تفسير مبدأ الديمقراطية لأطفالنا
تفسير مبدأ الديمقراطية لأطفالنا
د. أنطوان الشرتوني
جريدة الجمهورية
Friday, 29-Nov-2019 06:18
من المبادئ الاساسية التي يتعلّمها الطفل منذ صغره هو مبدأ الديمقراطية. وعندما نتكلم عن مبدأ الديمقراطية وتفسيره للأطفال، هذا يعني أنّ الأهل يلقنّون أطفالهم هذا المبدأ من خلال نشاطات ومعلومات بسيطة. وكلما كبر الطفل، كلما تعلّم واستوعب أكثر وأكثر هذا المبدأ الأساسي في حياته المستقبلية. والديمقراطية، بالرغم من صعوبة لفظ هذه الكلمة عند الطفل، يمكن إستبدالها بجمل بسيطة منها: حرّية التعبير تجاه الآخر مع إحترام حرّيته، إحترام الآخر مهما كان مختلفاً عني، إصغاء للآخر والعكس صحيح...

ليست المدرسة هي أول مكان يتعلّم فيها الطفل هذا المبدأ، بل في منزله، حيث يشهد علاقة أبيه مع أمه وطريقة تعاملهما مع بعض. ومن هذا الموقف يبدأ الطفل تكوين مبدأ الديمقراطية وإحترام الآخر في عقله. فكيف يمكن للأهل تفسير هذا المبدأ للطفل؟ وكيف يمكن للمعلمة في الصف أن تلعب دوراً أساسياً في تلقين تلامذتها الصغار هذا المبدأ؟ وما هي النقاط الاساسية التي يمكن إتباعها لتفسير مبدأ الديمقراطية عند الطفل؟
هناك مبادئ كثيرة يمكن أن يتعلّمها الطفل في بيته، بين أهله. كما هناك مبادئ أخرى يمكن أن يتعلّمها في مدرسته بين رفاقه في الصف ومع معلمته، مثل مبادئ الحساب وقراءة الساعة والمبادئ العلمية. ولكن مبدأ الديمقراطية، بالرغم من صعوبة تفسيره، يبدأ الطفل بإكتساب خصائصه في منزله. فيتعلّم إحترام حرّية الآخر وكلام أهله، وإطاعة الأب والتحدث عن مخاوفه مع أمه ومشاركة الحديث مع والديه منذ صغره. وللأهل دور أساسي في تشجيع الطفل على القيام بهذا النوع من «النشاطات» التي تساعده في فهم مبدأ الديمقراطية، وبدء تطبيقها بشكل غير واعٍ في حياته اليومية. ففي البيت الذي يعيش فيه الطفل، إذا لم يحترم الاب والأم بعضهما البعض، لن يحترما بالطبع مشاعر الطفل وأحاسيسه ومتطلباته. في هذه الحالة، لن يستطيع الطفل إستيعاب مبدأ الديمقراطية التي تبدأ عن طريقة تربية الأهل للطفل في عائلته. فلا يمكننا أن نسلخ العائلة من الدولة، لأنّ العائلة ليست سوى جزء مصغّر عن الدولة. فبنفس الطريقة التي تتعامل العائلة مع الطفل، سيتعامل هو مع الآخرين.

كيفية تفسير مبدأ «الديمقراطية» للطفل في المنزل
بالرغم من صعوبة تفسير هذه الكلمة لاطفالنا الصغار، يمكن أن نبدأ بتفسير «الديمقراطية» لطفلنا في المنزل إبتداءً من عمر الثلاث سنوات. أما الأطفال ما قبل هذا العمر، يمكن أن يفهموا الديمقراطية من خلال التصرفات التي تترافق وهذه الكلمة: كإحترام الآخر، وسماع متطلبات الآخر، وتحمّل المسؤولية (الأب والام)، والتصرّف بعدل واعتدال، والإهتمام بالآخر... وغيرها من المفاهيم الاساسية لتفسيرات هذا المبدأ. أما بالنسبة للأطفال الذين تجاوزوا الثلاث سنوات، فطبعاً من المستحب أن نبدأ بتفسير الديمقراطية من خلال جمل بسيطة وكلمات محببة على مسمع الطفل. مثلاً يمكن تفسيرها من خلال الجملة التالية: «الديمقراطية هي حرّية التعبير دون خوف ويعني ذلك، إذا أسأت معاملة أختك، يمكنك أن تخبرني دون أن تخاف. ولكن يجب أن تعرف بأنني سأساعدك كي لا تقترف هذا الخطأ ثانيةً».
مثال ثانٍ لتفسير أوضح للطفل عن الديمقراطية: «إذا سرقت شيئاً معيناً أو كذبت حول موضوع ما، يجب إخباري دون أن تخاف وأنا سأساعدك لحل مشكلتك، وأولاً بإسترجاع الشيء المسروق أو الإعتراف بالكذبة التي قلتها. وانا سأستمع لك، لكي لا تقترف هذا الخطأ ثانيةً».

