نغم حيدر: آراء القرّاء لا يمكن أن تحلّ محلّ النقد
نغم حيدر: آراء القرّاء لا يمكن أن تحلّ محلّ النقد
كه يلان محمد
جريدة الجمهورية
Tuesday, 10-Dec-2019 06:10
يصحبُ عملية الكتابة قلق وهواجس، وقد يتصاعدُ التوترُ أكثر مع كتابة الرواية، لأنَّ تأسيس العمل الروائي يتطلّبُ وعياً بأدوات الصنعة ودرايةً بتشكيل المادة المحكية وفق برنامج ترفده الخلفية المعرفية. وهذا ما يكرّسُ هوية النصّ وخصوصيّته عن تجربة الكتابة، وما يُضيفهُ النصّ المترجم إلى فضاء الروائي العربي.

كان لـ«الجمهورية» حوار مع الكاتبة السورية نغم حيدر، حيث صدرت لها «أعياد الشتاء» عن دار أنطوان.

• كيف كانت علاقتكِ بفنّ الرواية قبل الشروع في كتابة نصّكِ الروائيّ الأوّل؟
- كنت مدركةً تماماً أنني أنتمي الى هذا العالم ومتيقنة أنّ الكلمة هي مدخلي إليه. اهتمامي الأول كان الشعر نشأت بيني وبين الشعر علاقة أستطيع وصفها بأنّها تدخّلت في تكويني وفي قدرتي على مواجهة العالم وتصنيع الخيال. كنت أشعر أنّ الكلمة امتداد لي وارتبطت بها بشكلٍ شخصيّ جداً. أستعذب البلاغة وأُسحر بقافيةٍ متينة حتى تتسارع دقات قلبي كأنني أخوضُ مغامرةً مثيرةً، ثمّ اكتشفت أنني راغبة بوصف كل شيء من حولي بكلّ الأساليب والاحتمالاتِ الممكنة وأن هناك عالماً مُشرّعاً في ذهني غنيّاً ومُفصّلاً وضخماً ولن أهدأ قبل أن أدوّنه. أستطيع القول أن الخيّال أرّقني والكلمة حاصرتني فشرعتُ في الكتابات الأولى. لم تكن تجاربي مع القراءة في البداية موجّهةً بل كنتُ أقرأ كُلّ ما وقعت عليه يدي إلّا أنّ تزامنها مع الكتابة جعلني أكثر وعياً و إدراكاً لتعدد الأنماط السردية وتناول الشخصيات وأصبحتُ أكثر انتباهاً وبحثاً في كلّ ما أقرأ.

• هل تأثرتِ في تجربتكِ الأولى بأعمال معينة أو صادفتِ حدثاً شعرت بأنَّه لا يمكنُ التعبير عنه إلّا في الشكل الروائي؟
- أذكر جيداً تأثّري برواية الحب في زمن الكوليرا لماركيز وبقاء مشهد راية الوباء المرفرفة فوق السفينة حاضراً في ذاكرتي لوقتٍ طويل. ما جعلني أُفتن بالأدب أنّه لا يعرف المستحيل و لا يمكن لأيّ حالةٍ أو واقعةٍ أن تستعصي عليه. يمكن للأدب أن يتمدد إلى ما لا نهاية. هو حالةٌ ذهنية حرّة لا يمكن لجمها أو تقييدها. كتبتُ الرواية الأولى في عام 2013 و كنت وقتها أمرُّ بحالة صحوة و تساؤل عن كلّ ما يعنيني كأنثى في عالمنا العربي وفي المجتمع السوري تحديداً وأثارت فضولي الشخصيات المهمشة المتعايشة مع الظلم بكلّ أشكاله وشعرتُ أنّ الأدب يمكن أن يصل إلى تلك الزوايا الحالكة والتفاصيل اليومية المردومة في البيوت فينبشها. ومع هذا فإنني لا أحبّذ وصف الأدب بأنّه أحد أشكال التعبير إذ أنه في ذهني بلا شكل أو هيكل ويمكن أن يكون لا تعبيرياً عبثياً وغير موجه أو مُحملٍ برسالة ما. تواجده يكفي ليمنحه معنى.

• يرى بعض النقاد أنَّ الرواية الأولى عبارة عن استعادة للتجربة الذاتيّة وسُمّي هذا النوع رواية التكوين، إلى أيّ مدى يتمثلُ عملكِ الأول لهذا التوصيف؟
- هذا احتمالٌ قائم ويمكن بالطبع للرواية أن تكون إعادة رؤيا أو إعادة تصوير الكاتب لتجربته. عين الكاتب تبقى عينه أمام العالم المتغير وبالتالي لا بدّ أن تشترك أعماله ولو بمقدارٍ ضئيل بأثرٍ من تلك النظرة. هناك في المقابل تحدٍّ جميل يضع الكاتب نفسه فيه حين يكتب عن شخصيةٍ مغايرةٍ له فيتقمّصها ويتلبّس أفكارها حتى أنّه يتحدّث بنبرة صوتها و هذا ما حصل معي تماماً. وفي بعض الأحيان كنت أشعر أنّ تجرتي الذاتية وحتى فهمي لها يتشكّلان معاً أثناء الكتابة إذ أطلّت مشاهد من الماضي كنت أظنّ أنني نسيتها ووجوهٌ وأحداث لم أتخيّل أنها قد تبقى وتحرّك دفّة القلم.

