عدنان القصار..هذه قصتي مع الحياة منذ العام 1949
عدنان القصار..هذه قصتي مع الحياة منذ العام 1949
جريدة الجمهورية
Friday, 14-Dec-2012 00:10
قصة نجاح..بهذه الكلمات يمكن اختصار مسيرة رجل اقتصادي غير عادي، دخل مجالات العمل في الشأنين العام والخاص وحقّق فيهما انجازات قلّما حققها رجل آخر. انها سطور في حياة عدنان القصار، الاسم الذي لم يعد يحتاج الى اية اضافة للتعريف به... القصار يروي لملحق «المال والاعمال»، المسار الذي قطعه قبل أن يستقر على القمة.
ايفا ابي حيدر


• كيف دخل عدنان القصار عالم الأعمال؟ كيف كانت البداية، وكيف يصف إنجازاته اليوم؟


- كنت في التاسعة عشرة حين بدأت العمل التجاري في عام 1949 في مكتب صغير من مبنى القصار في مقابل الجامع العمري. ومن ثم كانت النقلة النوعية عام 1954، حين قمت برحلتي الأولى إلى الصين ودخلت من خلالها إلى عالم التجارة الدولية. تلا ذلك التوسّع في الأعمال وحيازة مصرف فرنسبنك مع شقيقي عادل عام 1980 والذي أصبح مجموعة فرنسبنك المصرفية، حيث عملنا على تطوير المجموعة ونموها في لبنان وتوسيع عملها على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وإذا كان لي أن أنظر إلى إنجازاتي اليوم، والتي حصدتها بالتعب والصبر والمثابرة، يمكنني أن استخلص عبرتين أساسيتين، أولهما أنه ليست هناك طريق طويلة ولا صعبة لمن يعرف ماذا يريد ويتقدم ببطء من دون استعجال لتحقيقه، متسلحا بالقدرة والاستقامة والعلم والخبرة وطول البال.

والعبرة الثانية التي طالما استخلصتها وعملت بها هي أن النجاح الحقيقي والقابل للدوام لا يعبر في المسالك الموجودة أصلا، بل إنه في الرؤية لفتح الطرق والدروب الجديدة وتحقيق القيمة المضافة والزيادات النوعية.

• متى بدأت العمل في الشأن العام في المجال الاقتصادي، من رئاسة غرفة بيروت إلى رئاسة الهيئات الاقتصادية والمواقع الأخرى التي شغلتها؟

- لقد كانت لي قبل رئاسة غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان عدة محطات أخرى. فقد انتخبت في عام 1958 عضوا في جمعية تجار بيروت، وكنت حينها في بداية المشوار في عالم التجارة والأعمال. وبعد عامين من ذلك انتخبت أمينا عاما لهذه الجمعية.

ومن ثم ترشحت في انتخابات الغرفة التي جرت عام 1972 وفزت بمنصب رئاستها الذي بقيت أشغله لغاية عام 2005. كما كنت قبل ذلك، قد عينت أول أمين عام لـ "الهيئات الاقتصادية" التي أسسها الشيخ بطرس الخوري عام 1965، ومن ثم عادت إليّ رئاستها بعد انتخابي رئيسا للغرفة ولغاية اليوم، حيث عملت على تفعيلها لتجمع شرائح واسعة من الجمعيات والمؤسسات الممثلة والمعنية بالقطاع الخاص اللبناني.

وتوليت منصب نائب رئيس مجلس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية منذ عام 1972 لأكثر من ثلاثين عاما، حيث سعيت بشكل مستمر مع زملائي رجال الأعمال العرب لإزالة العقبات والقيود التي تواجه حركتي التجارة والاستثمار بين البلاد العربية تمهيدا لتحقيق طموحنا بالسوق العربية المشتركة.

كما حزت منصب رئاسة هذا الاتحاد للفترة 1997 – 1999، ليعاد انتخابي رئيسا له منذ العام 2005 لغاية الآن، بعد أن تم التجديد لي ثلاث مرات متتالية منذ ذلك الحين. وأنا أعتز بالمقر الذي شيّدته للاتحاد في بيروت وتمّ افتتاحه عام 2008 ليصبح بيتا للاقتصاد العربي وقبلة أنظار رجال الأعمال العرب والدوليين.

كما فزت بمنصب رئاسة غرفة التجارة الدولية في عام 1999 لمدة عامين، حيث إنني رجل الأعمال العربي الوحيد الذي استطاع أن يصل إلى هذا المركز الدولي الرفيع.

• كيف كانت تجاربك في السلطة عندما تسلمت حقائب وزارية في أكثر من حكومة؟

شاء دولة الرئيس عمر كرامي لدى تأليف الحكومة عام 2005 أن يضمني إليها، فتسلمت حقيبة وزارة الاقتصاد والتجارة. ورغم أن عمر الحكومة التي شغلت فيها هذا المنصب كان قصيرا، غير أنني عملت بنشاط، وأعتز بالاستراتيجية التي وضعتها وبدأت تنفيذها خلال تلك الفترة، والتي ركزت على زيادة التعاون بين القطاعين العام والخاص، وإتاحة كافة التسهيلات المعزّزة لدور القطاع الخاص.

كما شغلت من جديد منصب وزير دولة في حكومة الوفاق الوطني للفترة 2009 – 2011، حيث عملت عن قرب مع فخامة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء لإنجاز عدد من الخطط والبرامج الاقتصادية للملفات التي تم تكليفي بها مع غيري من الوزراء. وأذكر أننا نجحنا في تلك الفترة في اعتماد الأسلوب البراغماتي لمقاربة الشؤون الاقتصادية بفعالية.

