هل تقطع واشنطن المساعدات العسكرية عن لبنان؟
هل تقطع واشنطن المساعدات العسكرية عن لبنان؟
Friday, 03-Apr-2020 07:22

تحت عنوان «على لبنان أخذ إجراءات عسكرية ضد «حزب الله» للحفاظ على المساعدات العسكرية الأميركية»، كشف تقرير اعلامي أميركي عن ازدياد الزخم في واشنطن في مسألة الحد من المساعدات الأميركية المقدمة للقوى المسلحة اللبنانية، خاصة من أزمة كورونا. وفي ما يأتي نص التقرير الذي نشرته أمس الاول «DefenseNews».

 

فيما يعاني لبنان أزمة اقتصادية وأزمة وباء كورونا المستجد، يزداد الزخم في واشنطن في مسألة الحد من المساعدات الأميركية المقدمة للقوى المسلحة اللبنانية أو الـLAF، أو حتى قطعها نهائياً. وقد تخفف خطوة كهذه من نفوذ الولايات الأميركية، وتزيد من نفوذ روسيا وإيران. ولكن يبدو أنّ الـLAF لا تساعد مناصري الحفاظ على المساعدات الأميركية في قضيتهم. إذاً على الـLAF معالجة مسألة ترسانة «حزب الله» المتنامية، إذا أرادت الحفاظ على الدعم الأميركي.

 

عزّزت الولايات المتحدة علاقات وثيقة مع الـLAF لسنوات عدة، «كونها الحامي الشرعي الوحيد لسيادة لبنان». وقد اعتبرها البنتاغون شريكاً مؤهلاً وقادراً. منذ العام 2010، أمّنت الولايات المتحدة أكثر من 1.8 مليار دولار كمساعدات أمنية للـLAF. وهي تطالبها، من بين أمور أخرى، بالتصدي لـ»حزب الله»، المجموعة الإرهابية المدعومة من إيران - وهو كيان مسؤول عن دم عدد من الأميركيين، ومنظمة إرهابية أجنبية بحسب قانون الولايات المتحدة.

 

ويؤكد مشروع قانون اعتمادات 2020 الذي وقّعه الرئيس الأميركي، أنّ هدف التمويل الأميركي هو «إضفاء طابع المهنية للـLAF للتخفيف من التهديدات الداخلية والخارجية من أطراف غير حكومية، بما فيها «حزب الله».

 

لذا، تتوقع الولايات المتحدة من الـLAF أن تستعمل التمويل لـ»تعزيز الأمن الحدودي ولمكافحة الإرهاب»، فضلاً عن «منع شحن الأسلحة، وتفادي استعمال لبنان كملاذ آمن للمجموعات الإرهابية».

 

رغم ذلك، لم تبد الـLAF استعداداً للقيام بأي شيء ضد «حزب الله». وتكمن المشكلة في التالي: إذا قامت هذه القوى بأيّ خطوة ضد «حزب الله»، قد تشعل صراعاً داخلياً. ويريد اللبنانيون تفادي ذلك مهما كان الثمن، نظراً للدمار الذي سبّبته صراعات كهذه في السابق.

 

معضلة البنتاغون

لتوضيح الأمور، لا تكمن المشكلة في قدرات الـLAF، إذ أظهرت هذه الأخيرة قدرتها الكبيرة في شهر آب من العام 2017، حين استعملت معدات وذخيرة أمّنتها لها الولايات المتحدة، للقيام بعملية مكافحة إرهاب ناجعة قضَت على مجموعات إرهابية لها صلة بداعش وتنظيم القاعدة قرب رأس بعلبك والقاع. وبحسب تقرير صدر عن مكتب المُساءلة الحكومية في كانون الأول من العام 2019، يشير مسؤولون في البنتاغون أنّ لبنان هو «البلد الوحيد في المنطقة الذي تمكّن من إخراج داعش من أراضيه من دون تدخّل القوات الأميركية الميدانية».

 

ولكن رغم ذلك، ثمّة استفهامات لدى الولايات المتحدة حول تقارير شاركتها الـLAF مع «حزب الله» في عملية 2017 وغيرها من العمليات. في الواقع، لا يمكن للولايات المتحدة أن تدعم الـLAF إذا كانت تعتبر «حزب الله» شريكاً لها.

 

كل ذلك يفسّر معضلة البنتاغون. فتسعى أميركا بلا كلل، اتّساقاً مع استراتيجية الدفاع الوطنية، إلى الاعتماد على شركاء لها في الشرق الأوسط، كي تتمكن من التركيز على التنافس في مجال القوى العظمى مع الصين وروسيا. ويصبّ وجود قدرة عسكرية قوية في لبنان، يمكنها التصرّف بفعالية ضد المنظمات الإرهابية السنية مثل داعش والقاعدة والتنظيمات المنسوبة إليها، في مصلحتها.

