الذكرى السنوية لمأساة «يناير الأسود» في أذربيجان
الذكرى السنوية لمأساة «يناير الأسود» في أذربيجان
أغاسالم شكروف سفير جمهورية أذربيجان في لبنان
Saturday, 18-Jan-2020 06:14

في منتصف ليلة العشرين من شهر كانون الثاني 1990 قامت القوات السوفياتية بالهجوم على باكو من الاتجاهات كافة، بما في ذلك البحر، في محاولة يائسة وفاشلة تماماً لإنقاذ النظام الشيوعي ودحر الكفاح الوطني التحرّري الأذربيجاني. وكان هجوم القوات السوفياتية هذا أمراً غير مسبوق من حيث اعتدائه على مواطنين مسالمين غير مسلحين في أذربيجان السوفياتية، الأمر الذي خلّف موجات من الشعور بالصدمة في كافة أرجاء الجمهورية.

 

وقد شهدت الجمهوريات السوفياتية هجوماً مماثلاً سابقاً لهذا الهجوم، بيد أنّه لم يتخذ ذلك النطاق الذي اتخذه في حالة الهجوم على أذربيجان. ففي باكو، وبحجة «إعادة النظام إلى المدينة»؛ إقتحم الجيش السوفياتي المدينة بوحشية بالغة، محاولاً سحق حركة التحرّر التي كانت تحظى بالتأييد والزخم. وأباد الجيش وسحق بالدبابات والمدافع الرشاشة كل شيء في الأفق.

 

وقد تمّ تنفيذ العملية العسكرية التي أُطلق عليها «الضربة» ضد الحركة المعادية للسوفيات، والمؤيّدة للديمقراطية والتحرّر في أذربيجان، بموجب حالة الطوارئ التي أعلنتها اللجنة التنفيذية الدائمة العليا لعموم الاتحاد السوفياتي ووقّع عليها الرئيس غورباتشوف، وتمّ تطبيقها حصرياً على جمهورية أذربيجان، فرقد قتيلاً في الشوارع أكثر من 130 مواطناً، فضلا عن أكثر من 700 جريح.

 

ولم تكن أوامر ميخائيل غورباتشوف باستخدام القوة ضدّ المدنيين الأبرياء إلّا محاولة يائسة لوقف تفسّخ الحكم الشيوعي في أذربيجان.

 

ومن قبيل السخرية والتناقض التام، أنّ ميخائيل غورباتشوف، رئيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، قد حظي بإعجاب الغرب باعتباره «ديمقراطياً» و»محباً للسلام»، وأنّه رُشّح في تشرين الأول 1990 للحصول على جائزة نوبل بسبب «دوره القيادي في عملية السلام»، وهو نفسه كان مسؤولاً شخصياً عن هذه المأساة وعن قتل الأبرياء من الناس.

 

وقد دافع حامل جائزة نوبل للسلام ميخائيل غورباتشوف عن هذا الغزو، بحجة الخطر الوشيك المزعوم للأصولية الإسلامية في أذربيجان. واستغل بعض المسؤولين الرسميين الآخرين التوتر بين أرمينيا وأذربيجان حول منطقة قاراباخ الجبلية الأذربيجانية باعتبارها حجة لاحتلال البلاد.

 

بيد أنّ وزير الدفاع السوفياتي، ديمتري يازوف، اتسمّ بقدر أكبر من الشرف في مواقفه حين قال: «لقد جئنا لمنع الاستيلاء الفعلي على حكومة أذربيجان من قِبل المعارضة غير الشيوعية، ولمنع إحرازهم الانتصار في الانتخابات الحرّة المقبلة (التي كان مقرّراً انعقادها في آذار 1990) وللقضاء عليهم باعتبارهم قوة سياسية، وتأمين استمرار وجود الحكومة الشيوعية في السلطة».

 

وأشارت منظمة «هيومان رايتس ووتش» (مراقبة حقوق الإنسان) في تقريرها حول الأمر بعنوان «يناير الأسود في أذربيجان»، إلى أنّه «لم يكن العنف الذي استخدمه الجيش السوفياتي ليلة 19-20 كانون الثاني متكافئاً بأي حال مع المقاومة التي أبداها الآذريون، حتى إنّه تحوّل إلى ممارسة للعقاب الجماعي. ولأنّ المسؤولين السوفيات قد أعلنوا على الملأ، أنّ هدف تدخّل القوات السوفياتية هو الحيلولة دون إسقاط حكومة جمهورية أذربيجان التي يسيطر عليها الشيوعيون من قِبل المعارضة غير الشيوعية ذات التوجّه الوطني، فيمكن اعتبار العقاب الذي أُنزل بباكو على يد الجنود السوفيات إنذاراً للحركات القومية ليس فقط في أذربيجان، بل أيضاً للجمهوريات الأخرى للاتحاد السوفياتي».

 

بيد أنّ الغزو لم يحقّق للقيادة السوفياتية ما أرادته، وتحوّل «يناير الأسود» إلى منعطف في تاريخ أذربيجان. فقد بدّد الجيش الأحمر آخر خيوط الأمل لدى الآذريين في إمكانية إصلاح الاتحاد السوفياتي والإبقاء عليه بطريقة أو بأخرى. وتناثرت الدماء على وجه الإمبراطورية السوفياتية من كل رصاصة أُطلقت في شوارع باكو، وأُسقطت معها المُثل الشيوعية. وقد كان من المفترض أن تبث هذه الدبابات والمدرّعات والبنادق الآلية والطلقات النارية الرعب في قلوب الأمة لتتخلّى عن حلمها في التحرّر، ولكن بدلاً من ذلك تسلّح الشعب الآذري؛ بإصرار لم يشهده من قبل؛ على مواصلة مسيرة تحرّره.

 

وفي جلسة تاريخية عُقدت في الثامن عشر من تشرين الأول عام 1991، أصدر المجلس الأعلى لجمهورية أذربيجان بالإجماع، القانون الدستوري «حول استقلال الدولة في جمهورية أذربيجان». وتلى هذا القرار استفتاء وطني في جمهورية أذربيجان في 29 كانون الأول 1991. وضمّت ورقة الاقتراع في هذا الاستفتاء سؤالاً واحداً هو: «هل تؤيّد القانون الدستوري لاستقلال الدولة في جمهورية أذربيجان؟» وصوّت شعب أذربيجان بالإجماع تأييداً لتجديد وضع استقلال الدولة.

 

ولم تقلّل من عزم الشعب الأذربيجاني على بناء بلد ديمقراطي مستقل ومزدهر، فظائع «يناير الأسود»، فضلاً عن الصعوبات السياسية الاقتصادية التي تمتد جذورها إلى الأيام الأولى لاستقلال البلاد.

 

وأصبحت أذربيجان حالياً بلداً يتطور بديناميكية بمعدلات نمو غير مسبوقة. وتحوّلت إلى قائد إقليمي وشريك جدير بالثقة في العلاقات الدولية، بفضل الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية الثابتة والحكم الرشيد والإدارة الفعّالة للبلاد.

 

وفى يوم 20 كانون الثاني من كل عام، يزور شعب أذربيجان «مرقد الشهداء» للإشادة بمن ضحّى بحياته من أجل استقلال البلاد وحريتها وتطورها المزدهر.

theme::common.loader_icon