ولا أخفي سرا حين أقول أنني وجدت نفسي خلال تجربتي في السلطة في أجواء مثقلة بالبيروقراطية الغريبة بعض الشيئ عليّ، مقارنة بالمنهجية العملية التي تعوّدت عليها في عالم الاقتصاد والأعمال.

• كيف ينظر عدنان القصار إلى العمل السياسي في لبنان؟

العمل السياسي بالنسبة لي ليس غاية بحد ذاته بل وسيلة لخدمة وطني وإنمائه، ولممارسة قناعاتي المستقلة وتوظيف إمكانياتي وطاقاتي وكافة علاقاتي العربية والدولية على جميع المستويات، سواء كانت سياسية أم اقتصادية، في سبيل ذلك.

• كيف تصف القطاع المصرفي الذي أصبحت واحدا من أركانه، وما هو المستقبل الذي تراه لهذا القطاع؟

القطاع المصرفي اليوم هو العامود الفقري للاقتصاد اللبناني، ومن أهم أركان القطاع المصرفي العربي، وحتى الدولي، خصوصا من حيث الثقة العالية التي يتمتع بها من كافة المراجع الدولية، ولاسيما بعد أن حقق صمودا وأداء باهرا تجاه الأزمة المالية العالمية التي انفجرت عام 2008 وطاولت شظاياها معظم دول العالم وأكبرها وأهم المصارف فيها.

وقد جاء ذلك نتيجة للسياسات الحكيمة والصارمة في إدارة الجهاز المصرفي التي اعتمدها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، وتعاونت المصارف اللبنانية جميعها معه بتنفيذها بشفافية عالية، وكذلك كحصاد لسنوات طويلة من الخبرة للمصارف اللبنانية في الحد من المخاطر التي رافقت الظروف الصعبة التي مر بها الاقتصاد اللبناني.

• كيف كانت نتائج القطاع المصرفي عام 2012، وما توقعاتك للعام 2013؟

لم يكن عام 2012 عاما عاديا، بل كان حافلا بالتحديات بسبب الأحداث العالمية وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، بالتزامن مع الأوضاع الإقليمية التي لا تزال تترافق مع أحداث وتداعيات "الربيع العربي"، وخصوصا في سوريا. لكن التحدّي الأصعب كان في ما جرى عندنا، لاسيما خلال فترة الصيف، من أحداث أمنية وقطع للطرقات، وأدّت إلى تراجع النشاط الاقتصادي في غالبية القطاعات، وبالتالي، في معدل النمو الذي يتوقع ألا يتجاوز نسبة 2 في المئة في نهاية العام الحالي.

وفي ظل هذه الأجواء اتخذت المصارف اللبنانية سياسات حذرة، وعملت على التركيز على المحافظة على استقرار الإيرادات وتقليص النفقات بغية الاستمرار بتحقيق الأرباح. ولكن، رغم كل ذلك، وما رافقه من صعوبات، استطاع القطاع المصرفي أن يحقق معدلات نمو وأرباح مرضية.

وسجلت الموجودات المصرفية زيادة بنسبة سنوية قدرها 7 في المئة بنهاية تشرين الأول 2012 لتبلغ نحو 149 مليار دولار، بالتزامن مع زيادة ممتازة، قياسا بالظروف وأداء المصارف الدولية، في حجم التسليفات التي بلغت نسبة 10%. كما سجلت زيادة بنسبة 7 في المئة في أرباح أكبر 12 مصرفا والتي بلغت 1.2 مليار دولار للأشهر التسعة الأولى من عام 2012. ومن المنتظر أن يستمر الأداء الجيد للمصارف اللبنانية للعام 2013، وأن تمضي بالتوسع محليا ودوليا.

• ما هي الدول التي أنشأت مع قيادتها السياسية والاقتصادية علاقات مميزة؟

من الصعب تحديد الأمر بتعداد الدول، أولا لأنها عديدة، وثانيا لأن المسألة ليست بالعدد، بل بالأثر الذي نجحنا بحمد الله في رسمه لرفع صورة بلادنا. وبطبيعة الحال، وبحكم موقعي كرئيس لمجموعة فرنسبنك وللهيئات الاقتصادية واتحاد الغرف العربية، وغيرها من المراكز فقد نسجت خلال تنقلاتي وجولاتي الكثير من العلاقات مع كبار المسؤولين والشخصيات العربية والدولية.

• ماذا ينقص الاقتصاد اللبناني لكي يصبح اقتصادا مزدهرا؟

من المؤسف حقا أن موضوع الإصلاح في لبنان يكاد يكون شبه مستحيل. وهل يعقل أن يعقد باريس الأول والثاني والثالث والتي شاركنا فيها جميعها ووُعدنا بإصلاحات شاملة ومتعددة على مختلف المستويات، وحصلت الدولة على التمويل والائتمان على أساسها، فيما لم يتم إحداث أي تقدم في أي مجال من مجالات الإصلاح المطلوبة، بل على العكس شهدنا زيادات متتالية ومتوالية في الهدر والإنفاق غير المنتج، بما أدّى إلى تنامي وتراكم الدين العام حتى وصل الآن إلى عتبة 56 مليار دولار، بالتزامن مع التردي في الخدمات العامة.

• ما هي أحلام عدنان القصار بعد كل ما حققه حتى اليوم؟

أحمد الله أنني حققت من زمني جميع طموحاتي، بل وأكثر منها على الصعيد الشخصي. أما طموحاتي الأهم، والتي تشغل بالي حقا، فهي أن أرى بلدي يعود إلى الطريق السويّ والطبيعي من الاستقرار الأمني، حيث تفرض الدولة هيبتها وسلطتها على كامل أراضيها، وكذلك، وبنفس الأهمية، أن ننعم بالاستقرار الاجتماعي.
theme::common.loader_icon