الكاتبة السورية دعد ديب: «الرواية هي غرامي الأثير»
الكاتبة السورية دعد ديب: «الرواية هي غرامي الأثير»
كه يلان محمد
جريدة الجمهورية
Thursday, 14-Nov-2019 06:20
يصحبُ عملية الكتابة القلق والهواجس الداهمة، وقد يكون التوتر مع كتابة الرواية أكثر حدةً بما أنّه عالم لا يمكن اقتحامه دون وعي مسبق بأدواته وتفهّم عميق لخصوصياته، كما تتطلّبُ الدراية بصنعة هذا الفن ومقتضياته التشكيلية تراكماً معرفيّاً بمراحل تطوّره، لذا يحتاج الروائي إلى امتلاك الحسّ النقدي بحيثيات الحرفة وتنظيم المادة القصصية بصيغة تظهر بصمته ضمن سلسلة الحوارات مع نخبة الروائيين.

كان لـ«الجمهورية» لقاءٌ مع الكاتبة والروائية السورية دعد ديب حيث صدرت لها أخيراً من دار التكوين «وتترنح الأرض».

• كيف كانت علاقتك بفن الرواية قبل أن تبدئي كتابة نصّك الروائي الأول؟

- الرواية كعلاقة حميمة مع الورق والحكاية هي غرامي الأثير، متعتي الحقيقية، هذا الارتباط مع الكتاب بشكل عام، لازمني في مرحلة مبكرة من حياتي، وبالطبع اقتصرت في البدايات على ما يتوفر من أعمال مطبوعة بالمحيط والمكتبات القريبة، ولكنّ ثورة المعلومات ووسائل الاتصال جعلت أغلب الإصدارات في متناول اليد، وبالفعل زادت كثافة وحجم قراءاتي في المرحلة الأخيرة بشكل لافت، لدرجة جعلتني أتجرأ لأكتب مراجعات نقدية لما يمرّ بين يديّ من أعمال قد تتباين في أهميتها، إلى أن قاربت احتراف المسألة وفي كلّ منها أحلل وأبني تصوّرات وتوقعات لملء فراغات اعتبرها نقصت، أو أحذف ما اعتبره حشواً لا أهمية له، ومن هنا لمعت في ذهني بذور فكرة أن أبدأ أنا بتدوين نصي الأول مع كلّ الإرباك والمهابة التي اعترتني قبل أن أفكّر بطباعته، ورغم أن الكاتب عندما يمسك القلم ينسى كلّ القواعد والأساليب لتنسكب روحه دفقاً من ذاته تأخذ مساربها من مخزونه المعتّق في الذاكرة.

• هل تأثرت في تجربتك الأولى بأعمال معينة أو صادفت حدثاً شعرت بأنّه لا يمكن التعبير عنه إلّا في الشكل الروائي؟

- الكتابة تجربة تختمر فيها تلك الإرهاصات الأولى لمعارف المرء وتجاربه الحياتية، ومثل أيّ كائن هناك مؤثرات فكرية واجتماعية تحكم أسلوب حياته وتفكيره غير أنّ انعكاس هذه المؤثرات في نسق فني نابض، يشير لتضافر عوامل الموهبة والثقافة وخبرة الأيام، وقد تأتي شرارة بسيطة أو صعقة برق، لتكشف الغطاء عن مكنونات لم تجتمع عبثاً، أعود إلى سؤالك، فقد يكون النص الروائي من أكثر الفنون اتساعاً ليستوعب معارف علمية وقضايا فكرية وألواناً مزركشة، وكما قال إدوار الخرّاط الرواية فنّ ماصٌّ لكلّ الفنون الأخرى من شعر ومسرح وسينما و«حدّوتة» ورسم، وهو إلى تغيّر مستمرّ في الأسلوب والأدوات وتطويع اللغة لتناسب التحديث المتواتر.

• يرى بعض النقاد أن ما تدور حوله الرواية الأولى عبارة عن سرد لتجربة ذاتية وسمّي هذا النوع رواية التكوين. هل يتمثل عملك الأول لهذا التوصيف؟

- ما من كتابة غير لصيقة بكاتبها وبعقله؛ وبمزاجه؛ وبتجاربه، أمّا أن تكون سيرة ذاتية فلا أعتقد... أنا بطبعي لا أحبّ سرديات السيرة الذاتية، باستثناء التي تكون كشفاً حقيقياً للذات بشكل فني يخالف توقعات العامة، لا كما يسرده البعض، ومنهم كبار للأسف. وما نلحظه من نرجسية مقيتة وتضخم الأنا عند غالبيتهم، بالنسبة إليّ، نَصّي هو العالم الذي تخيلته ورصدته وتآخيت مع أبطاله، بحيث كانت كلّ شخصية تحمل شيئا مني وهذا لا يعني أنها أنا .

• هل تعتقدين بأنَّ سرّاً وراء تصاعد الإصدارات الروائية يكمنُ فيما يوفره هذا الفن من الحرية في إطار أوسع لتناول المفاهيم الاجتماعية والفكرية والسياسية وتراخي سلطة الرقيب في عالم الرواية؟

- لا أعتقد أنّ ثمّة تراخٍ للرقيب... ما زلنا نتوخى الحذر عندما نقارب أياً من التابوهات من دين وجنس وسياسة، هذا إن لم نتكلم عن الشرطي الذي يقبع في داخلنا، لكن زيادة الإصدارات الأدبية لها علاقة بتوجه ثقافي راعٍ لها، وما تلوح حوله من مغريات وجوائز مادية، وما يترتب عليها من سباق محموم في الكمّ على حساب النوع.

• هل تعتقدين بأنّ الورشات الخاصة بكتابة فنّ الرواية تزودُ المشاركين فيها بأدوات صنعت هذا الفن. ماذا عن تجربتك في هذا المجال؟

- درجت العادة أن يكون في كلّ دار نشر محرّر نصوص ذو خبرة ودراية، لتدارك الهنات والسقطات الناتجة عن قلة المعرفة في ربط مفاصل العمل، وخلق توليفة لا تناقض فيها، قد تلعب الورشات هذا الدور وتوفر للمشاركين أدوات الصنعة فيها ولكنها وعلى الأكيد لا تخلق فكراً ولا موهبة لمن ليس لديه، ولا تراكم ثقافة لمن لا يقرأ.

• روايتك وهي الأولى لك «وتترنح الأرض» العنوان كعتبة نصيّة، ماذا يعني لك وما علاقتها بالعمل ؟

- تترنّح الأرض لثقل وجع الإنسان الظالم لنفسه، والمظلوم بأقداره السوداء، طبعاً اخترت إشارة بسيطة وردت في النص لأسطورة قديمة هي أسطورة الثور الذي يحمل الأرض على قرنيه. وإذا انتبهت لصورة الغلاف حيث تركز العنوان على قرني الثور في مشابهة مضمرة. 

theme::common.loader_icon