قراءة في الكابيتال كونترول... تعسُّف وانحياز
قراءة في الكابيتال كونترول... تعسُّف وانحياز
عدنان محمد رمال

عضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي

جريدة الجمهورية
Monday, 30-Mar-2020 07:00
مشروع قانون القيود المصرفية (كابيتال كونترول) انطلق بأفكار من صنع النظام المصرفي ولمصلحته فقط، على نحو غير متساوٍ مع مصلحة المودعين وعملاء المصارف ولا يفيد القطاع المالي للدولة اللبنانية بأيّ إضافة، بل على العكس يستعمل مظلة الدولة وحمايتها من المطالبات القانونية لأصحاب الحقوق بشكل أحادي لا يوحي بالمسؤولية.

إذا عدنا الى الوراء قليلاً لوجدنا مشروع القانون المقترح من الحكومة قبل سحبه اخيراً من التدوال على طاولة مجلس الوزراء هو في جزء كبير منه، سَبق أن صدرَ بموجب تعميم من مصرف لبنان أو بقرارات من جمعية المصارف، كما سبقَ أن وضعت هذه القيود التعسفية في حق المودعين او التسهيلات للقطاعات الاقتصادية والتي تمّ تجميدها من دون اي وجه حق، وهي في كل الاحوال ما زالت غير قانونية لتاريخه.

 

من ناحية ثانية، إنّ هذا المشروع يساوي بين المصارف المتعثّرة التي استثمرت في سندات الخزينة بالعملة المحلية أو سندات اليوروبوندز بالعملة الاجنبية وبمبالغ تفوق رأسمالها بعدة أضعاف، واستعملت أموال المودعين ضمن مخاطر عالية نتيجة الطمع بتحقيق ارباح خيالية وعالية من فوائد هذه السندات. وهنا لا يجوز للدولة إعادة تعويم هذه المصارف من خلال حجز اموال المودعين لفترات طويلة بدون عائد، أو تحويلها الى أسهم في مصارف متعثرة ورأسمال وهمي. لذلك يجب على القطاع المالي العام وضع يده على هذه المصارف وإجراء التدقيق المُحاسبي الصحيح والشفّاف، وتَملّك هذه المصارف لضمان الحقوق الخاصة للمودعين، وإعادة رسملة هذه البنوك او تصفيتها، حسب واقع كل مصرف وموجوداته وقدرته على الاستمرار ومحاسبة كل من أهدر او أخطأ في ادارة هذه الاموال.

 

امّا المصارف غير المتعثرة، والتي لديها القدرة عل الاستمرارية، فيجب إعادة رَسملتها من اموال اصحابها والمساهمين فيها الذين وَزّعوا الأرباح بمبالغ تقدّر بمليارات الدولارات على مدى 20 عاماً.

 

في الختام، تقع رَسملة بعض المصارف على عاتقها ومن أموالها، وليس من أموال المودعين وجَنى عمر الناس وتعب الاجداد والآباء والابناء، بالإضافة الى أنّ رسملة مصارف أخرى تقع مسؤوليتها على عاتق مَن أخطأ واستثمر الاموال في غير مكانها الصحيح. وبالتالي، تبقى اموال الناس حقاً مقدّساً، وعلى النظام المالي العام، كما أسلفنا، وضع يده عليها وتَملّكها لضمان إعادة هذه الاموال لأصحابها، إذ ليس هناك مِن وجه حق ان تقوم الدولة بحماية طرف قوي ومتحَكّم على حساب صاحب الحق الوجيه. من المؤكد، وفي حال تشريع هذه القيود القاسية، أن تكون العدالة التشريعية قد مُسّت في صميمها ومساواة المواطنين، وقد أطلقت عليها الرصاصة الأخيرة، لا سيّما أنّ اي قانون للقيود والضبواط المالية لا يلحظ اعادة ضَخ الاموال في القطاعات الاقتصادية ليحمي الاستثمار الداخلي وينهض به، إفساحاً في خلق فرَص عمل جديدة يبقى قانوناً ناقصاً وغير مُستدام، بحيث تؤجّل الأزمة الى تاريخ لاحق ولا يأتي بالحل المطلوب والمنشود.

theme::common.loader_icon