الحَجر الصحي: لماذا وإلى متى؟
الحَجر الصحي: لماذا وإلى متى؟
Thursday, 09-Apr-2020 07:47

تعبئة عامة، وحَجر صحي، فتباعد اجتماعي، وتمديد بعد تمديد بعد تمديد...

يعرّف أخصائي في علم الأوبئة والصحة البيئية التباعد الاجتماعي بأنّه ترك مسافة آمنة بين شخصين أو أكثر، للحيلولة دون انتشار الفيروس أو الوقاية منه. وأشار تحليل للتدابير الاحترازية، التي اتخذتها دول في جائحات سابقة، إلى أنّ معدلات الوفيات تنخفض في المدن التي تمنع التجمعات وتغلق المسارح والمدارس والكنائس منذ بداية ظهور الإصابات.

 

 

 

 

يواجه العالم اليوم وباء فيروس «كورونا المستجد»، ويبدو أنّ التباعد الاجتماعي الذي لعب دوراً كبيراً في الحدّ من انتشار أوبئة في الماضي، لا يزال يُعدّ واحداً من أفضل الطرق لمكافحة الجوائح. يقول أريندام باسو، الأستاذ المساعد لعلم الأوبئة والصحة البيئية في جامعة كانتربري بنيوزيلندا: «في الوقت الراهن، لم نتوصل إلى لقاح فعّال، ولا نعرف دواء آمناً وفعّالاً يصلح للقضاء على فيروس كورونا المستجد فور ظهور أعراضه. ونراهن الآن على الإجراءات الوقائية للحد من انتشار الفيروس».

 

واتخذت دول عديدة حول العالم تدابير مختلفة للإبطاء من انتشار فيروس كورونا المستجد، مثل منع التجمعات وإغلاق مراكز التجمع، مثل المراكز الترفيهية وإغلاق المدارس وفرض الحَجر الصحي، لإجبار الناس على البقاء في منازلهم، وكلها تدخل تحت إطار التباعد الاجتماعي.

 

وثمة فارق بين العزل الذاتي والتباعد الاجتماعي. فالعزل الذاتي والحَجر الصحي هما إجراءان يهدفان الى منع الأشخاص المصابين أو الذين خالطوا أشخاصاً مصابين بالفيروس من نشر العدوى.

 

لكننا ربما نحتاج للالتزام بالتباعد الاجتماعي لبعض الوقت. إذ حذّر بحث حديث أجرته جامعة هارفارد، باستخدام نماذج المحاكاة بالحاسوب، من أنّ تدابير التباعد الاجتماعي قد تُفرض من وقت لآخر حتى عام 2022 في الولايات المتحدة، ما لم يتوصل العلماء الى وسائل أخرى فعّالة مثل اللقاحات أو الأدوية، لكبح انتشار الفيروس، وقد تُطبّق تدابير صارمة للحَجر الصحي.

 

إذ يتوقع الباحثون أن يشهد العالم موجة ثانية من تفشي الفيروس في نهاية العام الحالي، في حال استجاب الفيروس للتغيّرات الموسمية، وتراجعت حالات الإصابة في فصل الصيف.

 

وهناك أسباب عديدة أدّت إلى تبنّي سياسة التباعد الاجتماعي، بوصفها واحدة من أفضل السبل للحدّ من انتشار وباء كورونا المستجد. إذ يعتقد العلماء أنّ كل شخص مصاب بفيروس كورونا المستجد قد ينقله إلى شخصين أو ثلاثة أشخاص في المراحل الأولى لتفشي الفيروس. ويُقاس معدّل انتقال العدوى بمؤشر التكاثر الأساسي، وبينما يتراوح مؤشر التكاثر الخاص بفيروس الإنفلونزا، بحسب سلالته، بين 1.6 و3.4، فإنّ التقديرات تشير إلى أنّ مؤشر تكاثر كورونا المستجد يتراوح بين 1.4 و3.9.

 

 

 

متى تنتهي الأزمة وتعود الحياة إلى طبيعتها؟

ثبت بالأدلة أنّ البقاء في المنزل وترك مسافة آمنة عند التعامل مع الآخرين يسهمان في إبطاء انتشار الفيروس. إذ أشار بحث أُجري عن الإصابات في ووهان، إلى أنّ تطبيق تدابير وقائية صارمة واسعة النطاق أدّى إلى تخفيض رقم التكاثر الأساسي في المدينة من 2.35 إلى واحد فقط، وهذا يعني أنّ حالات الإصابة لن ترتفع، ما دام كل مصاب سينقل العدوى لشخص واحد فقط.

 

وخلصت دراسات، إلى أنّ سرعة اتخاذ اجراءات العزل والحَجر الصحي العام في بؤرة المرض تسهم في الحد من انتشاره. وتهدف سياسة التباعد الاجتماعي إلى تعطيل انتشار الفيروس وإطالة المدة التي ينتقل فيها الفيروس من شخص لآخر لتأخيرالوصول إلى ذروة تفشي الفيروس إلى أبعد وقت ممكن. وعندما تؤخّر البلدان ذروة تفشي الوباء، يقلّ عدد المرضى في المستشفيات الذين يحتاجون للموارد والرعاية العاجلة.

 

وكانت المملكة المتحدة تتبع سياسة «مناعة القطيع»، أي أن تكتسب نسبة كبيرة من السكان مناعة ضد الفيروس، إما بعد الإصابة به أو التحصين ضده، وبذلك تُبطئ انتشار الفيروس بين الناس.

 

ويقول باسو، إنّ «سياسة مناعة القطيع تجيز التجمعات لتشجيع انتقال العدوى على أمل تحسين المناعة. لكن المشكلة أنّ فيروس كورونا المستجد لا نعرف آثاره بعد على المدى الطويل والقصير، وليس من الواضح بعد إلى أي مدى سيشكّل الجسم مناعة ضد الفيروس بعد التعافي منه، رغم أنّ دراسة صينية أُجريت على القرود أثبتت أنّه من الممكن أن يكتسب الجسم مناعة بعد الإصابة بفيروس كورونا المستجد».

 

ويرى باسو، أنّ تعمّد نشر العدوى بين الأصحاء بدلاً من عزلهم ومنع اختلاطهم قد يكون خطيراً، لأنّ بعض المصابين قد ينقلون العدوى لأشخاص منخفضي المناعة يعيشون معهم وسيتفاقم الوضع من سيئ إلى أسوأ. كما يؤثر سن السكان وأساليب معيشتهم على نمط انتشار فيروس كورونا المستجد في المجتمع.

 

ومن المرجح أن ترتفع حالات الاصابة مرة أخرى بمجرد ان يعاود الناس التجمع والمخالطة. ولهذا قد تخفف الحكومات إجراءات التباعد الاجتماعي لفترة ثم ما تلبث أن تفرضها، لئلا تتجاوز حالات الإصابة الحد الذي يفوق قدرة المرافق الصحية على الاستيعاب.

 

ولا شك أنّ البقاء بمعزل عن الأصدقاء والأقارب ليس سهلاً، وقد يترتب عليه تبعات عديدة، مثل العزلة والوحدة التي ترتبط بأمراض القلب والاكتئاب والخرف. لكن التطورات التكنولوجية أتاحت لنا طرقاً عديدة للتواصل مع الأصدقاء والمقرّبين لم تكن متاحة عام 1918، مثل وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل والمحادثات الهاتفية المرئية، حتى يبقى الجميع في مأمن من الأمراض.

 

theme::common.loader_icon