مانشيت: إيجابيات النهار تتراجع ليلاً.. واستعجال دولــي لإصلاحات فورية
مانشيت: إيجابيات النهار تتراجع ليلاً.. واستعجال دولــي لإصلاحات فورية
Tuesday, 21-Jan-2020 06:34

ملّ اللبنانيون من متابعة أخبار الحكومة الجديدة؛ لم يعد يهمّهم إذا شُكلت هذه الحكومة او لم تشكّل، طالما انّ عملية التأليف ما زالت تدور في الحلقة ذاتها ومقبوضاً عليها من قبل العقلية السياسية ذاتها التي قدمت للبنان نماذج حكومية سابقة، أسقطت البلد في درك سفلي لا قيامة منه.

 

 

 

مع هذه العقلية، كلّ الدروب التي تُسلك ستؤدي حتماً الى مكان واحد، أي الى «المطحنة السياسيّة» المعهودة، التي تطحن آمال اللبنانيّين بانبلاج ومضة نور في هذا الزمن الاسود سياسياً واقتصادياً ونقدياً. وبالتالي، لن يكون فرق، بالنسبة الى اللبنانيين، إذا بقي الفراغ الحكومي قائماً أو شكّلت الحكومة اليوم او غداً او في اي وقت آخر، فالأمر سيّان بالنسبة إليهم، ذلك انّ الفراغ الحكومي اذا استمر، والطريقة التي يتم فيها تشكيل الحكومة، يؤديان الى النتيجة ذاتها، اي تفاقم الازمة والدوران في حلقة مفرغة.

 

أجواء الاتصالات حول تأليف الحكومة، اشاعت ايجابيات توحي بتمكن الاطراف السياسية من تذليل العقد التي كانت تعرض اعلان ولادة الحكومة، الا ان هذه الايجابيات مُحيت ليلا، وتراجعت الى مربع السلبية.

 

وفي هذا السياق، كشفت اشارت مصادر قريبة من التيار الوطني الحر ان عقدا برزت من جديد في طريق التأليف، تمثلت بمطالبة رئيس تيار المردة الوزير سليمان فرنجية بحقيبة سيادية (الدفاع)، إلى جانب الأشغال، وكذلك مطالبة الحزب القومي بحقيبة يتولاها وزير مسيحي، متجاوزا بذلك مبدأه العلماني، ما يعني ان استمر الاصرار على هذا المنطق ان الامور عادت الى نقطة الصفر.

 

 

 

«التيار»

وجاء ذلك، بعد وقت قصير على ما قاله مصدر مسؤول في التيار الوطني الحر لـ«الجمهورية»، حيث اشار الى انّ العقبات التي ظهرت فجأة في اليومين الماضيين وُضعت لها الحلول المناسبة. وستبيّن الوقائع أنّ التيار لم يدخل لا من قريب ولا من بعيد بازار الحصص الوزارية، بل تمسّك بمبدأ احترام التوازنات الوطنية ووحدة المعايير.

واكد المصدر انه «لن يكون في الحكومة أي اسم محسوب على التيار». وقال: معيارنا الوحيد هو أن يتولى الحقائب نساء ورجال يتمتعون بالجدارة والخبرة والاختصاص في مجالهم، وألّا يكونوا منتسبين لأي حزب ولا ملتزمين بأي جهة سياسية.

ولفت الى أنّ «التيار» قدّم كل التسهيلات لمختلف الصيغ الحكومية، ولا يوجد بعد الآن ‏من مبرّر لعدم ولادة الحكومة، الا إذا كانت هناك نية بالعرقلة ممّن يطالبون بالحصص ولا يأخذون في الاعتبار ما جرى منذ 17 تشرين الأول وعمق الأزمة والمخاطر المترتبة عليها.

 

 

 

إيجابيات النهار

وكانت مصادر معنية بحركة التأليف، قد عكست امس، أجواء ايجابية حول الاتصالات التي تكثّفت في الساعات الماضية، والتي كان أبرزها امس، اللقاء الرباعي الذي عقد في دارة الرئيس المكلف حسان دياب، وجمعه مع رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الحاج حسين خليل.

وبحسب المصادر المطلعة على أجواء اللقاء الرباعي، فإنه جاء استكمالاً للقاءات الرئيس أجراها الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وتخلله عرض مفصّل بإيجابية وانفتاح لمسار التأليف والعقد التي اعترضت تأليف الحكومة خلال الفترة الماضية، وكذلك تبادل للأفكار حول كيفية الخروج منها. ويمكن القول بنتيجة هذا البحث انّ العقد لم تعد موجودة، واذا لم تطرأ اي تعقيدات مفاجئة او غير محسوبة، فإنّ الحكومة ستولد اليوم.