 

في هذا السياق، قدم قائد القيادة المركزية الأميركية في ذلك الحين الجنرال جوزف فوتيل شهادته في شباط من العام 2019، قائلاً إنّ استثمار «بسيط» أميركي للـLAF خلقَ «قوى قتالية شرعية عصرية»، بَيّنت قدرتها على القيام بعمليات مكافحة إرهاب وعلى «حماية الشعب اللبناني من التهديدات الداخلية والخارجية».

 

ولكن القدرة من جهة، والاستعداد لاستعمال هذه القدرة من جهة أخرى، أمران مختلفان تماماً. فإن رفض الـLAF الوقوف بوجه «حزب الله» سمحَ للمجموعة الإرهابية المدعومة إيرانياً بالقيام بتعزيزات عسكرية هائلة تشمل حوالى 150 ألف صاروخ وقذيفة.

 

وإنّ عدم استعداد الـLAF لمعالجة مسألة ترسانة هذا الحزب المتنامية أمر يدعو للقلق، لا سيما في ضوء ما سمّاه الجنرال فوتيل «أعمال حزب الله التحريضية»، التي تهدد أمن إسرائيل و»استقرار لبنان».

 

وهذا تلطيف للواقع، فقد أطلقت دراسة صدرت منذ عامين تقريباً على الميليشيا الإرهابية لـ»حزب الله» لقب «أسوأ جهة فاعلة غير حكومية الأكثر مسلحة». ويقول مسؤولون اسرائيلييون انّ قدرة هذا الحزب العسكرية تتخطى قدرة العديد من الدول الأوروبية العسكرية.

 

ووفقاً لتقارير حديثة، يكدّس حالياً «حزب الله» المزيد من الأسلحة الخطيرة. وتعمل قوات حرس الثورة الإسلامية الإيرانية معه لخَلق منشآت في لبنان لتحويل صواريخ وقذائف غير موجهة إلى ذخائر موجهة بدقة - PGM، يمكنها الضرب بدقة، على بعد بضعة أمتار فقط من الهدف. ويمتلك «حزب الله» الآن عشرات أو ربما مئات الذخائر الموجهة بدقة. وقد تمكّنه هذه الأسلحة من أن يطغى على الدفاعات الإسرائيلية بواسطة هذه الـPGM، من خلال ضرب أهداف استراتيجية في القدس، وتل أبيب، ومطار بن غوريون، وميناء حيفا أو منشأة ديمونا النووية، ما قد يؤدي إلى نتائج كارثية محتملة.

 

يضع ذلك ضغطاً سياسياً وعسكرياً إضافياً على القادة الإسرائيليين، لتوجيه ضربة استباقية واسعة النطاق لمنع «حزب الله» من شن حرب ضد اسرائيل، قد تؤدي إلى دمار كارثي. ولكن قد تدمّر عملية استباقية كهذه حياة ومجتمعات آلاف اللبنانيين، إذ قَصَدَ «حزب الله» أن يُمَوقع جزءاً كبيراً من ترسانته ومخازنه ومنشآته السلاحية في مناطق مدنية.

 

ويعترف حتى أكبر مناصري الحفاظ على التمويل الأميركي أنه خلال نمو ترسانة «حزب الله»، لم تَقم الـLAF بأيّ خطوة، وإنّ تقاعسها يهدّد استمرار التمويل الأميركي.

 

ربط المال بالأفعال

في شهادة الجنرال فوتيل العام الماضي، أقرّ بشكل غير مباشر أنّ الـLAF لا تؤدي اليوم دور الثقل الموازي بوجه «حزب الله». وقال إنّ الـLAF «لديها القدرة على تشكيل رادع للنشاط الإيراني المتزايد في النهاية، وثقل مواز بوجه تأثير «حزب الله». هذا أمر جيد، ولكن الوقت ينفذ.

 

في الحقيقة، اشتهرت إدراة ترامب بالتدقيق في مساعدات الولايات المتحدة الأجنبية، ساعيةً إلى تخفيضات جمّة، نفّذت بعضها. وقد كانت بعض هذه التخفيضات حكيمة، فيما كانت العديد منها طائشة. بغضّ النظر عن ذلك، في حين يميل واضعو السياسات، والناخبون ودافعو الضرائب في الولايات المتحدة إلى خفض الإنفاق والالتزامات الأميركية في الشرق الأوسط، قد يكون الموضوع مجرد مسألة وقت حتى يقطعون بالكامل التمويل عن الـLAF.