• هل تعتقدين أنّ الحراك النقدي مواكب لما يُسمّى بالتضخم الروائي، وماذا يخسر النص الإبداعي في غياب النقد؟
- إن سلّمنا بأنّ لكلمة التضخّم هنا معنىً سلبيّاً وأنّ هذه النتاجات الروائية هي فورة وجعجعة بلا طحينٍ فإنّ السبب الأساسي هو غياب الحركة النقدية المواكبة للتغيّرات الحاصلة في الآداب والفنون. الفكر النقدي ليس عنصراً أساسياً غائباً فحسب بل تمّ تشويهه و تقزيمه إلى مقالاتٍ قصيرةٍ أو مراجعات تعريفية بالكتب لا أكثر. أمام هذا الوابل الكتابي و انهمار الكتب و الأسماء الجديدة أتساءل لمَ لا يؤخذ هذا النتاج على محمل الجدّ. على مدى العشر سنوات الماضية - وتعتبر هذه فترةً ساخنةً في تاريخنا مليئة بالتحوّلات و التغييرات الجذرية على مدىً قصير و بتسارعٍ شديد - هناك العديد من الأعمال التي حملت أفكاراً مختلفة ومجدّدة في طريقة تناول القضايا المرتبطة ببلداننا وظهرت أقلام أعتبر أنها مهمة جداً في القصة القصيرة كما في الرواية، من الضروري احتواؤها و تزامنها مع حركة نقدية واعية. مراجعات الكتب وآراء القرّاء شديدة الأهمية لكنها لا يمكن أن تحلّ محل النقد الموضوعي الذي يفكّك النص و يبحث في عمقه و أبعاده و شخصياته. الأمر ليس صعباً قد يكون عبارةً عن جلسةٍ بين عدد من الكتاب والمهتمين ونقاشاً جميلاً وثريّاً عن كتاب ما. أؤمن بدور العمل الجماعي في الكتابة ولا أتعلّق كثيراً بفكرة العزلة الخالصة في كلّ مراحلها. لمست هذا من خلال مشاركتي بمحترفات الكتابة للروائية نجوى بركات. كان للاطلاع على نصوص الآخرين ومتابعة الأيدي وهي تمسك الأوراق أو الشفاه وهي تقرأ بتردد ما كتبت في الليلة الماضية: «أثرٌ في نفسي جعلني أدرك أنّ علاقة الكاتب مع نصّه مركّبة و ضبابيةٌ أحياناً و سيسعده حتماً أن يُبعد الآخرون بتعليقٍ أو كلمةٍ ما بعض السحب المتكاثفة فوق الفكرة فيصبح قادراً على تمييزها.

• الأ تعتقدين بأنّ معرفة القراء بالأدب العالمي من خلال الروايات المترجمة تحدياً للروائي العربي ؟
خلال فترة إقامتي القصيرة في البرازيل كنت أتحدث هناك الى أصدقائي المهتمين بالأدب عن الكتاب البرازيليين الذين قرأت لهم أعمالهم مترجمةً إلى العربية وأذكرُ اندهاشهم من وصول تلك الأسماء إلينا بالرغم من وجود أعمال لكتّاب آخرين تضاهيها في المستوى الفني والأدبي وحتى طريقة تناول الحياة والثقافة البرازيلية تحديداً. انتشار بعض الأعمال ووصولها إلينا لا يعني جودتها وبالمقابل بقاء بعض الأعمال العربية مركونةً في الظلّ بعيداً عن الترجمة أو الاهتمام أيضاً لا ينفي جودتها وجمالياتها. لا أحبّذ هذه المقارنات ووضع الأعمال الأدبية في خانات وتقسيمات. تأتي الأعمال متأثرةً بالظروف والبيئات وهذا يعني أنّها جميعها عبارة عن خيوط دقيقة ضمن النسيج الأدبي ككلّ، وكُلٌّ يشارك بلونه الخاص. أرى أنّ التحدّي الوحيد الذي تحتاجه الكتابة في كلّ وقت هو الجرأة على التجديد والابتكار أمّا المقارنات فلن تكون حافزاً بل قد تزيدها تشتتاً تصنّعاً.

theme::common.loader_icon