«محال» صدى أجوف لتاريخ قريب
«محال» صدى أجوف لتاريخ قريب
نسرين بلوط
جريدة الجمهورية
Monday, 09-Dec-2019 06:41
في حضرة الرعب يكتب يوسف زيدان حلقة الموت بأسلوب محشرج بالتنقل البطيء بين الحبّ والظلم والإرهاب، مجحفاً في حقِّ أبطاله الذين اختارهم لإبراز أفكاره لا أكثر، فحصرَ دائرةَ الفهم التنويري في خاصرة ضيّقة، لا تُحزم بالمنطق والتسلسل البديهي للأحداث.

رواية «محال» انشقّت من وحي الحرب الأخيرة التي تدخّلت فيها القوى الخارجية في إرادة الأوطان العربية. تروي قصة شاب، غامَر بأن يترك موطنه الأصلي السودان، ليعمل مرشداً سياحيّاً بين أسوان والأقصر، يتعرّف خلالها الى طالبة جامعية من الاسكندرية تأخذ بمجامع قلبه وتأسره بعطفها، فيقع في عشقها، ويختلف إليها في زيارات عديدة، تأخذنا إلى حَيز الرتابة والحشو، مجتهداً في إبراز عنصر الرومانسية والحيرة عند الفتاة التي تلحّ عليها زوجة أبيها بقبول عريس ليبيّ الجنسية وتقيم معه الأخيرة علاقة مريبة، يعمل في المخابرات الليبية، من أجل ماله ونفوذه. يبلغ بها التمرّد حدَّ أن تهب جسدها لحبيبها السوداني وتحمل منه من دون علمه، ولكنها تضطرّ الى أن تتزوج العريس الليبي تحت ضغط مرض أبيها.

تنقطع الاتصالات بينه وبينها بعد إصرار مُلح من قبله للتواصل معها، إلا أنّها تختفي، ويعود إلى السودان بعد أن أُنهيت إجازة عمله من الاقصر، لأسباب مجهولة، ويتعرّف في قريته الى اسامة بن لادن الذي على ما يبدو ينال عطفاً خفيّاً في تصوير الكاتب الوصفي لشخصه من خلال الرواية، ولكنه يسمع أنه رُحّل منها بعد فترة قصيرة، رغم أعمال الخير الكثيرة، بحسب تعبير الكاتب، التي قام بها للشعب السوداني هناك!.

لا ترابط

بعدها، يبحث عن رزقه محطّماً كئيباً في دولة الامارات، حيث يتعرف الى ناشط سوري يدعى فواز يجنّده بلا إدراك منه ويزوّجه سرّاً من فتاة من أوزبكستان، ثم يؤمن له عملاً كمصوّر في قناة الجزيرة الفضائية، لترسله القناة لتغطية أحداث الغزو الأميركي لأفغانستان في عام ٢٠٠١، فيقع في الأسر، ويرحّل بطائرة حربية أميركية إلى سجن غوانتانمو الشهير برهبته القاتمة، بتهمة الانتماء الى القاعدة، ولا يُمنح فرصة الدفاع عن نفسه.

اللاترابط والقفز الممل من قصّة حب يقضيها البطل في القطارات، ثم انغماسه في عمل يجرّه عليه الويل من حيث لا يدري، والتمادي في تصوير اللانهايات، ضعفٌ طاغ في الرواية، وخلط محوريّ بين الارهاب والأحباب، فلم يستطع أن يصدر قصة رومانسية منسوجة على خطوط واهية من الخيال الرقيق، ولم يفلح في إدراك التعسّف الطاغي لحجم الارهاب الذي ألمّ بأواصر دول العالم الثالث.

تجويف أخرق

التجويف الأخرق في الحبكة ينضح بما فيه من تسرّع وعدم تركيز في نسج التقارب الضمني للسرد، حيث يظهر مليّاً وكأنّه يضع فكرة ثم يغيب عن مجرى أحداث الرواية ليتذكّرها بعد حين، ويعود ليصبّ فكرة جديدة لا رابط لها بالفكرة القديمة.

لعلّ الرواية لم تلبّ الحدث ولا نقاط الإثارة المطلوبة لشدّ المخيّلة، وقد تجرّدت من روح الفضول، والشرح المملّ المتكاثف من دون معنى، ففقدت الحجاب الآسِر للمغزى، ويظهر زيدان فيها في صورة مدافعٍ عن الجماعة الإسلامية بأسلوب مبطّن ومُغالٍ في التواري، ولم تقدّم في فحواها شيئاً إضافيّاً للرواية العربية، وقد رَست في تقتير في الذاكرة من غير أن تبقى فيها، وهو ما ينمّ عن فشلها في تبيلغ الرسالة أو إثارة الحسّ الإنساني لقرّائها.

يوسف زيدان كاتب متفنّن في الوصف، يتقن حياكة الجمل، ولكنّه أخفق في روايته «محال» لعدم التحديق الملي في ثنايا معالمها، فلم نكتشف معه عالماً يشدّنا إليه، أو ننبش من خلاله ما يُخفى على البديهة، وكما قال رولان بارت: «اللسان والأسلوب هما قوة عشواء، أما الكتابة فهي فعل تضامن تاريخي». 

theme::common.loader_icon