قصّة شعر (Haircut) وشفرة «أوكهام»
قصّة شعر (Haircut) وشفرة «أوكهام»
د. فؤاد زمكحل

رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ

د. رياض عبجي
جريدة الجمهورية
Wednesday, 08-Apr-2020 07:21
يمكن القول انّ شفرة "أوكهام" هي عبارة عن مبدأ فلسفي يمكن تشبيهه بمبدأ البخل، أي عدم إعطاء المزيد من التفسيرات والوسائل والمشكلات أكثر من اللزوم.

يمكن القول انّ شفرة «أوكهام» هي عبارة عن مبدأ فلسفي يمكن تشبيهه بمبدأ البخل، أي عدم إعطاء المزيد من التفسيرات والوسائل والمشكلات أكثر من اللزوم.

 

إذا نظرنا أبعد من الصورة الممتعة للجمع بين مجازين: «هيركات» (Haircut)، الذي يثير غيظ الجميع في البلد، وهذا المفهوم الفلسفي. ونجد أنّ هذا المزاج يحتوي على حقيقة عميقة أصبح استخدامها اليوم في لبنان ضرورة أخلاقية واقتصادية واجتماعية وسياسية. 

 

يمكن تلخيص الوضع الاقتصادي في لبنان بفشل ثلاثي: فشل الدولة غير القادرة على سداد ديونها، خصوصاً مصرف لبنان غير القادر أن يردّ إلى دائنيه (المصارف التجارية في البلاد) الذمم المدينة المستحقة، وفشل المصارف التجارية التي لا يمكنها أن توفّر لعملائها ودائعهم المستحقة، وفشل النظام السياسي الذي لم يعد يوحي بالثقة اللازمة لحسن سير الاقتصاد. 

 

يوصي بعض الخبراء بـ«هيركات» (Haircut)، الذي بواسطته سيتمّ استغلال مطالبات المودعين، ومطالبات المصارف، وتلك الخاصة بالدائنين بشكل عام، للتقليل من ديون الدولة.

 

بادئ ذي بدء، انّ التفسير الضمني لا يتبع المبدأ المذكور أعلاه. بالفعل، اخطأ الدائنون في الوثوق بالدولة اللبنانية، والنظام المالي اللبناني والنموذج الاقتصادي اللبناني. أليس من المنطقي أكثر أن نرى أنّ الدولة اللبنانية لم تقم بإدارة صحيحة للأصول الموكلة إليها، وأزمة السيولة التي تواجهها؟

 

كذلك، لا تندرج الوسائل المتوخاة ضمن هذا المبدأ. سوف يميل الـ Haircut المعمّم إلى القضاء على عدد من الديون المتتالية. أليس استعادة الثقة بالدولة وتحسين كفاءتها أكثر فعالية ؟

 

أما في ما يخصّ المشكلات التي يولّدها خطر الـ Haircut، فيكفي الملاحظة أنّ اللبنانيين لم يعودوا يرسلون الأموال إلى لبنان، من خلال الجهاز المصرفي، بل يبحثون عن أصغر فرصة وحتى عن الفرصة الأكثر كلفة للهروب من النظام المصرفي، الأمر الذي من شأنه أن يجمّد كل الدائرة الاقتصادية على المدى القصير والطويل.

 

أليس أقل ضرراً إجراء مفاوضات صريحة بين الدولة ودائنيها المحليين والدوليين لتقسيط ديونها وتحسين أدائها واستعادة الثقة؟

 

يتبع الحل المتوخى الإطار التالي:

 

- جميع المستحقات (بما في ذلك ودائع العملاء لدى المصارف) هي مقدسة ولا يمكن تخفيضها من دون موافقة الدائنين.

- يجيز القانون تمديد فترة السداد لجميع الديون (الخاصة والعامة)، ولكن هذا التمديد يجب أن تكون له تكلفة وألّا يكون طويلاً جداً.

- يجب أن تكون شروط الدفع الجديدة مصحوبة بضمانات إضافية، على سبيل المثال، على شكل استثمارات مشروطة في رأس المال. لكي نكون أكثر وضوحاً، إذا كانت الشركة تطلب من مصرفها تمديد مهلة الدفع، عليها أن تقبل أنّه يمكن لهذا المصرف أن يصبح مساهماً لديها حتى سداد الدين، وإذا كانت الدولة تريد إعادة جدولة ديونها، عليها أن تتنازل عن حصص في ممتلكاتها الخاصة والهائلة، حتى السداد.

- تتم جميع معاملات إعادة التفاوض وجهاً لوجه، وليس من خلال المحاكم أو بواسطة المصفّين. بعد ذلك، تتمّ تلقائياً المصادقة عليها من قِبل المحكمة.

- يجب إلغاء التكاليف الضريبية الناتجة من هذه الاتفاقيات. من ناحية أخرى، من غير الطبيعي ان تؤدّي الاستثمارات في رأس المال، والرهون العقارية، والتعهدات، وما إلى ذلك، إلى دفع رسوم التسجيل والضرائب أو ضرائب الأرباح الرأسمالية.

- يجب رفع القيود التي تمنع المصارف أو الدائنين من الاستثمار في رأس مال الشركات العامة أو الخاصة في انتظار انتهاء التمديد.

- يمكن للدولة أن تضمن للمدينين والأفراد الحصول على إطالة مهلة ديونهم.

 

من الضروري ألّا تؤدي خطة إنهاء الأزمة إلى تعريض المستقبل للخطر، حيث أنّ الثقة هي اساس الحياة في المجتمع. أي اختلاف عن الاتفاقيات الأصلية، جراء عدم مساواة بين مختلف الدائنين أو بين مختلف المدينين، عملية حل قطاع اقتصادي (وخاصة المصرفي)، وأي تأخير في إصلاح وإعادة هيكلة الدولة، وفي إنشاء شبكة أمان اجتماعي وترشيد الحياة السياسية، سيكون الثمن الذي سيُدفع باهظاً للغاية، وسيمتد لسنوات طويلة جداً وسيغيّر وجه لبنان الاقتصادي والليبرالي.

theme::common.loader_icon