عاجل : تدافع في مركز اقتراع في عرسال بسبب الاكتظاظ الكبير والجيش يعمل على تنظيم الوضع
«ومَن لا يحبّ صعود الجبال يَعِش أبد الدهر بين الحُفر»
«ومَن لا يحبّ صعود الجبال يَعِش أبد الدهر بين الحُفر»
اخبار مباشرة
المحامي فؤاد الشيخة
جريدة الجمهورية
Saturday, 01-Dec-2018 06:50

بعد خميسٍ أسود وسبتٍ أسود، جاءنا نهار جديد ليسجّل على لائحة الأيام السوداء في تاريخ لبنان، ألا وهو نهار الجمعة الأسود. حالة ولادة، سقوط شاحنة، مجارير متفجرة، قصة شعر، نرجيلة ونحو مليون لبناني جمعتهم كلهم بدعةُ استقلالٍ على طرقات بيروت في آن معاً.

نحن شعبٌ كان يعيش في قطعة سماء قبل أن تحوّل الى غابة ملوّثة ومظلمة على الأرض. شعبٌ يحسد صحراء دبي التي تحولت إلى حدائق وأنهر يُضرَب بها المثل كأنها قطعة من السماء. إنّ هذه الصحراء لم تتحول إلى ما أصبحت عليه من عدم.

ففي دبي لم تعتمد مثلاً عادة تقديم الساعة وتأخيرها، حيث تبيّن للدولة حجم الخسارة التي يمكن ان يتكبّدها الاقتصاد من جرّاء ساعتين تأخير فقط في السنة.

أما نحن في لبنان، فتوقفت الحياة بأكملها لـ4 ساعات ولم يكلّف أحد نفسه بالسؤال عمّا تكبّده اقتصادنا الذي هو في حالة الموت السريري.

إختصر أبو قاسم الشابّي حالنا بجملة، «ومن لا يحبّ صعودَ الجبال يَعِش أبدَ الدهرِ بين الحُفر». لكن لم يعلم هذا الشاعر القدير ما يمكن أن يملأ تلك الحفر من ظلمٍ ووجعٍ وقسوة. ومن سخرية القدر أنّ الجملة المذكورة أتت في قصيدة عنوانها «إرادة الحياة».

ولكن هل ما زلنا نملك إرادة الحياة في لبنان؟

إنّ مشهد نهار الجمعة الأسود جعلني أسأل نفسي سؤالاً جوهرياً: كيف اجتمع نحو مليون لبناني في مساحة أرض واحدة لمدة 4 ساعات من دون أن تولد أكبر ثورة في تاريخ لبنان الحديث؟ كيف لشعبٍ يعيش في كمٍ من القسوة والظلم والحرمان بكل الأوجه وعلى كل الصعد، يُجبر على الوقوف جنباً إلى جنب وعدم التحرك لـ4 ساعات متواصلة، من دون أن يتوحّد ويعلي الصوت على مَن وضعه في كل مصائبه؟ أليست الثورة عبارة عن تجمّع أناسٍ جنباً إلى جنب في آنٍ معاً وفي المكان نفسه للمطالبة بحقوقهم؟

أتت فرصة ماسية للبنانيين من جميع الطوائف والمذاهب والأعمار ليوصّلوا صوت غضبهم وهم واقفون في حالة ثورة، لكنّ الشعب أبى. أبى أن يلوم الحكّام الذين انتخبهم حراً ومختاراً منذ أقل من سنة ويقلب الطاولة عليهم. بل اكتفى للأسف بالنق والسَبّ والشتيمة، لتمرّ المصيبة كما غيرها مرور الكرام.

فكالعصفور الذي تُفتح له أبواب القفص ولا يطير، فهو من طيلة سنوات السجن نَسي أنه خلق ليطير.

المشكلة الحقيقية في لبنان هي أننا نسينا وخسرنا قدرة المطالبة بالحق، والايمان بقدرة التغيير. ففي زمن أصبح اللبناني يتَرحّم على أيام الانتداب الفرنسي وما يمكن أن يكون عليه حالنا لو ما زلنا تحت أمرة تلك الانتداب.

نسي اللبنانيون الذين يعشقون لوم الغير على نتائج صمتهم ورضوخهم، أنّ أُمّنا الحنون يسكنها شعبٌ يقدس حقوقه، ومن أهمها حق المطالبة بالحق.

فكما شهدنا منذ أيام أنّ الشعب الفرنسي نزل إلى الشارع وثار بوجه مُمثليه، فقط لأنهم رفعوا أسعار المحروقات قليلاً. فإذا أصبح التَشبّه بأم الديمقراطية فرنسا من عاداتنا، فلنتشَبّه بشعبها هذه المرة لعلّ اللبنانيين الذين يملأون مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الذكية والمتقدمة أحياناً والتافهة والمتخلفة أحياناً أخرى وعدّة، يلقنون درساً عن كيفية المطالبة بالحق من تلك الشعوب التي تشجعت وتجمّعت وتحركت لتتقدّم.

«بركي التغيير جايي...على إيدن هنّي جايي» هذه كانت أمنية زياد الرحباني في زمن الحرب. لكن ها نحن هنا، ولم نغيّر شيئاً بعد!

لن يأتي التغيير بالقبول والرضوخ، وبالتأكيد ليس بالدعاء. فأرجوكم أن تهمّوا إلى التغيير، في أي ساعة وفي كل الساعات، في أي مكان وفي كل الأماكن. فيكفي أن يقف كل لبناني تحت منزله ويعلّي الصوت ويطالب بحقه في الحياة.

«إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة فلا بُدّ أن يستجيب القدر
ولا بُدّ لليل أن يَنجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسر»

وللخير وللبناني الحقيقي أن ينتصر. 

theme::common.loader_icon