اغتالونا... أو حلّوا عنّا!
اغتالونا... أو حلّوا عنّا!
جوزف طوق
جريدة الجمهورية
Monday, 06-May-2019 07:21

مش مهمّ إذا كانت هناك مشانق منصوبة في الساحات، ومش مهمّ إذا كان الصحافيون وأصحاب الرأي الحرّ مصفوفين أمامها في انتظار حكم الإعدام... مش مهمّ أبداً، طالما أنّ بعض المتعمشقين على الكراسي في لبنان يفوقون جمال باشا السفّاح تغطرساً وبطشاً وتخلّفاً في التعاطي مع الكلمة وحريّة التعبير.

مش مهمّ أبداً إذا كانت هناك مشانق أو حكم بوليسي فاشي أو احتلال خارجي ينتظر الصحافي على مفرق الجملة، طالما أنّ هناك مجموعة من القضاة اليوم قادرة على تنفيذ عمليات اغتيال وإعدام وإسكات وإخضاع بشطبة قلم خاضع لسطلة سياسية تفطر غباءً وتتغدّى استبداداً وتتعشّى لامبالاة.

103 سنوات ما بين 6 أيار 1916 و6 أيار 2019، 103 سنوات سقط خلالها عشرات الشهداء من أبناء الصحافة اللبنانية، أعدموا واغتيلوا واستشهدوا باسم قول الحقيقة ودفعوا ثمن الكلمة الحرّة دماءهم وأرواحهم. أحمد ناصر كان أول الشهداء في ذلك اليوم، وتبعه الاخوان محمد ومحمود المحمصاني، وعبد الكريم الخليل، وعبد القادر الخرسا، ونور الدين القاضي. ومن ثمّ الشيخ أحمد حسن طبارة، سعيد فاضل عقل، عمر حمد، عبد الغني العريسي، الامير عارف الشهاب، باترو باولي، وجورجي حداد، وفيليب وفريد الخازن.

هذا كان على يد العثمانيين، وبعد الاستقلال بقي الصحافيون مستهدفين بعمليات الاغتيال، وكان من بينهم نسيب المتني، وﻓﺅﺍﺩ ﺤﺩﺍﺩ، وكامل مروة، وادوار صعب.

وخلال الحرب اللبنانية استمر مسلسل اغتيال الصحافيين، فاستشهد سليم اللوزي، ورياض طه، وسهيل طويلة، وحسين مروة. وبعد الطائف اغتيل مصطفى جحا، وأحمد حيدر.

ومن ينسى الشهيد سمير قصير، وجبران تويني، وسليمان الشدياق، وليال نجيب، وعساف بو رحال، وعلي شعبان.

نكاد نخجل أن نتذكّر هؤلاء الشهداء، نكاد نخجل أن نأخذ يوم عطلة في ذكراهم، نكاد نخجل أن نكتب آراءنا في بلد تحكمه زمرة من بعض المرتزقة على أكتاف السياسة وصناعتها، ويحرّكون بعض القضاة كالدمى لِكمّ أفواه الأحرار المستعدّين لفضح المستور.

نكاد نخجل أن نحيي ذكرى هؤلاء الأبطال الشهداء في بلد كثير من رجالاته جبناء، فلا يحتملون كلمة من صحيفة أو شاشة أو إذاعة، ولا حتى رأياً على مواقع التواصل الاجتماعي. جبناء يجرجرون نوال ليشع عبود، ومرسيل غانم، وجو معلوف، وصونيا رزق إلى المخافر للتحقيق معهم بعد أن طرحوا أسئلة الناس.

يسرقون ولا يريدون أحداً أن يتحدث عن سرقاتهم، يتجاوزون، يشرّعون، يتعدّون، يرتشون، يكذبون، يلفّقون، ينهبون ولا يشبعون ولا يريدون أحداً أن يسأل عن حجم كروشهم. يعاقرون الفساد ويدمنون على التسلّط ولا يقبلون صحافياً أن يسأل عن عاهاتهم. يحوّلون المؤسسات إلى مواخير، والمرافق العامة إلى كازينوهات، والأموال العامة إلى أرباح ميسر، ولا يتجرّأون أن يردّوا عن سؤال من صحافي.

جمال باشا السفّاح أعدم، والميليشيات اغتالت، والغزاة والأعداء مثّلوا بجثث الصحافيين أحياناً... أمّا سياسيّو زمن السلم والحرية والاستقلال فيغتالون الصحافيين كلّ يوم باستدعائهم إلى التحقيق، وإقفال مؤسساتهم، وصرفهم تعسّفياً من وظائفهم، وعدم توفير مناخ ملائم لحريتهم وأقلامهم.

طمروا البلد بالتلوّث والنفايات، وفتحوا أنهار الهدر والفساد، وامتهنوا الحروب الوهمية والفعلية، وسرقوا ما لقيصر وما لله، وأغرقوا الشعب بالدين والتعتير، لكن طالما هناك مؤسسة إعلامية واحدة تتنفّس في هذا البلد، لن يستطيعوا إغراق الأقلام الحرّة في القمع والجهل والاستبداد.

ويا ليتكم تغتالون كل من يختلف معكم بالرأي حتى تحوّلوه بطلاً، بدل أن تجرجروه إلى مخافر غبّ الطلب وتخوّنوه وتمثّلوا بحريته أمام مناصريكم.

103 سنوات، و203 و303 سنوات وسيبقى شهداء الصحافة أبطالاً، وأحياء الصحافة أحراراً... أمّا أنتم من الأمس فموقوفون في مخافر خوفكم وشعوركم بالذنب. 

theme::common.loader_icon