الفيلسوف سلافوي جيجيك: حياتنا لن تعود كما كانت
الفيلسوف سلافوي جيجيك: حياتنا لن تعود كما كانت
Thursday, 09-Apr-2020 08:53

توقّع الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك أن تجلب حال الطوارئ معها حالة استبدادية جديدة. وعبّر عن اعتقاده بأنّ هذه الأزمة ستعطي معنى جديداً للمجتمع، وسينبت منها فكر شيوعي جديد بعيد كل البعد عن تلك الشيوعية التاريخية، وفق ما ذكر في حوار مع صحيفة «لاريبوبليكا» الإيطالية.

 

يعتقد الفيلسوف السلوفيني، أنّ الحاجة للتعاون والتضامن العالمي للتغلّب على الأزمة الصحيّة بمثابة «اكتشاف مُبتذل»، لكنه ثوري في الوقت ذاته، مضيفاً: «نحن نعيد اكتشاف حاجتنا لبعضنا بعضاً، أشخاصاً وشعوباً، ومع ذلك، لطالما كرّرت منظمة الصحة العالمية ذلك مراراً دون جدوى، إذ لم يكن هناك تجاوب حتى داخل الاتحاد الأوروبي».

 

كيف ستغيّر الجائحة حياتنا؟

وتعليقاً على مقولته «إنّي أخشى النوم لأنّ كوابيس عن الواقع الذي ينتظرنا تجتاحني»، قال الفيلسوف، إنّ الواقع قد تغيّر فعلاً، وأضاف: «إننا نرى حكومات محافظة تضع تدابير كان من الممكن أن نطلق عليها «اشتراكية» في وقت ما، ومثال ذلك حكومة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تفرض على القطاع الخاص الصناعي نوعية المنتجات التي ينبغي عليهم تصنيعها، بينما تؤمّم حكومة رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون السكك الحديد موقتاً».

وأفاد جيجيك، بأننا نعيش جميعاً بطريقة لم نتوقعها مطلقاً قبل بضعة أشهر مضت، وتابع: «هناك من الحكومات من تفكّر في الاستفادة من الأزمة الصحيّة لتتمكّن من السيطرة على عالم ما بعد الوباء، وهو أمر محتمل حقاً».

وعبّر في هذا السياق عن عدم إيمانه بأنّ هناك «شمولية جديدة»، لأنّ الحكومات هي التي تشعر بالذعر اليوم، وهي غير قادرة على السيطرة على الوضع.

وفسّر جيجيك فكرته بالقول، إنّ أكبر مخاوفه تتجسّد في انعدام الثقة في المؤسسات، ومن هنا، ينبغي أن نجد طريقة لإعادة بناء تلك الثقة، ربما تفضل نسخة جديدة من «جوليان أسانج» قادرة على كشف النقاب عن الانتهاكات، وبالتأكيد يُظهر الفيروس أنّ الأمر بيد المواطنين لفرض الرقابة على الحكّام المستبدّين وليس العكس، بحسب تعبيره.

 

التطلع إلى المستقبل

وحول قوله إنّه ينبغي على الأشخاص أن يصبحوا سياسيين أكثر، أشار جيجيك إلى أنّ البعض يعتقد أنّ علينا أن نقلق فقط بشأن خلاصنا في خضمّ هذه الأزمة. غير أنّ العكس هو الصحيح، إذ لم تعد هناك لحظة سياسية أكثر من هذه اللحظة.

وعلى الرغم من تحذيرات العلماء، وجدت الحكومات نفسها غير مستعدة. ولكن الآن بعد أن أُجبرنا على مواجهة الأسوأ، اتّضح أنّه لم يعد هناك مكان «لأميركا أولاً» ولمثل هذه الشعارات. وللبقاء على قيد الحياة من الآن فصاعدًا، سيتعيّن على الدول التطلّع إلى المستقبل بشكل مستمر.