وتشير المصادر الى اتفاق على رفع عدد اعضاء الحكومة من 18 وزيراً الى 20، وكذلك على احتواء اعتراض تيار «المردة» لناحية القبول بتمثيله بوزيرين، وتجاوز أكثرية «الثلث المعطّل» داخل الحكومة.

 

الثلث المعطّل

وتوضح المصادر انّ تجاوز الثلث المعطّل مردّه الى انه سلاح موجود لدى اطراف الحكومة، سواء حصلت مباشرة عليه او لم تحصل، اذ انّ كل طرف ممثل في الحكومة يشكل ثلثاً معطّلاً بحد ذاته. وعلى سبيل المثال، إنّ رئيس الحكومة المكلف سُمّي بـ69 صوتاً، وهي نسبة الثقة التي يفترض ان تنالها حكومته في مجلس النواب، فالتيار الوطني الحر وحده قادر على تطيير الحكومة اذا استقال منها، بحيث يملك كتلة نيابية من 27 نائباً، فإذا قرر هؤلاء التصويت بحجب الثقة عن الحكومة، يُبقي هذه الثقة محصورة بـ42 صوتاً، واذا ما أضيفت اصوات التيار الى جانب اصوات المعترضين أصلاً على حكومة دياب، فإنها تسقط فوراً. والأمر نفسه بالنسبة الى كتلة التحرير والتنمية 17 نائباً، والى كتلة الوفاء للمقاومة 14 نائبا، وكذلك الامر بالنسبة الى كتلة المردة والكتلة القومية وكتلة اللقاء التشاوري (12 نائباً) اذا قررت معاً إسقاط الحكومة.

 

بري

وبناء على هذه الايجابية، أكدت المصادر نفسها انّ ولادة الحكومة صارت قريبة جداً. وسألت «الجمهورية» الرئيس بري عمّا اذا كان متفائلاً بقرب ولادة الحكومة، فقال: الجو ايجابي جداً، ولا شيء يمنع ولادتها اليوم، الّا اذا حصل امر غير اعتيادي يحول دون ذلك، وهذا ما لا نتمنى حصوله. لكنّ الامور ايجابية وإن شاء الله خير».

ورداً على سؤال، قال بري: لدى الحكومة الجديدة بعد تشكيلها مهمة اساسية هي معالجة الوضع المالي، هنا يفترض ان تَنصبّ الجهود لأن الوضع إن استمرّ على ما هو عليه سيؤدي الى نتائج كارثية.

وحول تقييمه للحكومة الجاري تشكيلها، قال بري: الحكومة هي حكومة اختصاصيين بالكامل، وحتى ولو كنّا داعمين لها الآن، الّا اننا سنحكم على أدائها الذي يجب ان ينصَبّ في اتجاه المعالجة الجذرية لأزمة البلد الاقتصادية والمالية، التي تتطلب حكومة طوارئ إنقاذية.

 

 

 

تحذير أوروبي

في هذا الوقت، كشفت مصادر ديبلوماسية أوروبية لـ«الجمهورية» انّ المجتمع الاوروبي بشكل عام ينظر بقلق بالغ إزاء تطور الاحداث في لبنان، ويَعتبر تأخّر المسؤولين اللبنانيين في تشكيل حكومتهم أمراً غير مبرر في موازاة المستوى الحَرج الذي بلغه الوضع في هذا البلد، والذي يُنذر استمراره بضائقة غير مسبوقة في خطورتها سيعانيها الاقتصاد اللبناني.

واشارت المصادر الى «انّ العديد من دول الاتحاد الاوروبي أرسلت تحذيرات بهذا المعنى الى المسؤولين اللبنانيين، بوجوب اتخاذ الخطوات السريعة التي يتطلبها الاقتصاد اللبناني وأوّلها المسارعة الى تشكيل حكومة تحوز على ثقة اللبنانيين بها بالدرجة الاولى عبر برنامج إصلاحات فورية وتوقِف الفساد المستشري في مختلف القطاعات والادارات اللبنانية، فهذا الامر سيؤدي تلقائياً الى استعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان ويشجّع المستثمرين للتوجّه مجدداً نحوه.