 

يرتكز النقاش حالياً على مدى واقعية مطالبة الـLAF باتخاذ إجراءات متضافرة ضد خطوط إمداد «حزب الله» بالـPGM وترسانته. ويقول ناقدو الـLAF إنّ عليها أخذ الإجراءات اللازمة، فيما يقول أنصار الجيش اللبناني إنّ ذلك لن يؤدي إلّا إلى حرب أهلية. ولكن لا يمكننا أن نعتبر أنّ الخيار للبنان يقتصر على اقتراح أنّ عليه إمّا قبول تقاعس الجيش، وإمّا اشتعال حرب أهلية بين الجيش و»حزب الله».

 

لننظر في أداء الـLAF في الأشهر الأخيرة من التظاهرات في لبنان: خضعت الـLAF إلى الكثير من الضغوط من «حزب الله» للوقوف بوجه المتظاهرين اللبنانيين السلميين غير المسلحين. ولكن بدل ذلك، تبيّن أنها حَمت المتظاهرين في عدة حالات، من البلطجيين ذات الصلة بـ»حزب الله».

 

هذا الاستعداد لتجاهل، بل وحتى للوقوف ضد «حزب الله»، يشير إلى إمكانية الـLAF أن تنفذ استراتيجية حيادية أو «رمادية» جديدة تركّز على زيادة بروز تكاليف مشروع PGM الخاص بـ»حزب الله». فيمكن أن تؤدي الـLAF دوراً في زيادة الوعي بأنّ «حزب الله» يسمح لطهران بجرّ لبنان إلى صراع يمكن تَجنّبه مع إسرائيل، صراع سيكون أكثر ضرراً بكثير من حرب 2006.

 

من وجهة نظر الولايات المتحدة، يُعَدُّ مثل هذا النهج تحسيناً في سياسة الـLAF الحالية المتمثّلة بعدم فعل أي شيء. هو لا يحلّ مشكلة عدم رغبة الـLAF في نزع سلاح جهة فاعلة غير حكومية، ولكنه خطوة أولية صغيرة يمكن أن تُبطئ مسار لبنان إلى حرب كارثية بين «حزب الله» وإسرائيل.

 

ما من ضمانات على أنّ مثل هذه الخطوة ستنقذ الـLAF في واشنطن، إذ تَسبَّبَ فيروس كورونا المستجد (COVID-19) بضربة قوية على الاقتصاد الأميركي، وتلجأ الحكومة الفيدرالية إلى وقف العجز الإنفاقي الكبير في محاولة لتفادي كساد اقتصادي، فقد لا تملك الولايات المتحدة بعد ذلك أي رغبة في دعم الـLAF. وإذا استمر مشروع الـ PGM بالسرعة نفسها، قد يفقد التمويل الأميركي أهميته، إذ قد تقوم إسرائيل بإجراءات قبل وصول دورة التمويل القادمة.

 

إضافة إلى ذلك، إنّ الضغط قائم على الـLAF. ففقدان الدعم الأميركي سيكون مؤسفاً، إذ عملت الولايات المتحدة لسنوات عديدة على تحسين قدرات الـLAF وترسيخ سمعته «كالحامي الشرعي الوحيد لسيادة لبنان». وقد بَنت هذه الجهود قوى لبنانية مسلحة تتمتع بقدرات متزايدة، وهي من بين المؤسسات الأكثر احتراماً في لبنان.

 

إذاً سيضرّ إنهاء التمويل الأميركي للـLAF بالنفوذ الأميركي، ويقوّض قدرات هذا الشريك في مكافحة داعش، ويعزّز رسائل عدم الموثوقية الأميركية ويخلق فراغاً من شبه المؤكد أنّ موسكو ستحاول ملؤه بالجنود والمعدات والأسلحة والتدريب الروسي. علاوة على ذلك، ستصبح قوات الحرس الثوري الإسلامي و»حزب الله» أقوى في لبنان، وستستمر ترسانة المجموعة الإرهابية في النمو، وستكون إسرائيل أقل أماناً.

 

ولكن إذا لم تتخذ الـLAF أية إجراءات، سيخسر في نهاية المطاف مناصرو هذه النظرية. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنّ شعب لبنان سيخسر أيضاً. وسيحظى النظام الإيراني و»حزب الله» على الحرب التي يبحثان عنها، وستكون الـLAF قد وقفت متفرّجة، ولم تفعل أي شيء لإيقافها.

theme::common.loader_icon