يوسف السباعي في القالب الأسطوري الترفيهي للقصص
يوسف السباعي في القالب الأسطوري الترفيهي للقصص
نسرين بلوط
جريدة الجمهورية
Monday, 25-Nov-2019 07:06
«هذا هو الحبّ»، مجموعة قصصية للكاتب يوسف السباعي، الذي قدّم من خلال رواياته وجهاً رومانسياً للسينما المصرية، بملامحه المتراصّة في حلقةٍ من التشابكات النفسية التي تعكس شظايا الاختلال الواقعي في المجتمع، مع تقليبٍ للأحداث السردية على رسم من التوازن والاحتواء.

في المجموعة تجاذبٌ ما ورائي بين الماضي والحاضر، في قصصٍ مخملية تبدو لشدّة مثاليتها تنتمي الى عالم مختلف من الأساطير والمواويل العاطفية من غير توقّعاتٍ مفتوحةٍ تثير خيال القارئ وتشدّ من شغفه لتوقّع النهاية.

«جمالاً..لا يفنى»

في القصة الأولى «جمالاً..لا يفنى»، معجبٌ يسافر لزيارة رسّامٍ مشهور في بلدٍ بعيد، مأخوذاً بلوحاته التي تجسّد صورة زوجته التي تخطف الألباب لشدّة جمالها ورقيّ تعابيرها، ويستأذنه في زيارة الى منزله، حيث يعرّفه على أولاده فقط، حتى يخال أنّ زوجته كانت حلماً منثوراً أو وجهاً من الماضي أفل وغاب وخلّد ذكراها في الرسم، ولكن عندما تتكوّر الشمس منحنية لسطح الغياب، وتنتشر الظلمة الكثيفة، يفاجئه بدعوته لتناول الشاي في الحديقة مع زوجته، فيجهد في تبيان ملامحها في الليل الحالك ولا يستطيع، ولكن جمال روحها وكلماتها المرصوفة بإناة المحبة تستحوذ عليه، وعندما يهمّ بالمغادرة يهمس له الرسّام بالحقيقة، مقرّاً بأنّ زوجته الباهرة الحسن قد فقدت ملامح وجهها الذي تشوّه جرّاء حريقٍ اندلع في المنزل، حيث كانت في الحديقة وهرعت إلى الداخل لتنقذ لوحاته خشية احتراقها، وهكذا أنقذت أعماله وخسرت حسنها، وباتت تحتجب عن الأنظار نهاراً وتظهر ليلاً للزائرين الذين لا يستطيعون رؤيتها من خلال العتمة.

«الغائبان»

في قصة «الغائبان»، يمرّ عابر طريق قد خلا به السبيل في العواصف العاتية والليل المدلهم الأغبر، على كوخ عجوزٍ تصطلي قلقاً وهمّاً حيث تعتقد أنّه مرسالٌ قادمٌ من جهة الغائبين، اللذين يتبيّن للعابر بأنّهما ولدها وحبيبته التي دخلت إليهما في ليلةٍ عاصفة لتحتمي هرباً من حاكم قريته الغاشم الذي طلب يدها للزواج ورفضت لتعنّته وجبروته وهربت منه قاصدة قرية أخرى بعد أن اغتال والدها لرفضه تزويجه ابنته.

تقع الفتاة في عشق ابن العجوز ويبادلها الهيام والمودة، ولكنّ جنود الحاكم تخترق القرية باحثة عنها فتقرّر الاختباء مع حبيبها على متن زورق يجوب بهما البحر لساعاتٍ معدودة ريثما ينتهي الجنود من تفتيش المنازل. ولم يعودا منذ ذلك الحين، والعجوز ما زالت تنتظر، ووحده عابر السبيل يدرك الحقيقة المرّة، إذ أنّه سمع بقصّة شخصين ماتا غرقاً في البحر وقذفهما الموج بعيداً على أقدام رمالٍ تعسة، وكانا الفتاة وحبيبها ابن العجوز المسكينة.

«قصة شعر»

في قصة «قصة شعر»، يروي البطل لحبيبته متغزّلاً بشعرها المتدفق فتنة قصة قديمة تعود أحداثها إلى ألفي عام عندما حاصر الرومان مدينة سيرقوازة لمدة ثلاث سنوات دون أن يستطيعوا ولوجها لمقاومة الجنود الأشدّاء وشجاعة نساء المدينة.