وبحسب المصادر، فإنّ المجتمع الاوروبي بشكل عام، يؤكد على سلمية التحركات الاحتجاجية، ويشدد على الدولة اللبنانية حماية حق المحتجين بالتعبير. ولاحظت انّ حركة الاحتجاجات تصاعدت في الآونة الاخيرة مع تحركات عنفيّة، وردّت السبب في ذلك الى التأخّر في تشكيل حكومة تتخذ اجراءات حاسمة لإخراج لبنان من أزمته.

وإذ اشارت المصادر الى انّ باريس قدّمت وما تزال، عبر مؤتمر «سيدر»، فرصة للبنان لإعادة إنعاش وضعه الاقتصادي، وحَدّد مجموعة اصلاحات ملحّة تستوجب التحقيق الفوري، لفتت الى انّ المسؤولية ملقاة على الجانب اللبناني الذي تخلّف عن ذلك، رغم الالحاح الدولي غير مرة على المسؤولين في الحكومة اللبنانية.

 

 

 

باريس

الى ذلك، قالت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية أنياس فون دير مول، تعليقاً على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي يمر بها لبنان: «إنّ هناك حاجة ملحّة إلى أن تقوم حكومة جديدة بتنفيذ مجموعة موثوقة من الإصلاحات تلبية للانتظارات التي عبّر عنها اللبنانيون منذ أكثر من ثلاثة أشهر. إنّ فرنسا تنوي، كما هي الحال دائماً، الوقوف الى جانب الشعب اللبناني».

وحول العنف الذي تخللته المظاهرات في لبنان في الأيام الأخيرة وأدى الى سقوط عدد من الجرحى، قالت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية: «تشعر فرنسا بالقلق إزاء العنف الذي شهدته الأيام الأخيرة في لبنان، وتشدّد على ضرورة أن يعبّر عن التطلعات المشروعة التي يطالب بها المتظاهرون بالوسائل السلمية، وتؤكد من جديد تمسّكها بحق التظاهر».

 

 

 

واشنطن

وفي السياق ذاته، يندرج تقرير وارد من واشنطن حيال الوضع اللبناني، ويكشف مسؤول كبير لـ«الجمهورية» بعض مضامينه، فيصنّفها بـ«غير المشجعة»، وخصوصاً في الشق المتعلق بتقييم المؤسسات المالية الدولية لِما بلغه الوضع في لبنان، والذي يُلقي بالمسؤولية بالدرجة الاولى على السلطة السياسية في هذا البلد، والتي تجاهلت كل التحذيرات والنصائح التي أسداها لها البنك الدولي على مدى سنوات.

وفي هذا التقييم، كما يكشف المسؤول نفسه، انّ وضع لبنان اقتصادياً ومالياً يقترب من ان يصبح مرضاً عضالاً، وشبه ميؤوس منه.

وبحسب التقرير، فإنّ امام لبنان مساراً طويلاً جداً لاستعادة حيويته الاقتصادية، وسيزداد وضعه سوءاً مع مرور الوقت، ما لم يُبادر على وجه السرعة الى التصرّف بحزم لتفادي الانهيار الذي يتهدده، والمؤسسات المالية الدولية ما زالت تحثّ اللبنانيين على تطبيق برنامج إصلاحات نوعيّة ومستعجلة.

وفي السياق نفسه، نقلت شخصيات لبنانية من واشنطن عن مسؤولين اميركيين، تأكيدهم انّ الادارة الاميركية تتابع الوضع في لبنان عن كثب، مع التشديد على ان تبادر السلطة اللبنانية الى ضمان سلامة المتظاهرين.

وبحسب ما نقلته هذه الشخصيات، فإنّ المسؤولين الاميركيين يتجنبون إبداء موقف مباشر من رئيس الحكومة المكلف حسان دياب، سواء أكان سلبياً او ايجابياً، الّا انهم يركزون في الوقت نفسه على انهم سيحكمون على الحكومة اللبنانية عند تشكيلها وشروعها في العمل. علماً انّ الادارة الاميركية سبق لها ان نقلت الى المسؤولين في لبنان دعوتها الى تشكيل حكومة تلبّي مطالب الشعب اللبناني، وتلتزم بدفع عجلة الاصلاحات ومحاربة الفساد.