علاوة على ذلك، قال جيجيك، إننا بحاجة إلى نظام عالمي جديد للصحة العامة ووكالات دولية قادرة على العمل بإجراءات مُتّفق عليها، كما نحتاج إلى حدّ أدنى مضمون للأجور، مستنكراً أنّ ترامب لا يزال حتى الآن هو من يقرّر هذا الأمر.

وأكّد الفيلسوف أنّ فكرته عن الشيوعية ليست مجرّد حلم مثقّف، معتبراً أنّ انتشار الجائحة سيعطي قوة دفع لتضامن جديد عالمياً ومحلياً، «وسيكون اختبارنا هو في بناء طريقة جديدة للحياة. لكن على الأشخاص أن يستعدّوا فالأمور بأيدينا الآن، لا ينبغي أن ننتظر حتى انتهاء الأزمة».

 

وقت للتأمّل والتفكير

وحول كيفية فعل ذلك في ظل الوضع الراهن، قال الفيلسوفر جيجيك، إنّ جميع القابعين في المنزل لا يقضون الوقت في مشاهدة أفلام غبية، بل يطرحون على أنفسهم أسئلة أساسية عن الحياة العادية، ويستخدم كثيرون هذا الوقت للتأمّل والاختيار.

وقال جيجيك، إنّه على رغم أنّ المواطنين الآن أكثر عزلة، فإنّهم باتوا أكثر اعتمادًا على بعضهم بعضاً، كما يعيشون ضرورة متناقضة تتمثّل في إظهار التضامن من خلال عدم الاقتراب من بعضهم بعضاً. ولم يخف تفاؤله بأن يُحدث هذا السلوك تغييراً عميقاً ويستمرّ حتى بعد انقضاء الأزمة.

وبخصوص ما يمكن تعلّمه من هذه التجربة، يرى الفيلسوف السلوفيني أنّ التكلفة النفسية ستكون باهظة الثمن، كما تخلق العزلة أيضًا أشكالًا جديدة من جنون الارتياب تتجلّى في العديد من نظريات المؤامرة على شبكات التواصل التي لا تتوقف عن تكرار أنّ دولاً مثل الولايات المتحدة والصين هي أصل الفيروس، لذلك ينبغي أن نكون أكثر حذراً.

وسلّط هذا الوضع الضوء أيضاً على الاختلافات الاجتماعية، في إشارة إلى أنانية الأغنياء المنعزلين في مخابئهم أو على اليخوت، فعلى سبيل المثال، نشرت المغنية الأميركية مادونا فيديو من حوض الاستحمام قائلة: «نحن جميعًا في القارب نفسه»، لكن الأمر ليس كذلك، لأنّ الأبطال الجدد هم أناس عاديون، بحسب تعبير جيجيك.

 

نهاية الشعبوية

وفي ما يتعلق بارتباط تدابير غلق الحدود بظهور شكل جديد من أشكال القومية أو خطر ارتداد الشعبوية، أكّد جيجيك أنّ الخطابات الشعبوية قد اختفت، بعد أن أظهر أشخاص - مثل دونالد ترامب ورئيس البرازيل جايير بولسونارو- «تفاهتهم»، من خلال التلميح باستعدادهم للتضحية بالضعفاء.

وتابع: «لم تنجح أوروبا في إلقاء اللوم على الصينيين أو اللاجئين، لأنّ من نقل الفيروس هم السيّاح ورجال الأعمال، حتى تسابُق الأميركيين على شراء الأسلحة بدا ساذجاً، فهم يفكّرون في حماية منازلهم، بينما يصيبهم المرض لأنّهم لا يغسلون أيديهم كما ينبغي».

وأفاد الفيلسوف المثير للجدل، بأننا نعلم جميعا بأنّ الجهود الوطنية ليست كافية، مشدّداً على أنّ التضامن والتعاون العالمي هما السبيل الوحيد العقلاني وحتى الأناني للمضي قدمًا.

theme::common.loader_icon