بعيدك يا ماما بدّي قلّك شي
بعيدك يا ماما بدّي قلّك شي
ساسيليا دومط
Friday, 22-Mar-2019 06:00
«ماما ما كان بدا تجيبني؟ هيي بتقول إنّا بتحبني، بس بتضل زعلانة وتعبانة، وعا طول مش فاضية. معقول كون أنا غلطانة بشي؟ بحس إنو حق عليي، وهيدا الشي كتير بيزعجني، بيخليني ما نام منيح وإحلم إشيا بتخوفني عن ماما»، تقول لارا إبنة العشر سنوات، التي تعيش مع والدتها التي فقدت زوجها بعد معاناة سنتين مع مرض السرطان.

كيف تعيشين الأمومة؟ ما هي أهم حاجات الطفل النفسية من الأم؟ كيف يعيش الطفل قلق الأم وتعبها؟ ما الدور الذي تلعبه في صحة الطفل النفسية؟
يحتفل الأبوان عند حصول الحمل، وتكثر التهاني بعد الولادة، إذ يخرج إلى الحياة مَن عاش في أحشاء أمه لتسعة أشهر، بالإجمال. في فترة الحمل يكون الطفل وأمه واحداً؛ وبعد ذلك يصبح كياناً آخر، مستقلاً، يحتل مكانه في المنزل وبين أفراد العائلة، ويكبر شيئاً فشيئاً، فيستطيع أن يفكر ويحلل تصرفات الآخر، ويتعاطى معه من خلال حاجاته وميوله وانفعالاته. لكن رغم الإستقلالية الجسدية عن أمه، يبقى الطفل بحاجة للإهتمام والعاطفة والحب غير المشروط، ما ينعكس بشكل مباشر على توازنه واستقراره، وتقديره لذاته وثقته بنفسه.

نعيش كأمهات في عائلاتنا بشكل عفوي وطبيعي، فنصرخ عندما نغضب، نعزل أنفسنا في حالات القلق، نبكي ونتعب عند الحزن. لكننا لا نعلم بأننا لا نعيش كل هذه الإنفعالات لوحدنا، بل نعكسها على مَن يعيش حولنا، وخصوصاً مَن يحمل لنا الحب، أي الأهل والأبناء. باستطاعة الأهل والأشخاص الناضجين عاطفياً تفهّم ما يجري، أسبابه والظروف المحيطة به.

أما الأبناء، فقد يدفعهم قلق وحزن وغضب الأمهات إلى الشعور بعدم الحب والقلق والخوف، ولا سيما بأنه غير مرغوب بهم وبأنّ الوالدة سوف تتخلى عنهم. وعندما لا تمتلك الأم المرونة والإيجابية والقدرة على التعاطي السليم مع الأبناء، تظهر لدى الأطفال الأعراض النفسية والجسدية، فيعانون من اضطرابات في الشهية والنوم، يميلون إلى الإنفراد أو يهربون من البيت مفضلين أن تلعب امرأة أخرى في المحيط دور الأم، كالجدة والخالة والجارة أحياناً، هذا عدا القلق والتوتر والشرود الذهني...

لا تتوقعي من طفلك أن يتفهّم الظروف الصعبة والضغوطات النفسية التي تمرين بها، لأن كل ما يحتاجه هو اهتمامك به، وإشعاره بالحب والأمان والراحة. كما أنه يشعر بك وبوجعك، فلا تتركي للأسرار والألغاز والهروب السيطرة على علاقتك به. 

كما أن التكلم بكل الأمور أمام الأبناء أمر خطير ومربك، فرفيق، إبن الـ14 عاماً، قرّر أن يعمل في نهاية الأسبوع، وبعدها رفض الذهاب إلى المدرسة، واتّضح أنّ السبب بذلك كان عجز الأهل عن دفع الأقساط المدرسية، ومناقشة هذه الأمور أمامه، ما أشعره بالذنب بشكل دائم.

أيّاً كانت تكاوينك ولون بشرتك وشعرك، تأكدي بأنك الأجمل بنظر أبنائك لأنهم يرونك بعيون قلوبهم. فهم يكسبون الدفء من لمسة يدك وعناقك، ويستمدون الهدوء والسلام من نبرة صوتك المنخفضة؛ أما نظرتك في عيونهم وإشعارهم بالحب فأغلى ما يحصلون عليه.

عيشي أمومتك كل يوم، فاستقرار سيدات ورجال المستقبل ينطلق الآن من طريقة تعاطيك كأم، فأنت المثل ورمز الحب، سوف تظهرين من جديد في تصرفاتهم وطريقة حياتهم وتعاطيهم مع الآخرين ومع أبنائهم وبناتهم. أنت كأم تزرعين حباً وحناناً وتفهّماً لتحصدي منذ اليوم نجاحاً واستقراراً نفسياً وأفراداً ناجحين في المجتمع.

تقول ريدا بأنّ الأطفال لا يفهمون ما يجري، وربما هي محقة، إلّا أنهم يشعرون ويحسّون بالإهمال والتوتر والأجواء السلبية، يحسّون بأنّ شيئاً خطيراً وسيئاً يحدث، يشعرون بالخطر يتهددهم، والأسوأ هو شعورهم بالذنب عندما تكون الأم تعبة أو مريضة أو قلقة، فيظنون بأنهم السبب وراء ذلك، فيحاولون جاهدين، عاجزين، مساعدتها ونيل رضاها للتكفير عن ذنب قد يكونون ارتكبوه دون معرفة.

لا زالت الأم رمزاً للحب والحنان والعطف، ولا زالت ملجأً يهرب إليه الأبناء في ظروفهم الصعبة مهما بلغت أعمارهم. كل عام والأمهات بألف خير.
 

theme::common.loader_icon