واستخلصَت هذه الشخصيات ممّا سمعته من المسؤولين الاميركيين ان لا مساعدات اميركية مباشرة وفورية للبنان، ذلك انّ مثل هذه المساعدات مرتبطة بما ستقوم به الحكومة الجديدة، إذ انّ هؤلاء المسؤولين يؤكدون على انّ حكومة ذات صدقيّة وقادرة على إجراء إصلاحات حقيقية، من شأنها ان تستعيد ثقة اللبنانيين بها، وثقة المستثمرين وتُعيد فتح الباب أمام المساعدات الدولية للبنان، وثمة تفاهم دولي حول هذه المسألة.

 

 

 

الاجتماع الأمني

الى ذلك، عُقد اجتماع أمني في قصر بعبدا امس، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور وزيري الدفاع والداخلية وقادة الأجهزة الأمنية.

ووصف هذا الاجتماع بأنه «بدل عن ضائع» وقد حاول رئيس الجمهورية عَقده مرتين من قبل من دون موافقة نائب رئيس المجلس رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري. ويُعتبر الأول من نوعه منذ بدء الأحداث في 17 تشرين الاول الماضي. وقال احد المشاركين فيه لـ«الجمهورية»: انّ عون تحدث في بدايته عن الظروف الأمنية التي أعاقت اجتماع المجلس الأعلى للدفاع وأملت عليه الدعوة الى عقده، لافتاً الى ضرورة الإستمرار بالتنسيق القائم بين القادة الأمنيين على جميع المستويات إن على مستوى تبادل المعلومات او الدعم الذي تحتاجه رغم توزيع المهام الأمنية على المناطق المختلفة.

وأضاف: بعدما نوّه عون بتضحيات القوى الأمنية، لفت الى ضرورة الفرز بين المتظاهرين السلميين خلال الاحداث التي وقعت في بيروت وعدد من المناطق اللبنانية وأولئك الذين عمدوا الى تخريب الأملاك العامة والخاصة، داعياً الى متابعة شكاوى الناس وأصحاب المؤسسات المتضررة والتثبّت من هويات «المخرّبين» الذين وثّقت اعتداءاتهم كاميرات التلفزيون المحلية وتلك المنصوبة في الشوارع والمؤسسات.

ثم استمع الحاضرون الى تقارير قدّمها المشاركون في الإجتماع. وتحدثت وزيرة الداخلية فلفتت الى انّ تعليماتها كانت واضحة لجهة حماية المتظاهرين الى حين ممارستهم أي اعتداء على الأملاك العامة والخاصة رغم حجم الإنتقادات التي تعرضت لها القوى الأمنية. وقالت: اتخذنا التدابير منذ ان تعرضت وحدات الجيش في بداية الأحداث للإعتداءات، معتقدة انّ الأمور لن تصل الى الحد الذي بلغته في بيروت، فكانت القوى الأمنية في حال من ضبط النفس غير المتوقعة قبل ان تتفاقم الإعتداءات عليها وتضطر الى الرد بالمِثل.

وعلمت «الجمهورية» انّ رؤساء الاجهزة الامنية قدموا تقارير منفصلة عن المهام التي قامت بها الوحدات كلّ ضمن نطاق عملها بين بيروت ومختلف المناطق اللبنانية، وصولاً الى مرحلة التحقيقات الجارية مع الموقوفين، وخصوصاً اولئك الذين اعتدوا على المصارف والمؤسسات العامة والخاصة في بيروت والمناطق المختلفة.

وتحدثت المعلومات عن وجود اكثر من 60 موقوفاً في المناطق اللبنانية كافة، وهم من «مجموعات منظّمة» تنتمي الى أحزاب مختلفة وغيرهم من مجموعة أخرى مدعومة من مخابرات دولة إقليمية.

وقد أشار مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، في تقريره، الى إصابة قرابة 20% من ضباط وعناصر وحدات مكافحة الشغب وعدد غير قليل من الوحدات الأخرى، فقاربَ عددهم الـ500، لافتاً الى انّ احد العسكريين في خطر نتيجة تعرّضه لضربة من آلة حادة أدّت الى تدمير خوذته المحصّنة، وبلغت الضربة الى حد إيقاع كسر في جمجمته.

وفي نهاية الاجتماع، تقرر اتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية المتظاهرين السلميين، ومنع الاعتداء على الاملاك العامة والخاصة ورَدع المجموعات التي تمتهن الاعمال التخريبية ومحاصرتها، والتنسيق مع السلطة القضائية لتطبيق القوانين. كذلك تقرر تعزيز التنسيق بين الاجهزة العسكرية والامنية لضمان حسن تنفيذ الاجراءات التي تمّ اتخاذها.

 

theme::common.loader_icon