"البث التجريبي لجهنم".. حكايةُ الوجع اللامتناهي
"البث التجريبي لجهنم".. حكايةُ الوجع اللامتناهي
نسرين بلوط
Tuesday, 09-Jul-2019 06:55
جهنّمُ التي يتكلّمُ عنها المؤمنون بالله، والمتوغّلون في صوفية الروح وطمأنينة النفس للإعتكاف الكلّي للخير حتى لا تنهشهم براثنها، استحالت جهنم الحياة التي يحياها السوريون في وطنهم، فيُقتلون ويتشرّدون ويُطردون من جنة آدم إلى براكين ابليس المتوثّبة.

في كتابه »البث التجريبي لجهنم» يحاول الكاتب رواد العوام أن يوعز للقارئ بمدى الوجع الذي يعانيه كمواطنٍ آمن، شُرِّد فجأة من عالمه الصغير في قريته التي دمّرت بيوتها، وخسر حبيبته التي قتلت في انفجار خلال الحرب في سوريا. وربما تكون تلك الرواية جزءاً من السيرة الذاتية للكاتب، أو سيرة غيريّة للكثيرين ممّن تزدحمُ بهم طرقات التشرّد والنفي والإنحسار.

رحلة مصيرية
وعلى طريقة «باص الأوادم» للكاتبة نجوى بركات، يمشي الكاتب عوام في رحلةٍ مصيرية في سيّارةٍ يقودُها سائقٌ بسيط ومع عائلة مكوّنة من الأم والأب وابنتهما التي يقع في غرامها خلال الرحلة للحدود التي تشتّت الشمل حين يتفرّق كلٌّ منهم لاجئاً إلى وطنٍ آخر.

في الرحلة يلمُّ بقصة الفتاة التي اغتصبها جندُ داعش الإرهابيّون إنتقاماً من أبيها الذي والى زعامة أحد قادتهم وخالف الآخر، فدفعت هي ثمن عربدتهم الوحشية من جسدها الذي انكسر وروحها التي تهشّمت على إيقاع الألم، وتمّ اغتصابها علناً أمام عينيّ والدتها دون حياءٍ أو خجل. ولم تزل رائحتهم النتنة وتوثّبهم الوحشي للانقضاض عليها راسخاً في مخيّلتها، يسلبها من إنسانيتها.

قصة أليمة تلخّصُ بعض المعاناة التي تسرّبت في قبضة الوجع مثل السيف الحاد الذي يفصم روح المشاعر ويخلّف الكثيرَ من الأنين، وهي مأخوذة من أرض واقعٍ ضاهى المبالغة وجاور اللامعقول، حيث نافسَ الموتَ بوحشيته.

أمل
وقبل أن تشارف الرحلة على نهايتها، وبعد أن اعتقل جنود الجمارك والد الفتاة بتهمة انتمائه للارهاب، وأخذوه للسجن الذي مات فيه بعد أن تعرّض للتعذيب بسبب سيرته وماضيه الموالي لحركة داعش، يمرُّ الجميعُ بقريةٍ مكانَ تنازعٍ بين الطرفين، فيُقتل السائق والأم ويبقى بطل الرواية مع حبيبته، ويعود بها إلى قريته، متشبّثاً برمق الأمل المتبقي في قلبٍ يحتضرُ هولاً.

في نهاية الرواية، يقصف المبنى الذي يقيم فيه بطلُ الرواية عندما كان خارجه، فيخالُ بأنَّ حبيبته قتلت، ليفاجئنا الكاتب في النهاية ببقية أمل وبقية حياة.

التعبير بصرخة
الرواية أقربُ إلى أنفاسٍ لاهثة، تسعى للتعبير بصرخةٍ عن حجم الوجع الذي لا نراه، ويشعر به أصحابُه المتمرّغون بنقمة النفوس المتأجّجة المزدحمة بالغضب، فترقصُ الأجسادُ ذبيحةً على هيكل التضحيات اللاإنسانيّة.

ورد القليل من الأخطاء الإملائية، وتمادت الحماسة بالكاتب حدَّ الإنحياز عن خطّ السرد، والتجمّل بعبارات الوصف المكثّفة، والخواطر الشعرية المتأزّمة من خطورة الأحداث. وجاء العنوان رغم ثقله على السمع، محاولةً مستميتةً من الكاتب للسيطرة على خصائص الوضع المزري الذي وصلت إليه بلاده، كما ردّد في المقابل كلمة «الياسمين» في أكثر من مقطعٍ في الرواية، ليرشق الأملَ بعطرٍ زئبقي.

«وحده ولا شيء آخر»
يقول رواد العوام في الرواية: «وحده ولا شيء آخر... هو مَن يمسك بأيدينا ليخرجنا من مساحة اليأس... وحده يعلمنا كيف يجبر كسر الروح, ويشفى جرح الحرب.. وحده «خياط الفرح» الذي يضع في جيبه مفاتيح أبواب أغلقت في وجوهنا... وحده من يعدّ لك الزمن على قياس ابتسامتك».

هناك كثير من الوجع في ثنايا الكتاب، وقليل من الحب، والسلام أمرٌ معدمٌ مفقود، وللكاتب مخيّلةٌ ترسمُ الحدث بانتماءٍ شامل للمواقف، وينقصها التجرّد من الإنغماس المكثّف في الخيال والخواطر الشعرية والتشنّجات الدرامية حتى لو انطلقت عفوياً من يراع كاتبٍ عانى من خسارة أرضه على مذبحة التنازع الواهي الضرير.

theme::common.loader_icon