تفسيرات المعلمة لمبدأ الديمقراطية
مسؤولية المعلمة في تفسير مبدأ «الديمقراطية» للتلامذة لا تقلّ شأناً عن مسؤولية الأهل. فالمربي في الصف وفي مختلف المراحل التعليمية، يجب أن يكون جاهزاً لتقديم التفسير المناسب لهذه الكلمة التي سترافق الطفل مدى حياته وستؤثر على علاقاته المستقبلية.
- في المرحلة الإبتدائية، يقتصر دور المعلمة في تفسير «مبدأ الديمقراطية» من خلال جمل بسيطة، كإحترام الآخر، واهمية حرّية قول ما يشعر به الطفل، وإحترام الرفاق في الصف وخارجه، وتنظيم العلاقات مع الأصحاب خارج الصف. وعلى غرار الأهل، تقوم المعلمة بعدة نشاطات يمكن أن تحفّز عند التلميذ الصغير هذا المبدأ خصوصاً إذا لم يتعلّم «الديمقراطية» في منزله، حيث يكون أحد الوالدين متسلّطا و»ديكتاتورياً» تجاه مختلف أفراد العائلة.
- في المرحلة المتوسطة، يبدأ الطفل بإستيعاب هذا المبدأ وبتعلّم كيفية كتابة الكلمة وقراءتها في نصوص القراءة والقصص وكتب مادة التربية المدنية. ويمكن للمعلمة أن تفسّر الجانب «السياسي» لهذه الكلمة. فيمكنها مثلاً أن تقول:
الديمقراطية هي مبدأ سيادة الامة، حيث يكون الشعب والسلطة كياناً واحداً، يعمل لخدمة مصالح الشعب. ويشعر المواطن في النظام الديمقراطي بكيانه، أي يكون شخصاً مستقلاً، ولكن الدولة كلها تهتم بمصلحته وترعى احتياجانه. ومن أهم ما يشعر به المواطن الذي يعيش في دولة ديمقراطية هو الإنتماء. كما بمقدور المواطن أن يخبر عن آرائه دون خوف أو هلع.
- في المرحلة الثانوية، يمكن أن يفسّر المربي بشكل مفصّل عن الديمقراطية وأهميتها في حياة الإنسان. كما يمكن أن يتطرّق الى موضوع الإنتخابات التي هي شكل من أشكال الديمقراطية. ويمكن للمربي أن يفسّر الديمقراطية على أنّها نوع من تنظيم علاقة الدولة مع دول أخرى دون تأثير واحدة على أخرى.
بعض الملاحظات للأهل والأساتذة
حول الديمقراطية
• ساعدوا الأطفال في التعبير عن آرائهم. فالتعبير عن الأفكار هو نمط من أنماط الديمقراطية.
• الإبتعاد عن الغضب والعصبية وطبعاً العدوانية اللفظية.
• التكلم الإيجابي عن البلد لخلق نوع من الإنتماء العاطفي للوطن لدى الطفل.
• تعليم الطفل كيفية الإهتمام بالآخرين وتفسير أهمية الاصغاء ومساعدة الآخرين (معنوياً قبل مادياً)
• ليكن الأهل والأساتذة نموذجاً يحتذي به الأطفال والتلامذة والمراهقون.
• التكلم مع التلامذة والمراهقين عن أهمية السيادة وإحترام الآخر مهما كان شكله ودينه ومعتقداته... وعدم القبول بأن يتدخّل بأمور لا تعنيه.
• التحدث مع أطفالنا عن حقوق الإنسان التي هي أسس من الديمقراطية حيث تضمّ حق الإنتخابات ونزاهتها وحق التعبير للجميع (نساء، رجال، بغض النظر عن عرقهم أو مستواهم الاقتصادي والإجتماعي... ) وحق التعبير عن الآراء وحق الوصول للسيادة والترشح لاستلام المواقع...

theme::common.loader_icon