المراهقة... والسرقة
المراهقة... والسرقة
د. أنطوان الشرتوني
جريدة الجمهورية
Friday, 06-Dec-2019 06:45
خلال مرحلة المراهقة، قد تكون السرقة من المشكلات الشائعة التي يعاني منها الشابّ أو الشابة. ونلاحظ خلال هذا العمر أنّ المراهق يتأثر كثيراً برفاقه. فإذا أقدموا على أفعال غير سويّة، سيقوم بالمثل. إنّ سرقات المراهقين الأكثر شيوعاً هي سرقة المال من محفظة أحد الوالدين، أو سرقة من المتاجر الكبرى مع أصدقائه، خاصة الثياب أو أقراص الـ»سي. دي» أو الـ»دي .في .دي» وغيرها من الأمور... وتكون السرقة هنا نوعاً من التحدي مع أصدقائه المراهقين الذين يتحدّون شجاعة صديقهم. وعادة يجب معرفة الأسباب التي دفعت هذا الشاب إلى اقتراف هذا الفعل، هل هي أسباب نفسية؟ اجتماعية أو فقط تقليد أو لفت نظر؟ ولكن ما دور الأهل في هذا الخصوص؟ وهل للمدرسة دور في معالجة السرقة عند المراهق؟

يمرّ كثير من الشباب المراهقين بمرحلة في حياتهم يتحدّون فيها كلّ المبادئ الاجتماعية التي كانوا قد تعلموها خلال مراحل طفولاتهم. ويهلع الكثير من الأهل خائفين على مستقبل طفلهم. فيلجأ الوالدان إلى الأختصاصي النفسي أو إلى الكتب المتخصصة لهذه المرحلة العمرية الدقيقة للتثقيف الذاتي. ونسمع الأهالي يعبرون أن طفلهم المراهق أصبح شخصاً جانحاً و»منحرفاً» إجتماعياً. طبعاً لا يمكن التخفيف من حديّة تلك التصرفات التي يمكن أن تؤدي إلى الكثير من المشاكل عند المراهق ولكن في الوقت نفسه يجب فهم سبب تصرفات المراهقين تلك.

علم النفس التربوي والسرقة
كما ذكرنا، لا يجب الهلع عندما يكتشف الأهل أن طفلهم المراهق سرق، ولكن لا ينبغي الاستخفاف بهذا التصرف غير المقبول إجتماعياً. ويمكن تحديد أنواع السرقة عند المراهقين بحسب علم النفس التربوي بالأنواع الآتية:

- سرقة التحدّي: نجد هذا النوع من السرقة عند الكثير من المراهقين، حيث يتم من خلال نوع من التحدي فيما بينهم. ومن خلال هذه السرقة، يشعر المراهق بالعظمة وبالقوة. ونجد هذا النوع من السرقة عند المراهقين المقموعين في بيوتهم، وبين أهلهم.

- السرقة المرضية وسببها هو إضطراب في التكوين النفسي عند المراهق، حيث لا يمكنه أن يسيطر على نفسه لكي لا يسرق أشياء لن يستعملها أبداً. فدافع هذا النوع من السرقة هو مرضيّ وتجب متابعة المراهق عند طبيب نفسي وعند أختصاصي نفسي.

- السرقة الاقتصادية وتعني أن المراهق يتحوّل إلى سارق محترف جانح، يسرق أدوات ثمينة وعادة يتعلم طرق السرقة. وطبعاً هنا نتكلم عن مشاكل سلوكية ومشاكل مع القانون.

أسباب السرقة عند المراهق
في بعض الأحيان، لا يدرك المراهق خطورة فعلته، بالرغم من متابعة الأهل له أو مساعدة المدرسة له أيضاً. ولكن أكان مدركاً أم غيرَ مدرك، فإنّ أسباب السرقة عند المراهق تختلف بإختلاف المواقف. وتتلخّص بالنقاط الآتية:

أولاً، بعض المراهقين لا يمكنهم ضبط أنفسهم من الحصول على شيء يرغبون فيه بشدّة، ويرجع ذلك بسبب تربية غير سوية، فيلجأ إلى السرقة.

