«رجوع الموجة».. قصة بديعة في قالبٍ غربي
«رجوع الموجة».. قصة بديعة في قالبٍ غربي
نسرين بلوط
جريدة الجمهورية
Wednesday, 18-Dec-2019 06:21

تنتفضُ مي زيادة بعزم الأنثى مدركةً أنّ الهوى يمتلك شغاف القلب متدثّراً بغلالة التضحية والوجد، وتمتثلُ لأوامر الوله الذي تجرّعته من خلال قصة حبّها للأديب جبران خليل جبران، لتنطلق منه إلى عالمٍ متوارٍ وراء ستار المثالية والترابط الأبدي بين قلبين شُغفا ببعض وآلت قصّتهما للزوال، ولكنّ نبضها بقي حيّاً متحيّناً فرصة للتلاقي من جديد.

تلتفُّ الكاتبة في روايتها «رجوع الموجة»، حول نيرانٍ مضرمةٍ تضطرمُ من الماضي، ملتفّتةً للحنين المنبعث من صدر بطلتها الفرنسية «إيفون»، التي تُرغم على ترك زوجها ألبير وهو من عشقته عشقاً لامحدوداً، بعد وفاة ابنتهما إيفون، بسبب علمها بخيانته مع أعزّ صديقاتها.

 

شلل الصدمة

تشلّها الصدمة وتتهاوى في جرحها مكابرةً بالفراق على تلك الخيانة الآثمة المريرة، معلنةً الهجر والإنفصال، رغم محاولات زوجها الكثيرة لإقناعها بالعدول عن قرارها. وبتشجيعٍ من أمّها، تردمُ الماضي بأنّات الوجع السحيق، وتترك ألبير بعد أن أشبع روحها الناصعة طعناً ومهانة بسبب خيانته التي لم تتوقّعها يوماً، وهو الزوج والحبيب والأب لابنة رحلت. تتزوّج بعد إلحاحٍ من والدتها بابن عمّها روجر، الذي أحبّها منذ نعومة أظافرها ولطالما سعى لنيل رضاها، ولم يتوانَ عن التقرّب إليها عندما علم بطلاقها، ثم تُنجب منه ابنهما مكسيم.

 

لم تنسَ إيفون رغم مرور احد عشر عاماً أن تزور ابنتها ايفون باستمرار لتضع الزهور على قبرها الصغير، وتسقيه بدموعها وابتساماتها المنبعثة من ذكرياتٍ جمعتها معها ومع أبيها. وفي إحدى هذه الزيارات، يحضر ألبير فيرتمي عند قدميها لدى رؤيتها، ويتوسّل إليها أن تعطيه فرصة أخرى، فقد ندم أشدّ الندم على أنّه خسرها في الماضي ولم يحسب للوفاء حساباً، وعلّل هذا بأنّها كانت تلتحفُ غائبةً بسوداوية قاتمة بعد موت ابنتهما، فكرّهت إليه الحياة وجعلته يتلمّس السعادة والنشوة عند غيرها، ولكن حبّها لم يضمحّل في قلبه، بل إنّ نشوبه بين ضلوعه يزدادُ توهّجاً كلّ يوم، ملحّاً عليه بذكراها.

 

انتقام من خيانة

تتزعزعُ ثقة إيفون في قرارها الذي اتّخذته عند زواجها من روجر، مدركةً أنّها ما فعلت هذا إلاّ لتنتقم من خيانة ألبير لها، متيقّنةً بأنّ غرامها للأخير ما زال مندسّاً بخبثٍ في طيّات فؤادها. تحاولُ أن تلجم مشاعرها فلا تستطيع، وتستمرّ في زيارة المقبرة حتى تلتقي بطليقها الحبيب، وتتنسّم أخباره وطيفه الذي يزدادُ دنوّاً منها.

 

يأخذها زوجها روجر في رحلة سفرٍ ذات يوم تستمرّ شهراً كاملاً، بعد أن لمح ألبير في الطريق فقرّر أن يشغلها حتى لا تنشغل به، وبعد وقتٍ قليلٍ من عودتها، تعلم أنّ ألبير ينازع وفي الرمق الأخير، فتترك طفلها الرضيع بين يدي أمّها وتهرعُ لتمرّض حبيبها وتسهر على راحته، رافضةَ العودة إلى المنزل وهو في تلك الحال المزرية الرديئة.

 

يتفهّم روجر قرارها ويرسل أمّها لمساعدتها في العناية بألبير، مضحّياً بحقوقه كزوج وأب في سبيل رضاها. يلفظ ألبير أنفاسه الأخيرة بين يديها، وتعود هي بعد دفنه إلى زوجها وطفلها وبيتها كسيرة النفس، مقدّرة موقف زوجها الأخير تجاه انسانٍ يحتضر، وتستمر الحياة.

 

أنفاس غربية

مي زيادة كاتبة متمرّسة ضليعةٌ في خبايا اللغة العربية، ترسمُ دوائر الدهشة حول الترابط المتين في عباراتها ووصفها وتحويرها للحدث، وقد كتبت هذه الرواية بأنفاسٍ غربية تكادُ تميلُ إلى فن الرواية الفرنسية بتصويرها للميلودراما الإنسانية والعاطفية والكلاسيكية السائدة في تلك الأيام، مع المبالغة في الوصف الجوهري للقلوب، فتحكي قصة حب عاشتها هي بعذرية متكاملة مع الأديب جبران خليل جبران، ولكنّها ترويها في قالبٍ عاطفي عائلي بحت، وقد صوّرت تلاحق الأنفاس الضائعة جرّاء فقدان الحبيب، والمأساة التي تعرجُ على منعطف الغياب الطويل.

theme::common.loader_icon