كارم محمود سَبق أم كلثوم في غناء «الأطلال»
كارم محمود سَبق أم كلثوم في غناء «الأطلال»
طوني نجم
جريدة الجمهورية
Tuesday, 04-Dec-2012 23:58
في كتابه الجديد «حكايات الأغاني» (عن دار رياض الريّس للكتب والنشر) يتقمّص المؤلّف فارس يواكيم دور الدليل، فيقود القراء في رحلة القصائد من موطنها الأصلي في دواوين الشعراء إلى أغاني المطربات والمطربين عبر 450 صفحة مملوءة بالمتعة.
فهناك متعة في الاكتشاف عندما نتمكّن من معرفة أسرار حكايات أشهر الأغاني العربية من أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب إلى ماجدة الرومي وكاظم الساهر. ولقد توقّف المؤلّف عند الرومي والساهر، لندرة الأغاني التي تتكوّن كلماتها من قصائد فصيحة في تسجيلات المغنيات والمغنّين في الأجيال اللاحقة.

يصِل الكتاب إلى الجمهور العريض على رغم أنه بحث أدبي رصين. لأن موضوعه يتناول الأغاني التي ردّدها الناس كثيرا، أو التي لا يعرفها الناس ويكتشفون وجودها في الكتاب.

ومن هذه الحكايات الطريفة أن كارم محمود سبق أم كلثوم إلى غناء قصيدة "الأطلال" بلحن آخر وضعه محمد فوزي. ومنها أن أغنية "الأطلال" في معظمها من القصيدة التي تحمل العنوان نفسه للشاعر ابراهيم ناجي، لكن مقاطع منها مأخوذة من قصيدة أخرى للشاعر نفسه بعنوان "الوداع"، ومنها المقطع الشهير "هل رأى الحب سُكارى"؟

والكتاب غنيّ بالمقارنات بين القصيدة الأصلية كما كتبها الشاعر ونشرها في ديوانه، وبين الأغنية التي انتشرت عبر نجوم الطرب.

بين "رباعيات الخيام" نَصّ الديوان وأغنية أم كلثوم فوارق كثيرة، من أبرزها حذف نقطة من "المقرّ" لتصبح "المفر". في الأصل "لبستُ ثوب العيش لم أستَشَر/ وحِرتُ فيه بين شتّى الفِكَر/ وسوف أنضو الثوب عني/ ولم أدرك لماذا جئتُ أين المقرّ".

أي: ولدت من دون أن يستشيرني أحد، وسوف أموت ولم أعرف لماذا ولدت وأين المقرّ بعد الموت... وفي ذلك شكّ في وجود الجنة والجحيم... لكن المفرّ يمكن تأويلها على أنها المفرّ من مشاكل الحياة. كثيرة هي الأغاني التي روى كتاب فارس يواكيم حكاياتها، وهو اقتصر على الأغاني التي تعرّضت للتعديل.

وشرح أين وقع التغيير، ولماذا؟ وما هي الكلمات الجديدة؟ وهل جاء التغيير بأفضل؟... وبمقارنة بعض القصائد، أدرك المؤلف، ونقلَ لنا إدراكه، أن بعض الأغاني تختلف كثيرا عن القصيدة الأصلية، وقد بلغ الشعراء في التغييرات التي أجروها إلى كتابة النص من جديد أحيانا، وربما قلنا "إلى كتابة نص جديد".

هكذا فعل الهادي آدم في أغنية "أغداً ألقاك؟" التي غنّتها أم كلثوم، ونزار قباني في "قارئة الفنجان" التي غنّاها عبد الحليم حافظ، وفي "مع جريدة" التي غنّتها ماجدة الرومي، وفي "هل عندَك شكّ" التي لحّنها كاظم الساهر وغنّاها. وأحياناً بلغت الأبيات الجديدة التي كتبها نزار قباني للأغنية حدّ تغيير معناها الأساسي. ووفق فارس يواكيم، يبدو ذلك واضحا في أغنية "أسألك الرحيلا" التي غنّتها نجاة الصغيرة.

ويقول: "بالمقارنة بين القصيدتين، نلمس أن التغيير لم يقتصر على المفردات والصياغة والتعبير، إنما لمس الرأي والموقف، موقف المرأة التي على لسانها تجري القصيدة. فالمرأة في قصيدة الديوان تطلب الافتراق والرحيل، مع اعترافها بأن حبّها لذلك الرجل لم يَمت، وطلبها الافتراق هو لتجديد الحب.

أما المرأة في قصيدة الأغنية، فلا تطلب الرحيل أبدا. بل العكس، تريد منه ألّا يكترث بكلامها، أن ينسى طلب الفراق الأوّل. وتناشده صراحة أن يبقى، حتى لو سألته الرحيل. هكذا تختتم الأغنية على طريقة الأفلام السينمائية بالنهاية السعيدة".

وفي السينما، غَيّر موقع الأغنية في الفيلم معناها الأصلي. في فيلم "الخطايا" غنّى عبد الحليم حافظ قصيدة الشاعر إيليا أبو ماضي "لست أدري"، وهي قصيدة التساؤل الوجودي والقلق إزاء المصير من زاوية الجبر والاختيار.

يذكر فارس يواكيم: "في الفيلم، وبعد مشهد عاصف، يعرف عبد الحليم حافظ أن الرجل (عماد حمدي) الذي كان يعتقد أنه والده، لم يكن كذلك! ويخرج من الدار مَصدوماً حزيناً، فهو يشعر أنه لقيط، مجهول الأب. وفي الشارع يغني: "جئت لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت!".
theme::common.loader_icon