروري (necessary access) الى معلومات مصرف لبنان، في حين انّ هذا الولوج كان في النسخة الاولى «ولوجاً غير مقيّد» (unrestricted access). يتبيّن إذاً من التعديلات التي اجرتها وزارة المال على مسوّدات العقود، وجود نيّة لتقييد حرية الشركات في الوصول الى المعلومات المطلوبة من مصرف لبنان، مع وجود احتمال كبير أن يؤدي تطبيق قانون السرية المصرفية الى حصول مواجهة مع هيئة التحقيق الخاصة تكون فيها هذه الأخيرة هي المنتصرة على غرار ما سبق وحصل في ما يتعلّق برفضها العمل على الاستحصال على هوية من أخرج امواله من لبنان خلال الفترة الأولى من الثورة.

 

ويبدو أنّ احتمال التعاقد مع شركة kroll اصبح ضعيفاً بعد تصاعد الحملة في وجه هذه الشركة، على خلفية علاقات مفترضة تجمعها بإسرائيل، وهو الأمر الذي دفع مجلس الوزراء الى طلب رأي مكتب مقاطعة اسرائيل في القاهرة حول طبيعة هذه العلاقة. وهذا الواقع يجعل مصير التحقيق المالي مع مصرف لبنان متوقفاً على اتخاذ القرار السريع بالتعاقد مع شركتيOliver Wyman وkpmg، والأهم من ذلك - وفي حال تمّ توقيع العقدين - على مدى تجاوب هيئة التحقيق الخاصة مع مطالب الشركتين في الحصول على المعلومات الضرورية لإنهاء التحقيق.

 

فهل ستستجيب وزارة المال لتوصيات هيئة التشريع والاستشارات فتشركها ومجموعة Egmont في آلية تنفيذ العقود؟ أم سيتمّ ترك الأمور مرةً أخرى على غاربها في يد هيئة التحقيق الخاصة ليكون في يدها إحباط أو إنجاح التحقيق المالي؟

theme::common.loader_icon