هل علينا تصديق كلّ الدراسات الطبية؟
هل علينا تصديق كلّ الدراسات الطبية؟
جريدة الجمهورية
Tuesday, 28-Jan-2020 12:04

فهم منطق البحوث الطبية والمشاكل التي تعيق هذا المجال يسهّل علينا التمييز بين الدراسات التي تستحقّ ثقتنا. فنقرأ يوماً أنّ القهوة مفيدة لصحة القلب والشرايين، ونقرأ في اليوم التالي أنّ القهوة ترفع من خطر الإصابة بمشاكل في دقات القلب مثلاً... فماذا نصدّق؟ ومتى نشكّ في الدراسات الطبية المنشورة؟

تعتمد مسألة الثقة في المصداقية على الدراسة الطبية التي ننظر إليها، من تركيبتها إلى تمويلها وهدفها... ويمكن أن يربك ذلك القراء. كما وللأطباء، ما قد يدفعهم أحياناً إلى تجاهل كلّ اعلان عن «أحدث تقدّم طبي».

 

دراسات للنشر لا للقراءة

وفقاً لقاعدة بيانات المراجع العلمية Web of Science، تمّ نشر حوالى 12.8 مليون دراسة طبية وصحية بين عامي 1980 و2012. في الحقيقة، يقرأ معظم علماء الجامعات ما بين 250 و270 ورقة علمية فقط في السنة، فيما يقرأ العلماء غير الجامعيين حوالى نصف هذا العدد.

 

وبحسب بعض التقديرات، يعني ذلك أن حوالى نصف الأبحاث العلمية لا يقرأها سوى المؤلفين والمراجعين ومحرري المجلات. ولا يتمّ الإشارة إلى 90% من الدراسات في دراسة طبية أخرى. ويصل عدد أقل من هذه الدراسات إلى وسائل الإعلام. ومع ذلك، هذا العدد الصغير الذي يبلغ الإعلام يمكن أن يحدث ضجيجاً إعلاميّاً.

 

وفي حين أن وسائل الإعلام هي في المقام الأول، وهي التي تبالغ وتغير في الدراسات الطبية، فيقع اللوم على عدّة جهات أخرى أيضاً.

 

وجد الباحثون أن التقارير المبالغ فيها عن الدراسات الطبية يمكن في بعض الأحيان تتبّعها إلى البيانات الصحافية من بعض الجامعات.

 

تضمّنت أربعين في المئة من البيانات الصحفية التي نظروا فيها نصيحة صحية أكثر صراحة ومباشرة من الدراسة الفعلية. كما تبين المبالغة بصلة 36% من الدراسات على الحيوانات أو الخلايا البشرية. وتمّ اتهام النشرات الصحفية التي نشرتها المجلات الطبية نفسها بالمبالغة بأهمية تفاصيل نتائج الدراسة.

 

ولكن يتحمل العلماء أيضاً بعض المسؤولية، إذ وجدت دراسة PLOS Medicine لعام 2012 أن القصص الإخبارية الطبية المفرطة «كانت على الأرجح مرتبطة بوجود نوع من التحريف في خلاصة المقال العلمي».

 

ومع ذلك، فإنّ هذا بالكاد يعفي وسائل الإعلام من نقل المعلومات المبالغ فيها الى الناس.

 

يمكن للمراجعات المنهجية أن تقدّم صورة أوضح للموضوع. فتبحث هذه المراجعات في الدراسات الموجودة حول موضوع معين للتوصل إلى أقرب ما هو إلى حقيقة الوضع القائم.

 

الضغط لنشر الدراسات

حتى بدون عنصر المبالغة، قد تكون الدراسات الطبية مضللة، على أيدي الباحثين أنفسهم في بعض الأحيان. ففيما لا توجد قاعدة بيانات رسمية للدراسات التي يعاد سحبها من بعد نشرها، ولكن يبدو أنّ العدد الى ارتفاع.

 

تحاول المجلات ذات السمعة الطيبة ضمان جودة ودقة الدراسات عن طريق باحثين آخرين في نفس المجال لمراجعة البحث قبل النشر.

