في رواية «ابتسامات ودموع» لمولر، تلعب مي زيادة دور المترجمة ولكنها تنقلها بلغة متينة ثقيلة الوقع في التماهي في الوصف المخملي للطبيعة، حتى إنها تجاوزت حدّ المعقول، فترنّحت مع الطيور وترنمت مع الورود المتضرّجة الثغر، وكأنّها تعود بنا إلى أولى تثاؤبات الرواية التقليدية الكلاسيكية القديمة.
كما في روايات جبران، يكتب مولر عن فتى فقير يعيش في قرية صغيرة، يتعرّف في صغره على حياة الأمراء ويلعب مع صغارهم ويقع في حبّ أميرة صغيرة تماثله في السن، نحيلة ومريضة، تتوقع أن ترحل إلى حتفها في أيّ لحظة.
يسافر الفتى ليكمل دراسته وعندما يعود إلى القرية وقد نبذ فكرة الإقطاعية والرأسمالية وتوحّد مع المطالب الشعبية، تستدعيه الأميرة التي عشقها صغيراً، ليكملا قصة حبهما المستحيل الذي ينتهي بموتها.
القصة روتينية وتكرّرت صورها في الكثير من الروايات الغربية والعربية على حدّ سواء، وخاصة في القرن التاسع عشر، ولكن ما جمّلها هو الأسلوب الحذق المتقن لقلم مي زيادة التي سارت نحو الشمس في إبداعها، ولم تتلعثم بالقيود البالية الحمقاء التي فرضها المجتمع الشرقي على المرأة، بل أثبتت بأنّ التنوير الفكري يصيبها كما الرجل، ولا فرق بين إنسانٍ وإنسان إلّا بالعمل والإبداع والتنويع.
لا ريب بأنّ حبّ مي زيادة لجبران كان نابعاً من إيمانها بضرورة التمرّد على المعتقدات والتقاليد، والإستنطاق الداخلي للسيكولوجيا النفسية، والخارجي للمظاهر المحيطة بالفرد، وخلق أشخاص في الرواية يوفّرون العناصر الروائية اللازمة لتشكيل العمل الفنّي للنص.
ولم يأتِ عملُ مي سواء في الخلق الأدبي أو الترجمة الأدبية عن عبث، بل تشبّث بأركان البعد النفسي والتاريخي والإنساني، فقد تستطيع مجازفة أن تستغني عن عنصر المكان أو الزمان في سبيل إثبات قضية تتكرّر في مختلف العصور، وهذا هو لبّ التحليق الفنّي الحقيقي للعمل.
خارجيات النص في «ابتسامات ودموع» تنضح بحيوية فائضة رغم الإسهاب المطبق على شفاه الكلمات الوصفية، التي تتمرّغ في رحاب الطبيعة، وقد اشتهر عصر مي بهذا التركيز المطوّل في وصف عناصر الطبيعة، لارتباطها الجذري بالإنسان، وهذا يؤدّي بشكلٍ طفيف إلى مصادرة صبر القارئ الذي ينتظر أن تلتفّ الحبكة في استدارة مفاجئة لتغيّر له الحدث المرتقب.
هوية النص في كتاب مي زيادة المترجم يبدو واضحاً ولكنه فكرة مكرّرة مستنزفة، ما يجمّله هو أنه يتمتع بدلالات فكرية وثقافية تحدّد الصيغة المرئية للمتلقي وهو القارئ، ويشيع الهدوء الفلسفي في الجو.
لغة مي زيادة كالعادة متينة تعتنق الإرتقاء والنشوة المحسوسة لا الملموسة للأشياء المحيطة، مع صياغة متنوّعة لا تقع في منحدرات التلوّث الحسّي.
«ابتسامات ودموع» يتماثل مع كتاب «دمعة وابتسامة» لجبران في ولوجه الفكري في بيادر القمع الإنساني، وتركيزه على الثقوب السوداء للأفلاك الروحية الدائرة في فضاء الحياة، وربما كان هذا سرّ عشقها له وتقديرها لكاتبه الألماني الذي استطاع أن يستحضر طيفَ حبيبها جبران في مخيّلتها، وتنطلق مثله في رحلة بحث عن الحقيقة والحرية والطمأنينة المؤجّلة من عصر إلى عصرٍ آخر.