ثانياً، بعض المراهقين يسرقون منتظرين ردّة فعل الإعجاب من الأصدقاء. وعادة خلال مرحلة المراهقة، يقلّد الطفل أصدقاءه ويظهر لهم شجاعته، لذا يسرق فقط لإثارة الإعجاب عندهم بأيّ حيلة. كما يسرق المراهق أشياءَ لا يحتاجها فقط بهدف التباهي بقوّته.

ثالثاً، الشعور بالراحة وليس الشعور بالقلق: قد تنمّي السرقة شعوراً بالقلق عند المراهق بعد اقترافه الفعل. ويجد الكثير من المحللين النفسيين أن السرقة ليست سوى نقصاً في العاطفة عند المراهق وعدم إكتراث الأهل به. وبمجرد السرقة، يشعر بإرتياح كبير، وكأن السرقة ستكون نوعاً من التعويض حيث يحاول المراهق ملأه بارتكاب السلوكيات السيئة.

رابعاً، وبشكل بسيط، وفي بعض الأحيان يسرق المراهق بسبب الحرمان وعدم إشباع حاجاته (الحاجة إلى الأكل تؤدي إلى سرقة الخبز مثلاً أو سرقة مصروف زميله ليشتري شيئاً يأكله). لذا على الوالدين عدم التقصير بتزويد ابنهما المراهق بما يحتاجه من طعام ومصروف يوميّ.

طرق تخطّي السرقة
بما أنّ السرقة مشكلة أخلاقية واجتماعية ونفسية، فعلى الأهل مساعدة أطفالهم لتخطّيها وإنّما بهدوء. «فيمكنكم الانفعال عندما تكتشفون سرقة طفلكم، ليعيَ بأنّ السرقة أمرٌ مشين ومرفوض، وإنما بهدوء».

كذلك، يشدِّد علماء النفس على أنّ من واجب الأهل أيضاً أن يأخذوا في الاعتبار أنّ المراهق قد لا يكون واعياً للعمل الذي قام به، وتقع عليهم مسؤولية مساعدته في التعرّف الى مبادئ الحياة الأساسية، كالتأكيد له على وجوبَ عدم أخذ أيّ غرض من «السوبر ماركت» قبل دفع ثمنه.

كذلك، وعلى رغم استياء الأهل من السرقة، غير أنّ عليهم الابتعاد عن ردود الفعل الدرامية وبالتالي عدم معاملة طفلهم كأنّه مجرم. لذلك، «لا تصِفوه بالسارق، وامتنعوا عن مناداته بالألفاظ التي تعزِّز فيه هذا السلوك السيّئ. وحاولوا تصحيحَ سلوكه إما عن طريق إعادة ما سرقه، أو من خلال الخدمة الاجتماعية أيْ التعويض المالي أو المعنوي كإعطاء لعبة من ألعابه لأحد الأطفال المحتاجين».

أما إذا رفض التعويض وإعادة ما سرقه، فعندئذٍ يمكن فرض عقوبة «تربوية» عليه، يتعلّم منها درساً يجعله لا يعيد الكرّة. ومن تلك العقوبات نذكر مثلاً منعه من الخروج في عطلة نهاية الأسبوع أو سحب بعض الامتيازات التي تمثل له متعة شخصية.

كما يجب أن لا ينسى الأهل النقاط الآتية:

- طفلهم المراهق يراقبهم ويتعلّم من تصرفاتهم. لذا التصرفات السوية للأهل تكون قدوة صالحة للشاب المراهق.

- إستعادة الثقة بين الأهل والشاب من خلال التشجيع المستمر والتفسير المستمر للسلوكيات المقبولة بعيداً عن «دروس الأخلاق» التي يكرهها المراهق وبعيداً من منطق الترهيب والتهديد والتخويف.

- في حال لم يتوقف المراهق عن السرقة، فعلى الأهل استشارة أختصاصي نفسي.

theme::common.loader_icon