 

يهدف هذا إلى إبراز المخاوف الرئيسة، لكن قد لا يجد الباحثون الغشّ، إذ لا يحق لهم الوصول إلى جميع بيانات الدراسة. حتى أنّه يمكن تزوير عملية المراجعة.

 

على الرغم من أن هذه المراجعة ليست مثالية، يؤيد العديد من العلماء هذه الاستراتيجية، باعتبارها أفضل طريقة لضمان جودة الدراسات الطبية.

 

ولكن لا تعتمد كل المجلات هذا النوع من المراجعة.

 

تأثير التمويل

في الواقع، يؤثر التمويل أحياناً على نتائج الدراسة. ففي الولايات المتحدة، يتمّ تمويل معظم البحوث العلمية من قبل الوكالات الحكومية مثل المعاهد الوطنية للصحة (NIH) أو المؤسسة الوطنية للعلوم (NSF). ولكن تموّل بعض الشركات الخاصة دراسات أيضاً، وغالباً ما تقوم بإجراء اختبارات على عقاقيرها أو منتجاتها.

 

وقد وجدت إحدى الدراسات أن التجارب السريرية التي فضلت علاجاً جديداً على العلاج التقليدي كانت على الأرجح ممولة من قبل شركات الأدوية. حتى الدراسات المتعلقة بالتغذية حول المشروبات الغازية أو العصير أو الحليب يمكن أن تفضّل منتج الشركة الراعية للدراسة.

 

هذا لا يعني أن الشركات تقوم بتغيير النتائج عن عمد. بل كل العناصر تؤثر، مثل طريقة تصميم الدراسة، بما في ذلك المنتجات أو العلاجات التي تتم مقارنتها.

 

لهذا السبب من المهم معرفة من الذي يدفع مقابل الدراسة. تتضمن معظم المجلّات هذه المعلومات في الورقة، لكن قد لا يتم ذكرها دائماً في الأخبار والمنشورات الإعلامية.

 

دراسات خاطئة!

يرى خبراء آخرون مشاكل أكبر في الدراسات الطبية، ويشكون في أن معظمها خاطئة. قد يبدو ذلك متطرفاً، لكن يتضمن تصميم جميع الدراسات العلمية بعض العيوب أو التحيّز. لهذا السبب يشدّد العلم على تكرار التجارب لتأكيد النتائج. قد تكون نتيجة إيجابية واحدة مجرّد صدفة. ولكن لا يمكن بالطبع تكرار كلّ دراسة منشورة.

 

في الواقع، فشلت عدّة محاولات في إعادة تكرار دراسات طبية سابقة في الوصول إلى النتيجة نفسها، حتى في حال دراسات أساسية وفائقة الأهمية حول السرطان.

 

يقول الدكتور جون أيانيديس، أستاذ الطب في كلية الطب في جامعة ستانفورد، إنّ ما يصل إلى 90 في المئة من المعلومات الطبية المنشورة التي يستخدمها الأطباء لاتّخاذ قراراتهم معيبة.

 

بالإضافة إلى ذلك، وجدت جهة تراجع الدراسات الطبية الجديدة أن 3000 فقط من حوالى 50000 ورقة طبية منشورة كلّ عام مصممة بشكل جيد بما يكفي لاستخدامها لتوجيه طريقة رعاية الأطباء للمرضى.

 

حدّد جون مشاكل في الطريقة التي يقوم بها العلماء في البحث، من تصميمهم للدراسة وصولاً إلى نشر نتائجها في مجلات طبية.

 

كتب د. جون: «إن إنجازات العلوم مذهلة، ومع ذلك فإنّ معظم الجهود البحثية تهدر في الوقت الحالي. إنّ التدخلات للتخفيف من الهدر في مجال العلم ولرفع الفعالية قد تكون مفيدة جداً لصحتنا وراحتنا وفهمنا للحقيقة، ويمكن أن تساعد البحث العلمي في متابعة أهدافه النبيلة بنجاح أكبر».

 

ختاماً، قد يكون النهج الأفضل للتمييز بين الدراسات الطبية الموثوقة وغير الموثوقة، معالجتها بقدر معقول من الشكّ، فضلاً عن فهم كيف يمكن أن تتغير الأمور خلال انتقال البحوث الطبية من المختبر، إلى العيادة، فإلى عيادة الطبيب.

theme::common.loader_icon