أليس هو الذي عاتَب السيّد المسيح، حين سَرق منه القدر ميراي، ملهمته وحبيبته وزوجته، وكانت ما تزال في ريعان شبابها، فانفجَرَ قهراً في وجه فادي البشَر، وأنشَده قصيدة حَمّلها أقسى وجعه وزهده:
مَقهور مِنَّك وَقتْ
للّي مِتّ عالعالي
عَن هالبَشَر كلّن
وصْلَبتني مْحَلّن
عا سِنديان الوَقت
لْ ما بينعَمَل تابوت
ولا بْتَعرفو حْقالي
وناطِر تا فِيّي موت
بِالكاد عن...
حالي
أنطوان مالك طوق مَقهور حتى العظم، لأنّ الدهر أهداه خيبات مُتسلسلة: بدأت مع أخته دنيا، وتعاظَمت مع زوجته ميراي، ولم تُختَم إلّا برحيل والده الشاعر مالك طوق، الذي كان قد رَثى حبيبة ابنه بقصيدة «لا أخت لها» في شِعر العامية اللبنانية...
لكأنّ هذا الشاعر مَفطور على الوجَع... لكأنه مُحترِف آلام قلّ نظيره بين الشعراء اللبنانيين، لأنه استطاع أن يتعايَش مع أوجاعه، على الرغم من شراستها، فكتبَها في قصائده، وخصوصاً في ديوانه «ميرا»، تَيمّناً باسم زوجته، والذي طبعه ونشَره بين القرّاء بعد سنة واحدة على رحيلها... أليس هو القائل في هذا الديوان:
قاعِد لَ حالي...
قاعد بـ فَيّ القَهر
بيمرُق خيالِك... حامِل خيالو
ما بْيلتفِتْ...
يمكن بيخاف الفَيّ
يمحِيهْ مِتل خيال بي شَمس الضهر
ويمكِن ما فيه يشوف غَرْ حالو...
بْصير القصَب بينِخّ تـَ يْبوس النَهر
بيخَزِّق شْفافو عا وِج المَيّ
والنهر مارِق ما عِند بالو
وإذا كان شعراء العامية اللبنانية «أندَر من راحَة الكَف»، كما قال شاعرنا في مقابلة أجريتها معه سنة 1999، فإنّ كثيرين من الشعراء والباحثين يعتبرونه من الشعراء النادرين، الذين استطاعوا بثقافتهم وذكائهم وقريحتهم الوَثّابة أن يحجزوا لهم مكانة مميّزة بين شعراء العامية والفصحى على السواء، كيف لا وهو «الجَوهَرجي» الذي يعتني بقصيدته «عناية خاصة»، فيُشَذّب منها كلّ دَخيل ليَجنَح بها نحو الخيال الخلّاق...
والخَيال الشعري أو التخييل عند أنطوان مالك طوق هو «شَغلِه»، كما يُقال بالعامية اللبنانية، وهذه الـ«شَغلِه» حَتّمَت عليه ألّا يُسرِف في طباعة الكثير من قصائده، لأنّ أصابعه تأبى أن تكتب كلاماً عاديّاً مَنقولاً أو مَمجوجَاً من كثرة «الاستهلاك»... ولذلك كانت دواوينه باللغتين الفصحى والعامية «خَجولة» إذا نحن قارنّاها بـ«عمره الشعري»، الذي بدأ قبل عام 1970 وامتدّ الى ما بعد بدايات القرن الواحد والعشرين...
أنطوان مالك طوق شاعر مُحَلّق في سماءَي الفصحى والعامية، تصَفّح دواوينه القليلة فتَغنَم ساعات حميمات من الشِعر الصافي، وما أندَره في هذه الأيام...