وكان بين سكّانها وجنودها فتى يهيم بعشق فتاة ينير وجهها المستدير بشعرٍ طويل كثيف ينهمر على أكتافها كالسحب المتهافتة حول وجه القمر. وفي إحدى المعارك نزعت حبيبته بضع شعرات من شعرها المنسدل ووضعتها في قوسه مكان الوتر القديم، فذهب إلى المعركة أكثر إصراراً على الفوز وقاتل قتالاً شديداً جذب إليه عيون الناظرين من رفاقه، وبات كلّ جندي يحذو حذوه وينتزع شعرات من رأس حبيبته أو زوجته ويصنع منها قوسه.

وبعد أن عانى الجنود الرومان الأمرين من حدّة هذه الأقواس الثاقبة الدقيقة، تمكّنوا من التسلّل إلى المدينة وسقطت سيرقوازة بعد أن ألحقوا خسائر فادحة فيها، وأمر قائد الرومان أن تقص شعور النساء حتى ينتقم انتقاماً رهيباً، وصنع من شعورهن مشانق للرجال، ومضت العاشقة لترى عاشقها ممدّداً في أسفل القائم الخشبي للمشنقة، وفيه أنفاسٌ تتردّد وكأنّ في الحبل المصنوع من شعرها، السحر العالق القديم من أنامل العاشق ممسّداً إياه في الأيام الخوالي، فلم يلحق بصاحبه الأذى.

«شجرة العشاق»

في قصة «شجرة العشاق» أسطورةٌ رومانسية تتّجه للميثولوجيا السامية في عالم المحبّين، إذ أنّ الراوي يبصر شجرتين متعانقتين نبتتا في الصخور، فيسأل صاحبه عن سرّ هذا المنظر البديع ليروي له حقيقة الأسطورة الخالدة.

هي قصة فتى قاطع طريق نشأ على الخداع الظريف والسرقة والسلب دون أن يلحق الأذى بالآخرين، فهو لا يستبيح عرضاً ولا ينتهك حرمةً حسب تعبيره، فقط تكفيه بعض النقود القليلة التي يسطو عليها من العابرين والمارين، دون أن يدع الشرطة تلقي قبضتها الفولاذية عليه. وكان شديد الوسامة تتهافت عليه النساء دون جهدٍ منه، إلى أن التقى يوماً بعائلةٍ تعبر الطريق على ظهر عربة يجرّها حصان، فيرفق بهم خاصة بعد أن يلمح وجه فتاةٍ يطلّ عليه بملامحه البريئة ويترك فيه أثراً يهزّ حنايا قلبه.

وقد كاد ينسى ملقى الفتاة لولا أن ظهرت من جديد بعد مضيّ وقتٍ طويل برفقة عجوزٍ باذخ الثراء تزوّجها، فيأذن لهما بالمرور على شرط أن يراقص الفتاة للمرّة الأخيرة، فيمرّ بهما الوقت وقد ألقى أشرعة الهوى في بحر قلبيهما، وعندما تمضي تتركه عليل العشق لا يقوى على العمل ولا التفكير ولا الحركة، حتى يشي به واشٍ إلى رجال الشرطة فيضعون له كميناً للقبض عليه،

وكاد يستسلم لولا أن لمح حبيبته مقبلةً من جديد، فقد مات زوجها وعادت إليه لا تقوى على نسيانه، فيعدو إليها مبتهجاً جذلاً لتناله رصاصة من أحد أفراد الشرطة فيقع في هاوية الوادي، مضرّجاً بدمائه فتصرخ الفتاة صرخة مدوية وتقذف بنفسها وراءه في عمق الهاوية ليموتا سويّاً وتنبت في موضعهما شجرتان باسقتان، وقد تعانقتا في وله.

يوسف السباعي نجح في كتابة القصص القصيرة بشكلٍ ترفيهي وليس بأسلوبٍ منهجي ومنطقي يستخلص العبرة، ولكنّه قدّم نموذجاً من الوصف الأسطوري الإيجابي مع أسلوبٍ تقني في لغةٍ تنفذ إلى القلب بسلاسة وتقنية عالية. 

theme::common.loader_icon