«حجر الكحل» تأرجحٌ بين صعودٍ وهبوط
«حجر الكحل» تأرجحٌ بين صعودٍ وهبوط
نسرين بلوط
جريدة الجمهورية
Tuesday, 24-Dec-2019 07:01
متأثّراً بالكاتب رحيم عتيقي، يبدأُ الكاتب محمد توفيق حسين قصّته بلهاثٍ مذعورٍ بين أرجاء حجرة جدرانها باردة، وجوّها كئيبٌ ومختنقٌ بالغصّة المحتبسة في قلب أمٍّ تدعى صابرة تضمُّ طفلها عاصم، البالغ 8 أعوام إلى صدرها، بعد أن مات زوجها مصبح زعيم القبيلة، فتكالب عليها أبناؤه الثمانية من زوجته الأولى المتوفاة لطردها من النجع.

مشهدُ الطرد المؤلم يخطّه الكاتب بإحساسٍ عميق، حيث يطغى الذلُّ ولا تفلح محاولات شيخ النجع «الشيخ عثمان» في كبت أحقاد الأبناء وخاصة كبيرهم سعد، الذي يذهب به الغيظ حدّ اتّهام زوجة أبيه صابرة بأنّها زنت، وأنّ عاصم ليس أخيهم الصغير. ويضربها ضرباً مبرحاً عندما تردّ عليه مدافعة عن شرفها، وتأتي ذروة الانفعال عندما تهرع صابرة إلى الساحة منادية القوم كي يغيثوها، فلا تسمع إلّا حشرجة أنينها وحدّة صوتها النافر من دمِ الظلم والأسى. ويُمزّقُ سعد لباس طفلها عاصم ليبقيه في سرواله باكياً مذلولاً مرتجفاً كحفنة قصبٍ تلعب بها الرياح. جميع الأهالي وقفوا صامتين مأخوذين من هول ما يحدث، لم يجرؤ أحدٌ منهم على الاقتراب أو منع الأبناء الحاقدين من النيل من امرأة وحيدة ترمّلت منذ ساعاتٍ قليلة.

 

يأمر سعد أكبر الأبناء، الشيخ عثمان بعد أن صدّه عندما حاول أن يهدّئ من الهجوم الضاري، بأن يعيد صابرة وابنها إلى دار أبيها في القاهرة، لتبقى هناك.

 

العودة

 

رحلةُ العودة المريرة تزدحمُ بالكرب والبلاء، يخلعُ الشيخ عثمان عباءته ليغطّي جسد الطفل المرتجف، وتُصاب خلالها صابرة بالحمى والبرد، وبعد رجوعها إلى أبيها التاجر ينتابها الإعياء الشديد فتسلّم روحها لبارئها بعد أن توصي ابنها عاصم بالانتقام من سعد، حتّى تستعيد كرامتها المنهوبة وهي تحت الثرى.

 

يكبر الصبيّ ليصبح رجلاً غنيّاً راشداً، يرث جدّه التاجر ويوسّع تجارته وتحلّ عليه بركة الرزق السريع الوافر، ويبقى همّه الأوحد الانتقام لنفسه ولأمّه. وقد تقرّب قبل وفاة جدّه من حفيد صديقٍ قديم له، يدعى حسان، رافقه في رحلة طفولته وشبابه، وكان له خير رفيق ومنصتٍ لآلامه وجراحه.

 

يقرّر أن يدخل عالم الفتوات ليصادقهم ويقيم لهم المآدب ويشدّ من أزرهم بماله لمدة 10 سنوات حتى يستميلهم إليه، فيعينونه في رحلة الانتقام، وقد وافق الجميع بعد أن اقترح عليهم أمر الهجوم على النجع ليخلّص ثأره ممّن ظلموه.

 

يرافقه الجميع في موكبٍ حاشدٍ بالخيول والأسلحة، ويذهب معه حسان محاولاً طوال الطريق ثنيه عن عزمه وزرع روح التسامح في قلبه بلا جدوى. في طريقهم، يمرّون بقريةٍ صغيرة يحاول شيخها أن يردعه عن الأخذ بثأره مذكّراً إيّاه بتضحيات الأنبياء ومسامحتهم لمن ظلموهم ولكنّه يبقى معانداً مكابراً.

 

يسلّمه حسان قبل دخوله النجع رسالة موصياً إيّاه بأن يسلّمها الى أخيه سعد قبل أن ينتقم منه الانتقام الأخير، ويدخل عاصم مع الفتوات إلى النجع بعد أن يحرقوها فيهرع أهل القرية لإخمادها ويقع الجميع أسرى لديهم.

 

إخماد نار الثأر

 

يهمّ عاصم بأن يقتل سعد حتى يخمد نار ثأره، ولكن حفيد الأخير الطفل الصغير يتوسّل إليه بأن يسامح ويتسامح، ويتجرّد من الحقد الدفين ويدع برَد المحبة يثلج صدره، في النهاية يسامح عاصم إخوته، ويسلّم رسالة حسان إلى سعد، ليتبيّن أنّ حسان هو ابن سعد من زوجته الأولى التي أرغمه والده مصبح أن يطلّقها ليتزوج من ابنة عمه.

 

المبالغة في الصدف جليّة في الرواية فيرخي الكاتب من خلالها مجذاف الجذب للقارئ ويتركه في حيّز الملل بعد أن يتمادى في الحشو اللامجدي للأحداث، وكأنّه يخال بأنّه كلّما تكاثرت صفحات الرواية، كلّما نجحت وتميّزت، وهذا الاعتقاد خاطئ وساهم في هبوط مستوى الحبكة الدرامي، وتأرجحها بين مدٍّ وجزر، صعودٍ وهبوط، فرغم وجود الكثير من الجماليات الفنية واللوحات المعبّرة في الوصف، إلى أنّه كان بالإمكان أن يختصر الكاتب جولات وصولاتٍ كثيرة لا جدوى منها في القصة، ويشطب عدداً كبيراً من الصفحات المطوّلة فيها، ليخرج حكاية جميلة تتّصف بالتشويق والانسياب الهادئ في النفوس. وقد أفلت منه زمام التحكم في الأحداث والشخصيات خاصة بعد الجزء الأوّل من الرواية، عندما يكبر عاصم، وكأنّ همَّ الكاتب في التفاعل مع تدرّج الأحداث قد كبر معه، وتآكلته الحيرة في السلوك اللازم لتصعيد السرد، فوقع في تطويل وشرح وتفسير لا طائل منها.

theme::common.loader_icon