الغدّة الدرقية.. لوحة تحكّم في جسم الإنسان
الغدّة الدرقية.. لوحة تحكّم في جسم الإنسان
Tuesday, 21-Jan-2020 08:37

يتكوّن جسم الإنسان من سلسلة من الأنظمة المعقّدة التي تعمل مع بعضها بعضاً من أجل الحفاظ على سير عمله بسلاسة. لكن قد يصعب أحياناً تمييز العلامات التحذيريّة فتُعزى إلى ضغوطات الحياة اليوميّة.

لفهم دور الغدّة الدرقيّة، شرحت البروفيسورة ماري - إيلين غنّاجه، رئيسة قسم أمراض الغدد الصمّاء في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس «أنّ الغدّة الدرقيّة هي غدّة صمّاء على شكل فراشة في أسفل العنق، تلعب دوراً رئيساً في عملية التمثيل الغذائي وفي نموّ الجسم وتطوّره». وأضافت: «هذه الغدّة تساعد في تنظيم العديد من وظائف الجسم عن طريق إفراز هرموناتها في مجرى الدم. فوظيفتها إفراز هرمون الثايرويد بنوعَيه: الثيروكسين (T4) وهو يُعتبر الهرمون الرئيسيّ الذي تفرزه الغدّة، وهرمون ثالث يود الثيرونين (T3)، وهو الهرمون الفعّال في الأنسجة. يلعب هذان الهرمونان دوراً هاماً في النموّ، في أداء الدماغ والقلب والعظام والعضل والجهاز الهضميّ، في الخصوبة، كما وأنّهما يؤثّران على صنع خلايا الدمّ الحمراء».

 

أمراض شائعة

الأمراض المرتبطة بالغدّة الدرقية شائعة جدّاً وغالباً ما تكون بسيطة، وأهمّها بحسب غنّاجه: «فرط نشاط الغدّة الدرقيّة وقصور نشاطها، العقيدات، والأورام السرطانيّة، مع أنّ معظم هذه الأخيرة لا يُعدّ من الأورام الخطيرة، وتسهل معالجته بفضل التقدّم الطبيّ والكشف المبكر.

وتابعت رئيسة القسم: «يتسبّب فرط نشاط الغدّة الدرقية بزيادة إنتاج الهرمونات الدرقية. قد تكون له أسباب عديدة كالعقيدات السامة أو تناول بعض الأدوية الّتي تحتوي اليود أو التهاب في الغدّة، لكنّ السبب الأساسيّ مرض غريفز (Graves› disease)، وهو مرض مناعيّ ذاتيّ يصيب الغدة الدرقية وهو شائع عند النساء أكثر منه لدى الرجال.

في حال حدوث زيادة في إنتاج هرمونات الغدة الدرقية، وحيث أنّ هذه الهرمونات تؤثّر على كافة وظائف الجسم، فهذه الوظائف ستعاني بدورها فرطاً في نشاطها. لذلك، ليس من المستغرب أن تشمل أعراض هذا المرض: العصبية، الانفعال، القلق، زيادة التعرق، تسارع دقات القلب، رعاش اليدين، صعوبة في النوم، فقدان الوزن بالرغم من الشهية الشديدة، ترقّق العظام، الإسهال، ضعف العضلات لاسيّما في الفخذين، جحوظ العينين إذا كان مرض غريفز المسبّب، واضطرابات في الدورة الشهرية عند النساء».

 

العلاجات

وطمأنت قائلة: «في حال مرض الغريفز، يُعالجُ عموماً فرط نشاط الغدّة بواسطة الأدوية المثبطة للغدة كخيار أوّل أو بواسطة عمليّة جراحيّة لاستقصاء الغدّة أو باليود المشعّ كخيار نهائيّ. أمّا العقيدات السامة، فيجب أن تعالج إمّا بالجراحة أو باليود المشعّ».

«أمّا قصور نشاط الغدة الدرقيّة فهو اضطراب شائع حيث لا تنتج الغدة الدرقية الهرمونات بشكل كاف. عند البالغين، تتعدّد المسبّبات الرئيسية المعروفة عالميّاً لقصور نشاط الدرقية ومنها: التهاب الغدة الدرقية لهاشيموتو (Hashimoto›s thyroiditis)، وهو مرض مناعيّ ذاتيّ، غياب الغدّة نتيجة عمليّة استئصال، واستخدام اليود المشع أو غيره من الأدوية العلاجية المثبطة نتيجة فرط نشاط الدرقية. أمّا نقص اليود في النظام الغذائي، فأصبح سبباً نادراً لقصور نشاط الدرقية بفضل تواجد اليود في المواد الغذائيّة كالملح. فضلاً عن ذلك، تسهل معالجة قصور نشاط الغدّة بواسطة الليفوثيروكسين بالجرعات المناسبة.

 

العوارض

لا يترافق عادةً قصور نشاط الغدّة بأيّ أعراض، أو تكون أعراضه خفيفة وغالباً ما يُغضّ النظر عنها، إذ تشمل الإرهاق والتعب، الاكتئاب، الإحساس بالبرد وعدم تحمّل البرد، ضعف الذاكرة وصعوبة في التركيز، الإمساك وعسر الهضم، زيادة الوزن بالرغم من فقدان الشهية، جفاف البشرة، تباطؤ دقات القلب، تساقط الشعر، ضيق في التنفس، ضعف السمع، وعند النساء اضطرابات في الدورة الشهرية. أمّا لدى الأطفال فيؤدي قصور نشاط الدرقية، إذا كان المرض خلقيّاً، إلى تأخّر في النموّ وفي التطوّر الفكريّ».

وتابعت البروفيسورة غنّاجه لتقول: «أمّا سائر الأمراض الشائعة المرطبة بالغدّة، فهي العقيدات والأمراض السرطانيّة. العقيدات هي عبارة عن كُتل غير طبيعية تظهر في الغدة الدرقية، يشير ظهورها إلى وجود ورم درقيّ إلّا أنّها قلّما تكون سرطانية، أي حوالى الـ5% منها. إنّ العقيدات شائعة جدّاً خاصةً عند الأشخاص ما فوق الـ60 عاماً، وأثبت التصوير الشعاعي أنها تصيب أكثر من 50% منهم».

 

العلاج باليود المشعّ

وأشارت هنا البروفيسورة إلى أنّ قسم أمراض الغدد الصماء في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس يعتمد العلاج باليود المشعّ لمعلاجة سرطان الغّدة الدرقيّة بعد استئصالها وذلك للقضاء على أنسجة الغدة المتبقّية. إنّ هذا العلاج يحقق نتائج جيّدة في معالجة أغلب سرطانات الغدد الصمّاء.

تلعب الغدّة الدرقيّة دوراً حيويّاً في جسم الإنسان منذ صغره حتّى سنّ الشيخوخة مروراً بسن البلوغ، غير أنّ الأمراض المتعلّقة بها غالباً ما يصعب رصدها أو تشخيصها. وفي حال لاحظ شخص ما سلسلة تغيّرات من ضمن أعراض أمراض الغدّة الدرقيّة، يمكنه إجراء فحص بسيط في المختبر، فحص الـ TSH (Thyroid Stimulating Hormone)، للكشف عن أيّ اختلال في إفرازات الغدّة، كما وأنّه يمكن تفحُّص العنق بشكلّ منتظم لوجود أيّ عقيدات سطحيّة ظاهرة. ختاماً، تبقى التوعية الوسيلة الفضلى لمراقبة وظائف الجسم ورصد أيّ تغيّرات قد تطرأ على مؤشّرات الحياة اليوميّة الطبيعيّة.

theme::common.loader_icon